أفتى كبير القضاة بجواز قتل من يدعو إلى الفساد “لأن الله حين ذكر قتل النفس قال (أو فساد في الأرض)”..
وجهت فتوى صالح اللحيدان ضد أصحاب القنوات التي تبث الفساد والإلحاد والسحر والمجون والفحش والخلاعة والفكاهة والضحك وإضاعة الوقت بغير فائدة أو أجر..
قامت الدنيا وضجت بسبب الفتوى، وعلى الفور ظهر مشايخ آخرون ينتقدون ويلومون رئيس مجلس القضاء السعودي كونه لم يلحق بموجة تطور رجال الدين التي بدأوها. والمتتبع لمنتديات الانترنت سيجد تعليقات كثيرة تنتقد هؤلاء المنتقدين، وتلوم مشايخ الموضة والصحوة الذين يجاملون السلطة في مقابل تحقيق الانتشار في الفضائيات وجمع الملايين دون التفوه بكلمة حق.
بعد يومين ظهر اللحيدان ليفسّر لا ليعتذر عما بدر منه من فتوى استباحة الدماء، وإن تداول الجميع نبأ اعتذاره. فسّر فتواه وأوضح مقصده. فالمؤهلون بقتل أصحاب القنوات برأيه هم القضاة فقط، وليست دعوته وفتواه مفتوحة أمام الجميع لممارسة القتل. وليس يدعو لقرع أجراس فتن أهلية.
إلى جانب إستنكاره للخلاعة المحرمة دينياً.. فتواه شملت برامج السحر والمجون. السحر حرام في الإسلام، والساحر كافر حده القتل. هذا ما تعلمناه في المدرسة. لماذا جن جنون الجميع ومنهم رجال دين وفقه وطالبوا اللحيدان بالتراجع؟ كان ينفذ أمراً دينياً بديهياً بصفته رجل دين ورئيس قضاء شرعي. ولأجل ذلك لم يعتذر اللحيدان. ففتواه بريئة بنظره من الخطأ ومن الدعوة للإرهاب.
لأننا نمر بعصرٍ يضطهد المعرفة والعلم، ويشدد على أهمية الجهل لاستمرار نفوذ أصحاب النفوذ، فإن مثل هذه الفتاوى المبيحة للدماء أصبحت عادية في حياتنا حتى لتكاد تمر علينا مرور الكرام.. لطالما جرى تكفير المفكرين والعلماء والإعلاميين وكل من له صلة بالإبداع الفكري وخلق الحكمة والمنطق. كلهم مرتدّون.
لكن هل الفضائيات العربية جميعها إبداعية بحق؟
وما المقصود بالمجون والخلاعة والفكاهة؟ راقصات العري أم الممثلات أم الإعلاميون أم السافرات أم ممثلو الكوميديا؟ ومن يحدد أن قناة ما تضيع الوقت أو تشغله بالمفيد؟
هل مفروض أن تكون الفضائيات العربية حرة طليقة وتبقى على هيئتها المخلوطة التي تجمع كل فئات المجتمع من منحرفين ومحترمين وعرابدة ورجال دين دخلاء على الدين؟ أم يجب تهذيبها وتشذيبها بطريقة قانونية أبعد عن القتل والنحر الذي لا يعرف التطرف غيره طريقاً لإيصال فكره؟ هل نفذ صبر اللحيدان فلم يجد أحداً يستنكر ما يحدث في الفضاء العربي. اجتهد، فأطلق على قدر اجتهاده فتوى ستغدو تاريخية؟
إذا ابتعدنا عن تطرف المتطرفين وحلّ القتل. لنرى ماذا لدينا في فضائياتنا. انعكاس لواقعنا المجتمعي أم موجّه له؟
الأغاني تشير إلى أن الذوق العام لم يتدهور بل ما عاد موجوداً في الأصل. ومستوى الطرب يشير لانعدام التعددية فهو لا يخدم سوى محبي السرعة.
