إستقالة غلام رضا آغا زاده من منصبه كرئيس لـ”وكالة الطاقة الذرّية الإيرانية” تعني أن “الأزمة” التي تحدّث عنها هاشمي رفسنجاني في “خطبة الجمعة” اليوم قد وصلت حتى إلى “الخط الأحمر” للنظام الإيراني، وحتى إلى “المحرّم النووي” الذي كان الرأي العام الإيراني يُجمع حوله حتى الآن. أما عودة رفسنجاني إلى إمامة صلاة الجمعة في طهران فتعني أن المعارضة قرّرت أن تنشط على “الجبهة الدينية” ضد نظام خامنئي-أحمدي نجاد.
ولم يذكر خطاب إستقالة غلام رضا اغازاده أي أسباب لها، إلا أن اغازاده معروف بعلاقته الوطيدة مع رموز الحركة الإصلاحية، كما أنه صوت لرفسنجاني خلال انتخابات الرئاسة عام 2005 أمام أحمدي نجاد، كما أيد موسوي في الانتخابات الأخيرة أمام أحمدي نجاد أيضا.
في خطابه بجامعة طهران اليوم الجمعة، قال الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني: “حينما لا يكون الشعب حاضراً، أو حينما لا يؤخذ إقتراع الشعب بالإعتبار، فإن الحكومة لا تكون حكومة إسلامية”. وفي ما كان المصلّون يهتفون “أزادي، أزادي”، أي “الحرية”، و”الموت للديكتاتور”، أضاف رفسنجاني أن الإمام الخميني “كان يعرف أن تصويت الشعب هو أهم شيء في بلادنا”.
وحسب وكالة “رويتر”، قال الرئيس الايراني الاسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني ان بلاده في أزمة بعد الانتخابات المتنازع على نتيجتها وذلك في تحد واضح للزعيم الاعلى الايراني بينما استغل عشرات الالاف من المحتجين صلاة الجمعة لاظهار أكبر قدر من المعارضة منذ أسابيع.
واندلعت الصدامات في وقت لاحق في وسط طهران بين الشرطة وأنصار قائد المعارضة مير حسين موسوي الذي لايزال يشكك في نتيجة الانتخابات التي أظهرت فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد بفارق كبير عن أقرب منافسيه.
وقال شاهد عيان “أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وضربت مؤيدي موسوي في الشارع” مضيفا أن المحتجين يحملون مئات من الرايات الخضراء – شعار حملة موسوي الانتخابية – ويرددون “أحمدي نجاد استقل .. استقل.”
وقال رفسنجاني وهو رجل دين نافذ ومعتدل دعم موسوي خلال حملته الانتخابية ان العديد من الايرانيين تساورهم شكوك بشأن النتيجة الرسمية لانتخابات 12 يونيو حزيران.
وقال رفسنجاني الذي كان يؤم صلاة الجمعة للمرة الاولى منذ الانتخابات “نحن كلنا اعضاء اسرة واحدة. امل مع هذه الصلاة ان نتمكن من تخطي مرحلة المتاعب هذه التي يمكن ان توصف بالازمة.”
وتبث الاذاعة الحكومية صلاة الجمعة في جامعة طهران على الهواء مباشرة حيث يلقي رجل دين كبير خطبة دينية سياسية فيما يعد أحد تقاليد ايران ما بعد الثورة.
ولم يحدث قط أن وصفت أي شخصية بارزة في المؤسسة الايرانية الاضطرابات التي وقعت بعد الانتخابات الرئاسية بالازمة.
وتمثل تعليقات رفسنجاني تحديا واضحا للزعيم الاعلى الايراني اية الله علي خامنئي الذي أقر نتيجة الانتخابات واتهم قوى أجنبية باشعال الاضطرابات.
وخارج مبنى الجامعة استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق أنصار موسوي الذين تجمعوا للصلاة. وقال شاهد عيان ان 15 شخصا على الاقل اعتقلوا.
