إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
نقولها لشيء اسمه (النظام) الحاكم الذي عاث فساداً وخراباً وتسلطاً ونهباً، واختزل البلاد في أقلية قرابية مافوية ومعها زمرة من الأقارب والأزلام والعقارب والمرتزقة والمارقين والأفاكين والطبالين والبواقين.. وما إلى ذلك من العناصر التي انعقدت ضفيرتها الجهنمية لتشكل خلاصة المركب العصابي الكيبوقراطي -عصابة قائمة على الفساد والسرقة- أو السلطة الحاكمة التي استنفدت صلاحيات البقاء، وأحرقت أوراق إقامتها تحت الشمس، وصار لزاماً عليها أن ترحل.
ونقولها لذلك (النظام) الذي حكم أكثر مما يجب، وأطول مما يجب، من دون أن يملك أبسط المؤهلات، واستخدم كافة معاول الهدم والدمار، ومارس كافة أساليب تفكيك المجتمع ونسف أواصر الانتماء لشيء اسمه وطن، وخرَّب شتى المجالات والخدمات الأساسية والأولية، وقوض شروط الاستقرار والأمن والأمان، وأطلق العنان لعصابات الجريمة المنظمة، وأثار الغرائز البدائية والوحشية والعصبية، واعتمد (البلطجة) أسلوباً في إدارة البلاد، وفي تصفية الخصوم ومنازلتهم، ونشر الكذب والرياء والنفاق والفظاظة والعجرفة والعنف شارعياً، وعلى كافة مستويات التعامل، وزج بالغالبية العظمى من اليمنيين الصابرين والمنكوبين في عنق زجاجة أزمة العيش والوجود، وأفضى بمعظم اليمنيين إلى طرق أبواب السفارات الأجنبية، وتسول الحق بالهجرة واللجوء الإنساني، وحشرهم في دوائر الفقر والتبطل والتهميش والانعدام إلى الدرجة التي لم يعد بمقدورهم معها مواصلة بطولة العيش اليومي لأنها صارت تحدياً شرساً بسبب انسداد أبواب الرجاء والأمل، وهو انسداد مصمت وسميك، ولم تعد جدرانه الصماء تحتمل أكثر من كلمة واحدة: ارحل.
ونقولها لأن هذا (النظام) أصبح غير قابل للصلاح والإصلاح، فهو مضروب بالاختلال من ساسه إلى رأسه، وعلى امتداد أنفاسه، والاختلال من طبيعته، كما أنه متصل بعمق في بنيته، ومتواشج مع السياق التكويني لهذا (النظام) الذي كبر باختلالاته، وتضخم وتورم وتفاقم حتى صار طاعناً في العطب والعطن والعفن، وفقد القدرة على ضبط تطيراته ونزواته العربيدة، والسيطرة على انفلاتات تفسخه وروائحه الكريهة التي غدت تزكم الأنوف وتسد مسام الأرجاء والأمكنة على نحو مهلك للأخضر واليابس، والزرع والضرع -كما يقولون- إلى الدرجة التي تدعوه إلى الرحيل اليوم والآن وليس غدا، فالرحيل بالنسبة لهكذا (نظام) مسألة لا تقبل التفاوض والتأجيل، فقد طول وتطاول كثيراً، وصار عبئاً ثقيلاً وكارثياً وأكبر مما تحتمل اليمن الواهنة وأهلها المكلومين.
ونقول إن هذا النظام يجب أن يرحل لأنه يستمد أسباب البقاء من انعدام الاستقرار، ويتغذى على الكوارث والنكبات والأزمات المتفجرة والحروب الصغيرة والكبيرة والمستدامة، حتى غدا أمر استمراره، يستلزم بالضرورة، نفي وإفناء اليمن واليمنيين، ولذلك أصبحت مسألة الرحيل المستعجل لمثل هذا (النظام) مسألة لا تقبل المساومة، فهي أقل كلفة بالقياس إلى ما يمكن أن يعنيه رحيل الشعب وضياع اليمن من اليمن من أجل سواد عين مثل هذا (النظام) الذي يخوض حرباً مجنونة على الشعب في كل الجهات والجبهات، في صنعاء وتعز، وفي صعدة والجنوب، ويعاقب البلاد والعباد جماعياً بالهراوات والخناجر (الجنابي) والأحجار والقنابل والصواعق الكهربائية، ويتفشى ويتباهى بأقبح ما فيه، وبما يقطع بحقيقة أنه لم يعد بمقدوره إلا أن يكون (بلطجياً)، وقاطع طريق، وأذية مستطيرة ومعدية غير قابلة للترويض واللجم، وليس ثمة علاج أو دواء ينفع معها غير: الرحيل .
ولاشك أن اليمن ستكون كريمة، وسوف تعفي هذا (النظام) من رسوم التأخير في الرحيل التي يجب أن يدفعها للشعب، ولن تسارع إلى اتخاذ إجراءات مصادرة أموال ومنهوبات الأقلية المافوية الحاكمة ومحاسبتها إذا ما تحلى (النظام) بحكمة الرحيل المستعجل.
وسنختم وبالقول إن على هذا (النظام) أن يرحل لأن محنة اليمن لا يمكن أن تختزل بشخص الرئيس، فهي بحجم نظام وأكبر إن لم نقل بحجم دولة ينبغي أن تنجز، وفضاء عام يجب أن ينفتح على هواء سياسي نظيف يعيد لليمن رمق الأمل بحياة محتملة.
mansoorhael@yahoo.com
رئيس تحرير صحيفة “التجمّع”- صنعاء
*