كما أن هناك خلط واضح بين الراقصة وراقصة العري، وبين راقصة العري وبين الفنانة المطربة. ونظرة سريعة على مسلسلات رمضان تكشف مجتمعاً متهالكاً مدمراً حتى النخاع، إن كانت تعكس الواقع بالفعل وليست مجرد خيال حزين.. سيول من الدموع والدموع، والشر.. كل ذلك الشر.
الشخصيات المجتمعية التي يجسدها أبطال المسلسلات.. عجوز متصابي، زوج خائن، شريرة غيورة، زوجة مغدورة، ابنة مقهورة، رجل أعمال لص، ساحرة، قطاع طرق وأمراء حرب ودم قدامى..
حين عرض مسلسل The Bold and the beautiful لم تبقّ شتيمة عربية إلا وكيلت نحوه. الجميع قال: لقد أبيحت العلاقات وانكشفت أمام أطفالنا..
لكن، بالأمس، كنت أتابع حلقة خليجية يعرض أحد مشاهدها شمطاء قوادة تصفق وتزغرد لرجل غريب يرقص في دارها وتسحب منه الشيك وراء الشيك بالسحر، فتجعله منقادا لرغبتها مسروراً على أمل نظرة تمتعه به ابنتها.
درجة تقبّل المتفرجين لمثل هذا المشهد وعرضه في فترة الذروة المسائية يشير إلى وجوده بالفعل.. وإلى خطر إنتكاس قيمي في المجتمع رغم هالتين من الدين والعرف تحيطان به. هل الأم الساحرة والقوادة بلغت في وجودها حد الظاهرة المجتمعية في الخليج ليتم عرضها في وقت الذروة؟
أخيراً، لما كل هذا التركيز على الجانب الاجتماعي من حياة الفرد العربي..
أليست هناك مسلسلات بوليسية، كوميدية، خيال علمي، رحلة إلى أعماق الأرض أو لغياهب السماء، قصص للفلاسفة القدماء؟
هل الإعلام، ومنه الفن والدراما، مهمته الانقياد أمام رغبات المشاهد فيعرض له اللقطات الفارغة إلا من الملابس والماكياج الذي تصعب معه تمييز الوجوه، أم تكون مهمته العظيمة إزاحة كتلة من الصدأ عن عقل المتفرج وإثارته ليفكر ويخترع..
واضح أن الدراما العربية تعاني من شح في القصة والسناريو والحوار والأداء.. فليس أسهل من إعادة تجسيد الماضي لتدب الحياة في صلاح الدين أو عمرو أو هارون. ليس أسهل من وصف طوابير النساء على عتبات الساحرات والعرافين. أصعب شيء يواجه صانع سينما أو دراما هو خلق جديد. إبداع مثير، وهو تحديدا مهمة صناع السينما الغربية..
Abdairnadine@hotmail.com
• كاتبة من السعودية
إبداع بين الفتوى والفضائيات
والله اقوال لقد اسمعت لو ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي
المجتمعات العربية صارت فاضية وماعندها شغلة
غير الصياعة والأنحراف من جهه وقتل الناس والأرهاب من جهه أخرى والمشايخ يولعونها وكانهم في عالم ثاني
إبداع بين الفتوى والفضائيات
انتِ رائعة يا نادين شكرا لكِ
إبداع بين الفتوى والفضائيات
على الدولة محاكمة كل من يفتي بالقتل مهما تكن مرتبته لان هذه الافتاءات تدخل الدولة في متاهات وفي حروب مع الاخرين وتساعد على وجود الارهاب والمليشيات الطائفية والعرقية والقبلية. ولو تابعنا ونظرنا الى من يفتي بالقتل لنجده من الذين لا يحترم الراي الاخر او يكفره ولا يعلم مكانته في العالم السريغ في التغير ولا يفهم و لا يدرس ولا يطبق لا اكراه في الدين ومع الاسف كثرت الافتاءات بالقتل هذه الايام وهذا دليل على الثقافة والتربية العنيفة التي تضر بالمسلمين والاسلام والانسانية.
إبداع بين الفتوى والفضائيات
اشيد بك هذه المرة بان المقال رائع