واشنطن – من حسين عبد الحسين
ان يقول الباحث اليميني الاميركي دانييل بايبس ان السيناريو الانسب في سورية هو مواجهة مفتوحة الأمد تستنزف كلا من تنظيمي «القاعدة» و«حزب الله» اللبناني، اللذين تضعهما واشنطن على لائحة التنظيمات الارهابية، هو قول يأتي من احدى الشخصيات ذات النفوذ المحدود جدا في القرار الاميركي.
ولكن ان يطلق رئيس موظفي البيت الابيض دينيس ماكدنو الفكرة نفسها، حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فهذا يعني نوعا من المصلحية اللا إنسانية في السياسة الاميركية تصل الى درجات في سلم القرار ارفع مما هو معروف.
وكانت الصحيفة، في مقالة مفصلة حول سياسة الرئيس باراك أوباما المرتبكة حول سورية، نقلت عن ماكدنو، الذي وصفته بأنه احد اقرب المقربين الى أوباما، تساؤله حول «مصلحة الولايات المتحدة في وقف العنف في سورية».
وقالت الصحيفة ان ماكدنو، اثناء مرافقته وفدا من الكونغرس في جولة في معتقل غوانتانامو، اعتبر ان «الوضع في سورية يمكنه ان يبقي ايران منشغلة لسنوات»، وان المسؤول الاميركي قال ايضا ان «القتال في سورية بين حزب الله والقاعدة قد يكون في مصلحة الولايات المتحدة».
وهذه المرة الاولى التي ترد فيها عبارات من هذا النوع على لسان مسؤولين في الادارة، رغم تسريبات في شهر يونيو نقلت عن رئيس الاركان مارتن ديمبسي قوله – اثناء اجتماع لفريق الامن القومي ترأسه أوباما في «غرفة الاوضاع» في البيت الابيض – ان لا مصلحة اميركية لترجيح كفة اي من الفريقين المتحاربين في سورية. لكن ديمبسي لم يذهب الى حد وصف القتال الدائر على انه يصب في مصلحة بلاده.
ومقالة «نيويورك تايمز» تكتسب مصداقية لا بأس بها، فمن بين كاتبيها مايكل غوردون المعروف بقربه من البيت الابيض والذي سبق ان حقق سبقا صحافيا بنشره تفاصيل الغارة التي شنتها المقاتلات الاسرائيلية ضد مفاعل الكبر النووي السوري.
والمقالة أكدت ما سبق لوسائل اعلام عديدة، ومن بينها «الراي»، ان نقلته عن ان كلمة الفصل في الموضوع السوري هي بيد أوباما وحده، وان الاخير لا يولي الموضوع اهمية كبيرة، ويعتقد انها ورطة، وان من الافضل له الابتعاد عنها.
في هذا السياق، اوردت «نيويورك تايمز» انه «حتى في الاوقات التي بدا فيها النقاش من اجل تسليح الثوار ضروريا، نادرا ما اعرب أوباما عن اراء محددة اثناء اجتماعات كبار اركان ادارته». ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين قولهم ان «لغة أوباما الجسدية كانت تشي بالكثير، فهو غالبا ما بدا فاقدا للصبر (اثناء الاجتماعات حول سورية)، وكان احيانا يطالع رسائله على جهاز البلاكبيري الخاص به، او يمضغ العلكة (في اشارة الى ملله)».
واضافت الصحيفة انه «في احاديث خاصة مع مساعديه، وصف أوباما سورية على انها احدى المشاكل من الجحيم التي يواجهها كل رئيس»، وان «المخاطر (في سورية) لا نهاية لها فيما كل الخيارات (الاميركية) سيئة». وتابعت ان مواقف وافكار أوباما هذه كانت تجد صدى لها عند مجموعات اكبر من المسؤولين داخل ادارته من امثال ماكدنو ومستشار الامن القومي السابق توم دونيلو، الى درجة انه «كان يمكن قراءة موقف الرئيس من خلال توم ودينيس»، حسب مسؤول رفيع سابق في البيت الابيض.
الا ان موقف أوباما بدأ يتغير بسبب «حملات اللوبي» التي مارسها عليه المسؤولون غير الاميركيين. ففي اثناء جولته الشرق اوسطية التي شملت اسرائيل والاراضي الفلسطينية والاردن، في مارس الماضي، التقى أوباما رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي حذره، حسب الصحيفة، من امكانية وقوع اسلحة الاسد الكيماوية في ايدي «حزب الله».
واضافت «نيويورك تايمز» ان الضغط على أوباما للتدخل في سورية كان اكبر في اليوم التالي عند زيارته الاردن حيث تناول العشاء مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني. وكان يرافق الرئيس الاميركي وزير خارجيته جون كيري ودونيلون. وقالت الصحيفة ان 100 الف من اللاجئين، بسبب الصراع في سورية، شكلوا ضغطا على الاردن، ما حدا بالملك الاردني الى حض أوباما على القيام بدور اكبر في انهاء الحرب السورية.
واوضحت الصحيفة: «حتى ان المسؤولين الاردنيين عرضوا على نظرائهم الاميركيين السماح لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) باستخدام الاردن كقاعدة لشن هجمات طائرات من دون طيار داخل سورية»، مضيفة ان المسؤولين الاميركيين رفضوا هذا العرض الاردني «المتكرر».
وتابعت الصحيفة انه مع حلول شهر ابريل، كان موقف دونيلون قد انقلب الى مؤيد لتسليح الثوار السوريين، وكذلك فعلت سفيرة اميركا السابقة في الامم المتحدة ومستشارة الامن القومي الحالية سوزان رايس بعد ان شعرت ان الاوضاع على الارض تنقلب ضد الثوار.
ومما ورد في المقالة ايضا ان وزارة الخارجية الاميركية سبق ان حذرت البيت الابيض من امكانية قيام نظام الاسد باستخدام الاسلحة الكيماوية، وان الاستخبارات الاميركية راحت تلتقط مكالمات هاتفية بين المسؤولين السوريين حول امكانية شن هجوم كهذا، وانه قبل هجوم الغوطة في 21 اغسطس، كانت واشنطن قد تأكدت من اكثر من حالة استخدمت فيها قوات الرئيس السوري بشار الاسد هذه الاسلحة ضد مدنيين.
واشارت المقالة الى انه اثناء الاستعدادت لتوجيه ضربة اميركية الى اهداف تابعة للأسد، ابلغ أوباما مشرعين ان 50 من الثوار ممن تلقوا تدريبات في الاردن كانوا وصلوا الى سورية لتدريب المزيد من الثوار. لكن الصحيفة نقلت عن مايكل لمبكين، المسؤول الجديد في وزارة الدفاع اثناء جلسة المصادقة على تعيينه، قوله ان هذا المجهود التدريبي لا يكفي لقلب الموازين على الارض السورية، في وقت اعتبرت الصحيفة ايضا ان ادارة أوباما لا تنوي توسيع برنامجها التدريبي للثوار وتسليمه الى وزارة الدفاع مخافة من ان يكبر تورطها في الازمة السورية فيصبح علنيا.