إدلب: بلد أحبّتنا وأحببناها

5

محافظة ادلب، ليست أرضاً طيبة وليست تيناً وزيتوناً وكرزاً وفليفلة حمراء وليست بخضارها وفواكهها وزعترها وحسب، بل هي بمركزها وبلداتها وأريافها وجبالها وسهولها ورجالها وشبابها ونسائها وصباياها طِيبةً وطهراً وأصالة وشجاعة وأخلاقاً ومودة. جاءت ثورة الياسمين السورية تكشف عن جوهر أصيل في بنيتها، أكّدت أخوتها ونخوتها وشهامتها ونصرتها وتسامحها وشجاعتها. لن أخص مكاناً منها لأنك حيث كنت، مدينةً أو بلدة أو قرية أو جبلاً أو سهلاً أو وعراً، فأنت في محافظة أكّدت المؤكد وجدّدت القديم مع مدن سورية أخرى كتابة تاريخ بدم المئات من شهدائها شيباً وشباباً وأطفالاً ونساءً.

أفخر بحمص عاصمة ثورتنا فخري بإدلب التي سيّرت أول قافلة إغاثية من شاحنات مليئة بالمساعدات لأهلنا في حمص، وأفخر أني معارض لنظام هو بالتأكيد أعتى وأفسد نظام عرفه التاريخ الحديث، ولكن فخري يزيد يوم يكون أول تجمع علني للمعارضة عقب الثورة السورية كان في ادلب. وأنها من أوائل المحافظات التي انطلقت تظاهراتها نصرةً لأهلنا في درعا ودمشق مع بداية انطلاقة ثورة الياسمين. وأفخر بالثورة السورية التي عمت سوريا أرضاً وشعباً وإن تبدّت في مكان دون آخر، ولكن أزداد فخراً أن النظام بكل فجره وعهره ورصاصه ما استطاع أن يجمع من أهل المدينة مجموعة تخرج هاتفة له مصفّقةً ومؤيدة مما عرف بمسيّرات الولاء. أعتزّ أن من أبطالها ورجالاتها الأحرار تأسس الجيش الحر ومن قبلهم الضباط الأحرار. أفاخر أن سهولها وجبالها تؤوي هاربين من قمع النظام وقتله جاؤوها يعيشون في كنف ثوارها وأهلها يشاركونهم الأمل والألم ويروون معاً بدمائهم ثراها المبارك والطاهر. أفاخر أن فيها كانت أول مظاهرة مصوّرة متحدية تطالب بإسقاط النظام ورحيله وعلى جنباتها تقف دبابات القمع وقناصة الشبيحة والأمن. أفاخر أن رجال حوران كانوا أول من كسّر تمثالاً عملاقاً لحافظ الأسد ولكني أذكر كل من نسي، ومن لايتذكر أن أول صرماية رميت على حافظ الأسد مع بداية حركته الانقلابية على رفاق دربه وأصحابه كانت في مدينة ادلب. أفاخر بأنها دفعت ضريبة عالية من شبابها ودماء أحرارها وحرائرها، وعدد شهدائها شهادة وشاهد على تضحياتهم وفدائهم. أفاخر بأنها في جمعة الزحف إلى ساحات الحرية أجخرجبت أثقالها فكان قرابة ثلث المظاهرات السورية عدداً فيها (107 نقطة).

أفاخر بكل مناقب محافظتي كما أفاخر بمناقب كل مدينة وبلدة وجبل وسهل في أرض البطولات السورية، لأن هذه المدينة المباركة بتينها وزيتونها وماحولها، هي عينة من أرض البطولات السورية على امتداد الشام وماحولها يمناً وخيراً وبركة. نفاخر ونرفع رأسنا عالياً بكل شهيد من شهداء ثورة الحرية والكرامة التي تؤكد للطغاة على مر العصور أن للحرية رجال، وأن للكرامة أبطال وأن للسوريين رايات، وللنخوة والشهامة قامات. نسأل الله أن يتقبلهم ويعوّضنا وأهلهم خيراً، وأن يعافي المصابين والجرحى، ويحسن خلاص أسرانا ومعتقلينا، ويذهب بالنظام القامع والقاتل وقد اقترب أجله إلى سواء الجحيم.

