أسعدني أن يبدأ أستاذنا جمال البنا جمع مقالاته ودراساته القيمة في سلسلة بعنوان « المختار »، وصدر منها فيما أعلم حتى الآن جزءان، وأعتقد أنه لولا قصور التمويل لشغلت مقالاته وحدها مكتبة كاملة.
وتشغل المقالات حيزاً مهمًا من كتابات الأستاذ.
ويشغلني قالب المقال بالنسبة لكاتب ومفكر عظيم مثل الأستاذ جمال البنا، فالمقال لا يتيح الانطلاق في التأسيس العقلي للأفكار والأطروحات الجوهرية للمفكر ولكنه في الوقت نفسه يمنح أدبياته طابعًا حيًا وجدليًا لا غنى عنه لذيوع أفكاره، وفيما بين مزايا ومثالب هذا القالب يختار الكاتب والمفكر أي حيز من وقته يمنحه للتفاعل الحي مع الواقع الفكري والثقافي الذي يعيشه، وأي حيز يمنحه لعملية التأسيس الكبرى لأفكاره وأطروحاته.
ولكن الأستاذ نجح في أن يجعل مقالاته مناسبة للتأسيس والتعميق الضروري لأطروحاته ومنهجه في تناول القضايا المصيرية في فهم الإسلام، وتشكل حججه في مواجهة السلفية بالذات أهم مساهماته في الجدل حول فهم الإسلام وثقافته، بل مجمل الحضارة التي تأسست عليه.
وكان من المنطقي أن يفيد الأستاذ من فهمه العميق لمفهوم التاريخ، وهنا يقع افتراقه الجوهري عن السلفية ونضاله ضد مفهومها المفقر للإسلام وحضارته، السلفية لا تعترف بالتاريخ إلا كسبب لفساد الناس وبعدهم عن صيغة مثالية ونهائية للإسلام، صيغة طبقت لحد الكمال على يد السلف الصالح ولا تقبل غير التكرار والاستعادة، وكأن الإسلام انغلق على ذاته في الزمان وصار للتاريخ هدف وحيد وهو استعادته في واقعه الأول المكتمل والنهائي والمكتفي بما فيه وعلى المؤمنين أن يجاهدوا ضد إفساده على يد البشر وخاصة من الفرق المخالفة.
وبالعكس فالتاريخ بالنسبة لأستاذنا فضاء مفتوح للاجتهاد ولترقية تمثل الناس لقيم الإسلام الكلية، ومن هنا فالمستقبل مفتوح وقابل للفعل الإنساني التقدمي بقدر ما يستلهم الناس قيم الإسلام الكلية.
ولو أننا أمة عظيمة حقاً لقدرنا عظماءنا حق قدرهم وعلى رأسهم أستاذنا الجليل. فهو يقوم بمهمة تحتاج إلى جيش كامل من العلماء العظام، أي تجديد فهمنا للإسلام من أعماق نصوصه المقدسة وعبر فهم متعمق لتاريخ الثقافة العربية الإسلامية. ومن المؤسف أن حركة الإخوان المسلمين تتجاهل الاجتهادات الرائعة لأستاذنا جمال البنا وتكتفي بإعادة إنتاج أفكار أخيه المؤسس للحركة.
جريدة البديل
أول ضوء: أستاذنا جمال البنا
لو كنا نعرف قدر المجتهد الجليل جمال البنا لما كنا في هذا التخلف أصلاً. وحسبنا أنه لا يوجد من علق على هذه الكلمة الصادقة حتى الآن. كثير من العلماء العظام لم يعرف قدرهم معاصروهم، ولكن جاءت الأجيال اللاحقة وقدرتهم، وخلدت ذكراهم. تحية إجلال وإكبار لمفكرنا الجليل الأستاذ جمال البنا، أطال الله في عمره، وأسبغ عليه نعمة الصحة والقوة والعافية.