كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية إلا وتعاظمت أطماع قيادات بعض الأحزاب السياسية في الحظوة لدى “جماعة العدل والإحسان” بغرض الاستثمار الانتخابوي لأصوات مريديها وأتباعها. والطامعون في أصوات الجماعة أو الساعون إلى إدماجها في العمليات الانتخابية لم يدركوا بعدُ أنهم يطاردون الوهم ويجرون وراء السراب . ومردّ الأوهام ، ليس إلى “جماعة العدل والإحسان” ، بقدر ما يعود أساسا إلى شبه اقتناع لدى تلك الأطراف السياسية والحزبية بإمكانية انخراط الجماعة في العملية السياسية وفق الشروط القانونية والضوابط الدستورية الجاري بها العمل . وهنا ينبغي التمييز بين مَسْعيَين مختفين :
الأول : مسعى الدولة إلى إشراك الجماعة في الحياة السياسية عبر العمليات الانتخابية ومن داخل المؤسسات الدستورية . وهذا حق للدولة وواجبها الدستوري القاضي بفتح المجال أمام الهيئات السياسية وعموم المواطنين للانخراط في إدارة الشأن العام . وقد قامت الدولة ـ باعتراف الجماعة نفسها ـ بمحاولات عدة للتطبيع السياسي مع الجماعة ، دون أن تثمر نتائج عملية . بل إن الجماعة لا تزداد إلا تعنتا في مواقفها وتطرفا في مطالبها أمام مساعي الدولة . وبسبب ذلك أكثرت الجماعة من استفزازها للدولة بخرقها للقوانين ، إما بعقد التجمعات دون ترخيص أو عبر تهجمات بعض قيادييها سواء في حق الملك أو في المؤسسات الدستورية وثوابت الشعب المغربي .
الثاني : مسعى بعض الأطراف الحزبية التي لا يحكمها بالأساس ضبط إيقاعات التعبيرات السياسية والهيئات الحزبية وفق القوانين المنظمة للعمل السياسي ، ومن ثم دعم البناء الديمقراطي وإرساء أسسه السياسية والقانونية والثقافية والقيمية ، بقدر ما ينحصر همّها المركزي في الاستئثار بالدعم الانتخابي الذي توفره أصوات أتباع الجماعة . لأن الهدف ، لدى مثل هذه الأطراف الحزبية ، هو حصد أكبر قدر من أصوات الناخبين حتى تضمن تمثيلية برلمانية مريحة تؤهلها للاستوزار .
وإذا كان ما يبرر للدولة أهدافها الواضحة في ضبط العمل السياسي بما يسمح للتنظيمات الحزبية بممارسة النضال الديمقراطية والتعبير عن قناعاتها من داخل مؤسسات الدولة وليس ضدها ، بهدف ضمان الاستقرار السياسي وحماية الدولة والمجتمع من أي انفلات أمني أو تمرد على الثوابت ؛ فإن هذه الأطراف الحزبية الطامعة في رضا الجماعة لا تدرك مخاطر مسعاها ولا الأبعاد المدمرة لأي تحالف مع جماعة العدل والإحسان . فضلا عن هذا ، فإن البرغماتية الفجة التي تنهجها مثل هذه الأطراف الحزبية تغشي أبصارها وتعمي قلوبها عن إدراك مضمون خطاب الجماعة السياسي والإيديولوجي وحقيقة الاستراتيجية التي سطرها الشيخ ياسين لأتباعه . ومن أجل إماطة اللثام عن بعض جوانب هذه الاستراتيجية حتى تتضح الصورة لدى كل طامع في أصوات الجماعة أو راغب في التحالف معها ، نورد القطعيات التالية التي يتأسس عليها بنيان الجماعة وتشكل سببَ “القومة” وغايتها .
أ ـ إن مرشد الجماعة حدد الهدف لأتباعه في الاستيلاء على الحكم ، ووضع أمامهم الخيارات الثلاثة : الانتخابات الديمقراطية أو الانتفاضة الشعبية أو التمرد المسلح . هكذا نقرأ للمرشد (أثناء القومة ننزل مع الشعب إلى الشارع، نقوض الباطل إن لم تفتح لنا أبواب المنافسة السياسية لنصل إلى الحكم عن طريق ممارسة الشعب حقه في اختيار حكامه. وقد أعطت قومة المسلمين في إيران النموذج، حيث واجه الشعب الأعزل قوى الطاغوت ومدافعه ودباباته بالصدور العارية، حتى انتصر الحق وزهق الباطل. لكن إذا اجتمعت شروط مثل التي يعيشها المؤمنون في سوريا، بحيث أعلن الحكام كفرهم الأصلي، وحاربوا المسلمين، فحمل السلاح واجب.)( العدل ص309) . إذن كل الخيارات التي سطرها المرشد تقود ـ بالضرورة ـ إلى السيطرة على الحكم والانفراد بالسلطة . إذ لا اختلاف بين الخيارات فيما يخص الهدف المركزي التي تأسست الجماعة من أجله . ومن ثم ، ستكون الديمقراطية مجرد وسيلة نقل تحمل الجماعة إلى كرسي الحكم ليتم إتلافها وليس فقط تعطيلها . وما تجربة حركة “حماس” في غزة وانقلابها على العملية الديمقراطية إلا مثال بسيط للأفظع الذي تدخره “جماعة العدل والإحسان” لليوم الذي تحملها فيه الديمقراطية إلى سدة الحكم . والذين لا يدركون هذه الحقيقة يجهلون كلية أهداف الجماعة وعقائدها . ذلك أن الجماعة لن تقبل بالمشاركة في الانتخابات إلا في حالة واحدة وهي اليقين الجازم من الوصول إلى الحكم . وما عداه سيظل وهْمًا يعيش عليه الطامعون في رضا الجماعة . فالجماعة ، كما يرى مرشدها ، تعتبر كل مشاركة في العمل السياسي القانوني هي ـ بالضرورة ـ تمديد في عمر النظام الملكي الذي تستعجل الجماعة زواله لتنفرد بالحكم وتتخلص من كل المنافسين والخصوم السياسيين . وهذا ما أعادت الجماعة التأكيد عليه في مقال لأحد كوادرها ـ سعيد مولاي التاج ـ كالتالي ( ماذا يمكن أن تضيف الجماعة إلى اللعبة السياسية إن تحول جزء منها إلى العمل السياسي حسب عرفهم وحسب الشروط الحالية دستوريا وسياسيا، سوى أن تصير خزانا لتدجين وتجميد آلاف من الأعضاء والمنتمين وتقديمهم رعايا مطيعين لسلطة شمولية أوليغارشية مستبدة حسب قواميسكم البائدة، والسؤال الأهم ماذا فعلتم وأنتم المناضلون الأشاوس بعد أن وصلتم إلى كراسي الحكم في المغرب، نجيب نحن البسطاء من أبناء هذا الشعب أنكم لم تزيدوا الشعب إلا تفقيرا والوضع إلا تأزيما وأطلتم عمر نظام بدأ يعاني أعراض السكتة ) . إن الجماعة لا يهمها، أبدا ، تقوية النظام أو تقويمه ، بل الأهم لديها هو تقويض هذا النظام الذي ظل يشكل صخرة تتحطم عليها طموحات الجماعة ومنامات/ رؤى مرشدها . لهذا السبب لن تنخرط الجماعة في العملية السياسية ولن تدعم مسيرة البناء الديمقراطي .
selakhal@yahoo.fr