ولئن كنّا نقول من قبيل التحبب والتودد ابتسم فأنت في حمص، فإننا نقول لكل عابر من ديارنا، ارفع رأسك فأنت في أرض عبق جبالها الزعتر والكرز، وفي تربها الأحمر القاني يسكن التين ويعمّر الزيتون، امتدادر وأصالة لشجرة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، وأنت في حمى الشهداء الكرام وأرضهم الطاهرة ممن عملوا مع أهلهم في كل أنحاء سوريا للخلاص من أعتى أنظمة القمع والفساد في العالم، وسطروا مجداً لاينسى.

cbc@hotmailme.com

* كاتب سوري

5 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
adonees
adonees
12 سنوات

إدلب: بلد أحبّتنا وأحببناها اشكرك لردك الجميل واتفق كعك ولاانكر ابدا اني فوجئت من زخم المظاهرات في محافظة ادلب ماعدا مناطقها الشماليه اذ لم اكن اتوقع ذلك فقد تركت سوريا منذ عشرون عاما ولم اعد اليها ولكن لازال الانتماء قائما ….بتعرف ياسيدي العزيز ردك ذكرني ودائما ما اذكرها اني عندما كنت صغيرا وفي موسم الزيتون كنت اتأبط رغيفين واذهب الى المعصره يغمسونها لي بالزيت البكر واتناولها الى ان اصل المدرسه غارقا بالزيت …. على كل اتمنى لوطني الخلاص من الطغمه الفاسده ومن الفساد المستشري به والذي خلقه البعث وافرز معه اجيالا تم برمجتها لتأليه الحزب والقائد … لك كل الشكر… قراءة المزيد ..

بدرالدين حسن قربي
بدرالدين حسن قربي
12 سنوات

إدلب: بلد أحبّتنا وأحببناها الأخ أدونيس ، أشكرك للاطلاع على مقالتي ، وملاحظتك أيضاً التي أتفهمها. ولكن ألست معي يوم نقول بأن محافظة ادلب هي أرض الزيتون، فإنما المراد أن شهرتها بشجرة الزيتون ولايعني البتة أننا لانزرع في هذه المحافظة أنواعاً أخرى من الأشجار من مثل التين والعنب والمَحْلَب والرمان. فإن الأمر يؤخذ على عمومه وغالبه. فيوم نعلم أن ادلب كمحافظة كان فيها الجمعة الماضية قرابة مئة وسبعة تظاهرة، مما شكل قرابة 30% من العدد الكلي في سوريا كلها، علماً أن ادلب هي محافظة واحدة من أصل 14 محافظة. فالأمور في اللغة تؤخذ عموماً على التغليب إلا إن كان التخصيص… قراءة المزيد ..

adonees
adonees
12 سنوات

إدلب: بلد أحبّتنا وأحببناها
اعتذر لوجود خطأ في الايميل والصحيح هو

adonees.2@gmail.com

adonees
adonees
12 سنوات

إدلب: بلد أحبّتنا وأحببناها الاخ الكاتب اشكر لك مشاعرك الجميله نحو محافظة ادلب التي تنتمي اليها كما انتمي اليها انا ايضا ولكن لي مداخلة هنا : فالبلدات الشماليه من محافظة ادلب لم يحرك فيها ساكنا واخص بالذكر بلدة حارم وقضائها سلقين والقرى الحدوديه والقرى الجبليه التابعه لحارم اذ من المعروف تماما ان هذه المنطقه ولائها مطلق للنظام الذي وبواسطة الاصلاح الزراعي والامتيازات التي منحها لاهلها كسب ولائهم الدائم …. هل سمعت عن مظاهرة تنديد في هذه المناطق …. او حتى مشاركة خجوله …. يحضرني من الذاكره مجزرة جسر الشغور الاولى في الثمانينات وكنت لازلت في بداية الشباب حيث ان من… قراءة المزيد ..

أ. د. هشام النشواتي
أ. د. هشام النشواتي
12 سنوات

إدلب: بلد أحبّتنا وأحببناها كل عام وانتم بخير ونتمى للشعب السوري العظيم التحرر من الاستبداد والظلم والفساد ومن عبادة الفرد. ان العقل والمنطق والحكمة والفهم يقول يجب ان تتحول العصابة الحاكمة للنظام السوري الدموي المجرمة الى محكمة الجنايات الدولية لان القتل اذا لم يحاسب فانه سيستمر ولقد تلذذ النظام بالقتل وبالمجازر بالاطفال والنساء والشباب السلميين المنادين بالحرية والديمقراطية ومنه اعطاء اي مهلة او فرصة للنظام السوري الدموي هو اشتراك معه في الاجرام والقتل وهذه مسؤولية تاريخية وانسانية وعربية. يقول النظام السوري الدموي انها مؤامرة كونية من مندسين ثم عصابات مسلحة ثم القاعدة مع العلم ان العالم يعلم ان العصابة المسلحة… قراءة المزيد ..

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading