ينظّم حزب “المؤتمر الشعبي العام” الذي يتزعّمه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح تظاهرة كبيرة في صنعاء يوم الرابع والعشرين من الشهر الجاري في مناسبة مرور خمسة وثلاثين عاما على تأسيس الحزب.
كان التأسيس في العام 1982، أي بعد اربع سنوات من تولي علي عبدالله صالح الرئاسة في ظروف في غاية التعقيد تلت اغتيال إبراهيم الحمدي في خريف 1977 ثم تفجير خليفته احمد حسين الغشمي في حزيران – يونيو 1978. مع الوقت زادت الامور تعقيدا. هناك حزب عليه ان يثبت الآن انّه قادر على مواجهة تحديات من نوع جديد فرضها خروج علي عبدالله صالح من السلطة في الشهر الثاني من العام 2012 وهيمنة “انصار الله” على صنعاء منذ أيلول – سبتمبر 2014.
كان الحزب الذي اسّسه علي عبدالله صالح، وهو في السلطة، وسيلة لاختزال كلّ الأحزاب في حزب واحد. جمع بين التعددية ونظام الحزب الواحد، اذ كان “المؤتمر” يضمّ في مرحلة التأسيس يساريين ويمينيين وليبيراليين وقبليين وبعثيين واسلاميين…
لا يزال “المؤتمر”، على الرغم من كلّ التغييرات التي شهدها اليمن، موجودا بقوة وجزءا لا يتجزّأ من المعادلة الداخلية. هذا يدلّ على انّه حزب حقيقي يمتلك قاعدة شعبية وليس مرتبطا فقط بوجود علي عبدالله صالح في السلطة.
المهمّ الآن ان التظاهرة المتوقعة في صنعاء ستكون ضخمة وان في أجواء يسودها التوتّر. ستجري التظاهرة في مدينة يتنافس عليها “المؤتمر” و”انصار الله”، علما ان لا مصلحة لايّ من الجانبين، الى اشعار آخر، في مواجهة مع الآخر ما دام الوضع اليمني على حاله. لن يذهب “انصار الله” (الحوثيون) بعيدا جدا في اظهار تضايقهم من الشعبية الكبيرة التي لا يزال علي عبدالله صالح يتمتّع بها. ستكون هناك تحرّشات بـ”المؤتمر” وقيادييه وتهديدات لبعضهم، لكنّه من المستبعد ان تكون هناك مواجهة واسعة في الوقت الحاضر نظرا الى الحوثيين اذكى مما يعتقد بكثير ولديهم من يوجّههم من خارج اليمن، أي من طهران تحديدا.
المفارقة انّه بعد خمسة وثلاثين عاما على تأسيس “المؤتمر الشعبي”، يتبيّن ان ما كان حزبا يضمّ أشخاصا لا يجمع بينهم شيء يذكر، ما زال متماسكا الى حدّ ما وان في دائرة جغرافية يمنية معيّنة هي الوسط والشمال. صحيح ان شخصيات عدّة تركت “المؤتمر” واختارت امّا البقاء خارج اليمن او الانضمام الى “الشرعية” التي يمثّلها رئيس انتقالي اسمه عبد ربّه منصور هادي، الذي اقصى ما يستطيعه هو القيام بزيارة قصيرة لعدن، لكن الصحيح أيضا انّه لا تزال هناك قيادات “مؤتمرية” لها وزنها. هذه القيادات قادرة على ان تلعب دورا في وقت تغيّر فيه اليمن على نحو جذري. لم يتغيّر بسبب خروج علي عبدالله صالح من السلطة فحسب، بل لانّ صنعاء لم تعد المركز الذي تدار منه اليمن بعد انتقال الصراع الى داخل اسوارها في اليوم الذي انقلب فيه الاخوان المسلمون على الرئيس السابق ثمّ حاولوا اغتياله في الثالث من حزيزان – يونيو 2011 في مسجد يقع ضمن حرم دار الرئاسة في صنعاء.
من حزب يطمح الى الانتشار في اليمن كلّه، خصوصا في مرحلة ما بعد الوحدة التي شهدت الإعلان عن دستور يحترم التعددية الحزبية، الى حزب عليه ان يثبت وجوده في صنعاء والمناطق المحيطة بها. هذه حال “المؤتمر الشعبي العام” في هذه الايّام.
كانت محاولة الاغتيال التي استهدفت النائب بسّام علي حسن الشاطر قبل ايّام في مغربة في مديرية مناخة التابعة لحافظة صنعاء دليلا على نوع التحديات التي تواجه “المؤتمر”. فبسّام الشاطر عضو اللجنة الدائمة فيه، إضافة الى انه عضو في مجلس النواب عن “المؤتمر”.