وحضر موسوي الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في الثمانينيات الصلاة في أول ظهور رسمي له منذ الانتخابات الرئاسية التي يقول انها زورت. وتنفي السلطات وقوع أي تزوير.
وهاجم رفسنجاني الذي يرأس مجلس الخبراء وهو جهاز قوي يملك نظريا سلطة عزل الزعيم الاعلى الطريقة التي أدارت بها السلطات الانتخابات والاحداث التي جرت بعدها.
وقال “عندما يغيب الشعب عن المشهد وتغيب اصواته لا تكون هذه الحكومة اسلامية” في اشارة الى اتهامات المعارضة بتزوير الانتخابات. وقال “هذا يوم مرير.”
وقال رفسنجاني ان من المهم استعادة ثقة الناخبين في النظام. وأضاف داعيا الى وحدة الصف تلك الثقة لا يمكن أن تعود بين عشية وضحاها…كلنا تضررنا.”
وانتقد مجلس صيانة الدستور وهو الهيئة الدينية التي تقوم بفرز المرشحين وتنظر في الطعون الانتخابية لفشله في القيام بدوره على الرغم من أنه حصل على خمسة أيام اضافية لاعداد تقييمه. وينفى المجلس وجود أي مخالفات في العملية الانتخابية.
وقال رفسنجاني الذي كان مقربا من اية الله روح الله الخوميني مؤسس الجمهورية الاسلامية مستخدما لهجة قاسية ضد تعامل قوات الامن مع المتظاهرين “أتكلم كشخص عايش الثورة يوما بيوم … كنا نعرف ما يريده الامام الخوميني. لم يكن يريد استخدام الارهاب أو السلاح حتى في المعارك (من أجل الثورة).”
وأثارت انتخابات الرئاسة الايرانية أكبر اضطرابات داخلية تشهدها ايران منذ ثورة 1979 كما كشفت عن انقسامات عميقة بين نخبتها الحاكمة.
وقال رفسنجاني الذي أثار غضبه اتهام أحمدي نجاد له خلال الحملة الانتخابية بالفساد “اذا لم تحفظ الجوانب الاسلامية والجمهورية للثورة فذلك يعني أننا نسينا مبادئ الثورة.”
وقتل ما لا يقل عن 20 شخصا خلال العنف الذي أعقب الانتخابات. وتتبادل السلطات وموسوي الاتهامات بالمسؤولية عن اراقة الدماء. وتمكنت قوات الامن من السيطرة على مظاهرات الشوارع التي اندلعت الشهر الماضي لكن موسوي ظل على تحديه.
كما طالب رفسنجاني بالافراج الفوري عن المحتجزين الذين اعتقلتهم السلطات الايرانية في الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات وبتخفيف القيود على حرية الصحافة.
واعتقلت السلطات الايرانية عددا من أقاربه بسبب المشاركة في المظاهرات المؤيدة لموسوي من بينهم ابنته فائزة وأفرج عنهم بعد وقت قصير.
وقال في لهجة مؤثرة “في الموقف الحالي ليس ضروريا ان نحتفظ بعدد من الناس في السجون … علينا أن نسمح لهم بالعودة الى أسرهم.”
وأضاف “لا توجد ضرورة للضغط على وسائل الاعلام. ينبغي أن نسمح لها بالعمل بحرية في اطار القانون.”
وكان يمكن سماع أصوات الحشود واضحة وهي تهتف “موسوي .. موسوي .. نحن نؤيدك” مقاطعين لفترة وجيزة خطبة الجمعة التي ألقاها رفسنجاني قبل أن يطلب منهم الهدوء.
ويبدو أن موقف رفسنجاني سيضعه في صدام مع خامنئي الذي جاهر بتأييد أحمدي نجاد بغض النظر عن دور الزعيم الاعلى المتفق عليه كحكم يسمو فوق الخلافات السياسية.