محمد بلوط
باريس :
طغى الهاجس الأمني على اليوم الثاني لما كان يجب أن يكون تتمة لاجتماعات رئيس كتلة التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري. وذهب المنظمون إلى حد استخدام بيان صباح أمس أداة لتضليل المتابعين والصحافيين بتضمينه إعلانا عن الاجتماعات المفتوحة، وعن اجتماع ثالث كان من الواجب أن يعقد أمس.
وبدا أن من حرر البيان المشترك ووزعه أراد أن تتجه الأنظار إلى الاجتماع الباريسي الثالث بما فيها أنظار «أجهزة أمنية معادية للاجتماع»، وكذلك أنظار الصحافة ليتبين مساء أمس، أن الإعلان عن الاجتماع الثالث كان مناورة أتاحت الفرصة للجنرال ميشال عون للوصول مساء إلى بيروت في أفضل وضع امني ممكن.
وقالت أوساط الحريري إن هذه المناورة التضليلية نظمت بطلب من عون وتطوع الحريري نفسه للمشاركة في تضليل الصحافيين، فعندما صادفته مجموعة من الصحافيين اللبنانيين عصر أمس، في الردهة الكبرى لفندق بلازا أتينيه، وكان نبأ وصول عون إلى بيروت لم يخرج إلى العلن بعد قال الحريري للإعلاميين إن اجتماعا رابعا سيعقد ليلا، إمعانا في تقديم تغطية أمنية «لانسحاب( عون نحو بيروت. فيما كانت مصادر التيار الوطني الحر تتولى من جهتها مهمة أن تكرر للمتصلين من الإعلاميين أن ألمانيا هي الوجهة المقبلة لعون.
وكان مصور تلفزيوني وحيد يرابط أمام فندق سان ريجيس حيث نزل عون شاهد أكداسا من الحقائب عند الواحدة من بعد الظهر بتوقيت باريس ترفع على الرصيف قبل أن تغادر وحيدة في سيارة كبيرة نحو المطار وتبين لاحقا أنها لعون الذي غادر الفندق من باب يفضي إلى شارع خلفي ليستقل سيارة تابعة للسفارة اللبنانية باتجاه المطار.
وتحرر سعد الحريري نفسه، مساء من ضرورات المناورة، وقال لـ «السفير» على مدخل البلازا أتينيه «إن أي اجتماع لم يعقد مع الجنرال عون امس».
وتميز الصباح أمس ببيان يتيم كمصدر لفهم ما دار في اجتماع الحريري عون، بعد أن وصف في البداية بأنه، بيان مرحلي، بانتظار بيانات أخرى أكثر إسهابا تكلل اجتماعات أخرى، لم تأت بأي حال، تحت ضغط الهاجس والمناورات الأمنية. ويمكن اختصار اجتماعات باريس أمس الأول، بالساعات الثماني التي استغرقتها، وبالبيان الذي أصبح نهائيا ووحيدا.
أكد البيان المشترك أن عون والحريري عقدا لقاء على مرحلتين «وذلك بعيدا عن الضغط الاعلامي وعن المخاطر الأمنية التي حالت دون لقائهما في بيروت). وقد حضر جانبا من اللقاء نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائب غسان مخيبر.
وأضاف البيان «ساد اللقاء روح عالية من المسؤولية حيال الظروف الخطيرة التي يجتازها لبنان من مختلف النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية. وقد عالجت المناقشات بإسهاب أبرز القضايا المطروحة في لبنان، لا سيما المتعلقة منها ببناء الدولة السيدة الحرة المستقلة والديموقراطية، وإنجاز الاستحقاق الرئاسي وفق الدستور من دون أي تدخل خارجي. وقد سجلت المباحثات تقدما في تقريب وجهات النظر وتخطي الكثير من سوء التفاهم الذي شاب المرحلة السابقة.