لن تحول جرائم من هذا النوع دون التظاهرة التي سينظمّها ما كان يعرف في الماضي بـ”الحزب الحاكم” في اليمن. يمكن الجزم بانّه ستكون هناك تظاهرة ضخمة وان في ظلّ توتر. ثمّ ماذا؟ كيف توظيف هذه التظاهرة في خدمة مشروع وطني لليمن في وقت ليس لدى الحوثيين (انصار الله) ما يقدمّونه لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا حضاريا. ليس لديهم ايّ حلّ لاي مشكلة مطروحة. كيف يمكن البحث عن حلّ سياسي ما داموا يرفضون تسليم السلاح، حتّى في حال توفير ضمانات لهم.
من الطبيعي ان يطرح علي عبدالله صالح في الخطاب الذي سيلقيه في الرابع والعشرين من الشهر الجاري حلولا واقعية وليس شعارات. ليس اسهل من الشعارات التي تلهب الجماهير. ولكن ما العمل في اليوم التالي؟
ليس سرّا ان “عاصفة الحزم” كسرت المشروع الايراني في اليمن. انكفأ “انصار الله” الى شمال الشمال. ليسوا في قسم من تعز الّا بفضل التسهيلات التي قدّمها لهم الحلف القائم مع علي عبدالله صالح الذي عليه بدوره رفض السقوط في الفخّ الحوثي. والفخّ الحوثي يعني اوّل ما يعني الرهان على ان لا حلّ عسكريا في اليمن وعلى انّ لا احد يستطيع دخول صنعاء في ظل موازين القوى القائمة.
ما الذي يمكن طرحه لمستقبل اليمن؟ يبدو ان على “المؤتمر الشعبي” الإجابة عن هذا السؤال عاجلا ام آجلا. هل يمكن مساعدته في ذلك؟ الجواب ان عليه مساعدة نفسه اوّلا واعتماد خطاب سياسي بعيد عن أي تشنّج من ايّ نوع. كذلك، يفترض في “المؤتمر” تمييز نفسه عن “انصار الله” من دون ان يعني ذلك الدخول في مواجهة معهم. مثل هذه المواجهة لا تقدّم ولا تؤخّر، إضافة الى انها قرار غير واقعي وغير شعبي، وهي أيضا قرار مكلف. كيف يميّز نفسه؟ يكون ذلك باعتماد خطاب واقعي يستند الى برنامج سياسي يأخذ في الاعتبار ان اليمن الذي عرفناه صار من الماضي.
هناك افلاس سياسي لدى الحوثيين الذين ليس لديهم ما يطرحونه سوى الشعارات الفارغة التي لا تطعم اليمنيين خبزا في بلد تنتشر فيه كلّ نوع الأوبئة فيما قسم من المواطنين يبحث عمّا يأكله في اكوام الزبالة. على الرغم من ذلك كلّه، لا مفرّ من الاعتراف بانّ الحوثيين جزء من التركيبة اليمنية وان ليس في الإمكان شطبهم منها على انهّم لم يقدّموا منذ سيطرتهم على صنعاء شيئا للمدينة وأهلها باستثناء البؤس والجوع والاعتداء على أملاك الناس وقطع ارزاقهم.
ليست “الشرعية” التي لا تمتلك أي مشروع من ايّ نوع في وضع افضل من الحوثيين بوجود عبد ربّه منصور هادي الذي همّ له سوى ارتداء بذلة علي عبدالله صالح وتقليده في تصرّفاته وقت لم تعد من بذلة ولا من ظروف تسمح له بذلك.
لن يكون ما يطرحه “المؤتمر” قابلا للتحقيق سريعا في ظل المعارضة الحوثية وغياب أي شرعية حقيقية لـ”الشرعية”. لكنّ عليه خوض التحدي والتعاطي مع الواقع وطرح حلول معقولة انطلاقا من وضع ميناء الحديدة تحت اشراف دولي او إعادة تشغيل مطار صنعاء في ظلّ ضمانات معيّنة. قد يكون تشكيل حكومة وحدة وطنية الطريق الاقرب الى ذلك.
من المفترض طرح حلول ومخارج حتّى لو كان الحوثيون الرافضون لرمي السلاح ضدّها. لا بدّ من المجازفة بعدما تجاوز اليمن مرحلة الصوملة التي كان يخشى اهله في الماضي بلوغها. هل من دور لـ”المؤتمر” في هذا الاطار وفي هذا السياق؟