احتفلت إسرائيل بعيد رأس السنة العبرية الذي صادف يوم الخميس 13/9/2007 وكالعادة، تقوم الصحافة بمسح شامل، سياسي واقتصادي وثقافي وأمني. وفي الحقيقة فإن أجهزة الإعلام، الصحافة والإذاعة والتلفزيون تقوم بمراجعة عميقة لكل جوانب الحياة في الدولة العبرية.
هناك اتفاق بين كل وسائل الإعلام، اليمينية واليسارية والمستقلة، أن السنة المنتهية كانت سنة جيدة اقتصادياً، زاد الانتاج القومي عموماً، وتقلصت لبطالة. ولكن بالمقابل فإن كل ولد ثالث في الدولة هو تحت “خط الفقر”، كما أن هناك أكثر من مليون إنسان تحت خط الفقر”جياع عملياً”.
ولكن هذا لا يلغي حقيقة أن الصناعة في إسرائيل تقدمت، كما كانت طفرة قوية في الصادرات إلى الخارج. وبالمناسبة، فإن إسرائيل تصدر إلى العالم العربي (نعم لم نغلط: العالم العربي) بضائع بقيمة ثمانية مليار دولارات سنوياً وهذا حسب البيانات الرسمية.
أما الأمر المثير حقاً، فهو الهزة العميقة التي جرت في إسرائيل في السنة العبرية الماضية فقد ثارت الفضائح الجنسية لرئيس الدولة السابق موشيه قصاب وهو يستعد للمحاكمات. كذلك استقال /أقيل وزير الدفاع عمير بيرتس والقائد العام للجيش الجنرال دان حالوتس وأقيل عدد كبير من القادة العسكريين البارزين وعُيٍّن أشخاص عسكريون بدلاً منهم. وفي حزب العمل أُسقط بيرتس من رئاسة حزب العمل وانتخب بدلاً منه إهود براك الذي عًيِّن وزيراً للدفاع.
إن حكومة إهود أولمرت هي اضعف حكومة عرفتها إسرائيل وأكثر من 80 بالمئة يعلنون في الاستطلاعات عدم رضاهم ورغبتهم في استبدال رئيس الحكومة. وأغلب الظن أن يتنافس على زعامة إسرائيل في الانتخابات المقبلة بنيامين نتنياهو (الليكود) وإهود براك (العمل).
إن إسرائيل التي هي في حالة حرب حقيقية مع حماس في قطاع غزة ومع حزب الله في لبنان وفي حالة توتر عسكري مع سورية هي دولة فيها عدد كبير من الأحزاب وصراعات حادة في البرلمان كما أن الصحافة تجلد رئيس الحكومة يومياً وسوف تحقق الشرطة معه قريباً بتهمة الفساد والرشوة وما شابه.
في إسرائيل فساد في القمة كما في كل دولة، ولكن بفضل
الديمقراطية، هناك صراع شعبي- إعلامي ضد الفساد، وأقطاب النظام يقدَّمون إلى المحاكم، وليست هناك أية “لحية ممشطة” كما يقول المثل الشعبي القديم.
إسرائيل، منذ قيامها عام 1948 إلى الآن في حالة حرب مستمرة مع العالم العربي، ومع هذا تمارس حياة ديمقراطية وتعددية حزبية. مقابل ذلك كان العالم العربي، على مدار نصف قرن يتذرع بالحاجة إلى “الوحدة الوطنية” لمجابهة العدو، ولذلك منع التعددية الحزبية ومنع حرية الصحافة والإعلام كله رسمي ممل يخفي عن الشعب كل الحقائق السلبية فيما يتعلق بالنظام وبالأمن
إننا نقول بمرارة وألم ، إن النظام الديمقراطي (مع كل عاهاته) في إسرائيل كان مصدر قوة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، بينما النظام الديكتاتوري. الطائفي، العشائري في الدول العربية مصدر ضعف للعرب اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً. في العالم العربي لا تكشف أية فضيحة “فساد اقتصادي”. لأن النظام الحاكم “القادر على كل شيء ” الذي يتعامل مع الشعب كرعايا أو أسرى، لا يمكن أن يكشف فضائحه. ومؤخراً سمعنا في الإعلام أن أربعة صحفيين بارزين في مصر ذهبوا إلى السجن لسنة كاملة لأنهم “شككوا في الوضع الصحي لرئيس الجمهورية”!
لقد كان العرب ،خلال عقود طويلة، ممنوعين من الكلام النقدي أو حتى التساؤل حول الوضع العربي وبالمقابل كانت كل محاولة لرؤية ما يحدث داخل إسرائيل بموضوعية تبدو وكأنها “تمجيد للعدو الصهيوني”.
الآن، كل هذا تهاوى. ونحن العرب، داخل إسرائيل الذين ننتقد النظام العربي ونقر بوجود الديمقراطية السياسية في إسرائيل من أشد المعارضين والمناضلين ضد النظام السياسي في إسرائيل بكل موبقاته، سواء تجاه الشعب الفلسطيني أو في المضمار السياسي الحزبي العام.
ولكننا نريد أن نطرح مسألة هي في غاية الأهمية، بل مصيرية للعالم العربي. إن استمرار الدكتاتورية هو نقطة ضعف لا نقطة مناعة، والدكتاتورية من غير الممكن أن تعبيء الشعب. وفي ظل الديكتاتورية لا يشعر الشعب بالسيادة، وفي ظل الدكتاتورية من غير الممكن القيام بنهضة علمية واقتصادية.
لذلك من السخف والتضليل ادعاء الأنظمة العربية بأن من ينتقد النظام العربي الدكتاتوري “ليس وطنياً” أو “يساعد العدو الصهيوني”.
إن الثورة الديمقراطية الحقيقية، القائمة على سيادة الشعب وفوقية الدستور والقانون والتعددية الحزبية وحرية الرأي- هي هي ما يخلق شعباً شجاعاً وواعياً ودولة قوية وجيشاً قوياً واقتصاداً قوياً ونهضة علمية وأكاديمية وحياة ثقافية وأدبية تجسد إبداع الشعب.
والأنظمة التي تخنق إرادة الشعب ليست حريصة على “الوحدة الوطنية لمقاومة العدو” بل هي حريصة على مواصلة سرقة خيرات الوطن وخنق أنفاس الشعب. إن الأنظمة التي تستأسد على شعوبنا العربية هي نعامة ذليلة أمام السياسة الأمريكية والغربية عموماً
الناصرة
salim_jubran@yahoo.com