وقد اتفق العماد عون والنائب الحريري على إبقاء اجتماعاتهما مفتوحة، ومتابعة ما بدآه من حوار لتعزيز الاستقرار والوحدة الوطنية. وفي هذا الحوار، يعقد اجتماع ثالث في باريس اليوم (أمس) لاستكمال النقاش».
وبمغادرة عون باريس، سقط جدار الصمت الإعلامي نسبيا حتى إن الهاجس الأمني صار بعيدا، وكان مفاجئا أن الصحافيين التقوا الحريري وهو يتنزه على رصيف فندق بلازا أتينيه، جيئة وذهابا، في ثياب «سبور( وقميص نبيذي يتدلى فوق بنطاله، وتحت أضواء السابعة مساء في قلب جادة مونتاني في الدائرة الثامنة من باريس، إلى جانب مرافقين مدنيين يحرسان، بقبضتين مغلقتين على سلاح ينام تحت معطف أكثر مما يستدعي برد المساء، ويسهران على الزعيم اللبناني الشاب، ومكالمته الهاتفية الطويلة، التي جعلته يعبر من الردهة الداخلية إلى الخارج دون أن يتوقف أو يسترعي انتباهه شيء آخر.
وفي محادثة سريعة مع ثلاثة صحافيين، قدم الحريري تقييما سريعا للقائه عون، وقال لـ «السفير» (إن مجرد حصول هذا اللقاء إنجاز كبير بحد ذاته فنحن والجنرال عون لم نلتق منذ أكثر من عام ونصف». أما الحوار، فوصفه الحريري بأنه كان مفيدا، وكل الحوارات مفيدة، والحوار مثلا مع الرئيس بري كان أساسيا، ومن دونه ما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من حوار مع الجنرال عون». ولم يكن صحيحا أن الحوار عقد من أجل صفقات تجعل عون رئيسا توافقيا أو رئاسة حكومة وبرنامج سياسي وعودته إلى حظيرة الرابع عشر من آذار إذ قال الحريري «إن الحكي مع عون لم يكن حكي صفقات، وإن الحوار هو الهدف، ويجب أن يستمر في المرحلة المقبلة في البلد، في بيروت، ويجب أن ننظر إلى مصلحة البلد بغض النظر عن مصلحة حزب الله، ومصلحة تيار المستقبل، او تيار آخر».
وقال الحريري لـ «السفير» إن عون له دوره في تفادي الفراغ الدستوري.
وأسهبت أوساط الحريري في شرح اللقاء، فقالت إنه لا صفقة في اللقاء، ولم تحدث اتفاقات كبرى بين الحريري وعون، لكن كل ما جرى هو أن الأمل أصبح أكبر اليوم في أن يتفادى لبنان الفراغ الدستوري وأن الحريري اوضح لعون، (أنه ليس المرشح التوافقي للرئاسة، وأنه (الحريري) لا يملك في المقابل مرشحا يفضله على آخر أو يتشبث به)، وقالت أوساط الحريري إن تفهما ساد القطبين للمخاطر التي يمكن أن تنشأ عن التشبث بأي مرشح غير توافقي، وأن مواجهتها أهم من الطموحات الرئاسية لأي شخص. وعوضا عن أن يكون عون رئيسا توافقيا بإمكانه أن يكون ناخبا أساسيا لمثل هذا الرئيس، كما أوضح الحريري لعون، بحسب أوساط الحريري. وقالت إن زعيم التيار الوطني لم يفاجأ بموقف الحريري وصراحته.
وقالت أوساط الحريري لـ «السفير» إن الاجتماعات كانت طويلة لاننا لم نلتق منذ زمن كما أن الموضوعات كانت كثيرة تناولنا فيها ما ارتكب من أخطاء في الماضي والعتب المتبادل عليها.
وقالت أوساط الحريري إن سعد الحريري اعترف لعون ببعض ما وصفه بالأخطاء التي ارتكبها تجاهه، وخطوات أخرى اعتبر أنه كان لا بد منها وأنها صائبة، وبادله عون الاعتراف بأخطاء ارتكبها أيضا في مجرى أحداث الأشهر الماضية.
ولا يتوقع الحريري معارضة داخل كتلة الرابع عشر من آذار لاجتماعاته الباريسية، وقال «إن كل حلفائي مرتاحون لهذه اللقاءات».
وقالت مصادر الحريري في باريس، إن رئيس تيار المستقبل، اوضح للعماد ميشال عون، إنه مصر على انتخاب رئيس توافقي، وعلى الاجتماع بكل أطراف المعارضة دون استثناء، وقد تذهب البلاد نحو فراغ دستوري، ستحاول حكومة الرئيس فؤاد السنيورة العمل على ملئه، لكنه حذر من أن اي ازدواجية حكومية أو أية ردة فعل ضد حكومة السنيورة سيرد عليها برئيس ينتخب بنصاب النصف زائدا واحدا.
وقالت مصادر الحريري في باريس، إن القطبين بحثا موضوع سلاح حزب الله، واتفقا على اعتبار الحوار سبيلا وحيدا للتوصل إلى حل بشأنه، في اطار النظر باستراتيجية دفاعية لبنانية. وأبدى عون تأييده للمحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، ورد الحريري بأنه يعرف تأييد العماد عون للمحكمة، لكنه كان يأخذ عليه عدم ترجمة موقفه بتأييد واضح لإنشائها.
من جهتها، قالت أوساط مقربة من العماد عون لـ «السفير» إنه لم يحصل لقاء ثالث بين عون والحريري وإن الدواعي الأمنية فرضت تعميم ذلك وليس اية اسباب سياسية. وأضافت أن كل العناوين السياسية التي يمكن تصورها داخليا قد طرحت في اللقاء وفي طليعتها موضوع رئاسة الجمهورية والقرارات الدولية والمحكمة الدولية والاستراتيجية الدفاعية للمقاومة والعلاقة بين لبنان وسوريا، فضلا عن عناوين أخرى مثل استعادة الجمهورية ومحاربة الفساد وعودة المهجرين الخ…
وتابعت المصادر نفسها أن أجواء الساعات الثماني من اجتماعي أمس الأول، كانت ايجابية جدا وصريحة وتخللها تناول مآخذ محددة من الجانبين ومن ثم طرح هواجس مشتركة وتقرر في ضوء المشاورات أن يعود الجانبان الى حلفائهما قبل عقد جولة جديدة حيث ستكون هناك معطيات جديدة ومحصلة مشاورات قبل الجولة الثالثة المرجحة في الأسبوع المقبل، علما أن عون وبعض معاونيه، بدأوا اعتبارا من مساء أمس، بالتشاور مع الحلفاء وفي طليعتهم قيادة «حزب الله» والوزير السابق سليمان فرنجية الذي عاد الى بيروت وكذلك الرئيس نبيه بري الذي بادر الى الاتصال بعون لتهنئته بسلامة العودة وتبلغ منه وجود معطيات وأجواء ايجابية حيث اتفقا على التواصل اما مباشرة أو من خلال بعض معاونيهما.
وأكدت الأوساط المقربة من عون أن البحث لم يصل الى موضوع رئاسة الجمهورية، لكنها أشارت الى أن اللقاء بين عون والحريري سيسهل إمكان عقد لقاء بين عون والنائب وليد جنبلاط وسيكون هناك استكمال لحركة العماد عون الانفتاحية التي كان استهلها مع الرئيس أمين الجميل، وأشارت الى جهود تبذلها شخصيات مسيحية من أجل عقد لقاء مسيحي ثنائي (عون وسمير جعجع) أو ثلاثي (عون وجعجع وفرنجية) أو رباعي (عون وجعجع وفرنجية وأمين الجميل).
(السفير)