إن الاستخدام الانتهازي للإسلام لتحقيق مصالح ومنافع مادية دنيوية بحت شأن عرفناه في مشايخ الصحوة الذين أساءوا للمشيخة الرصينة الراسخة وللإسلام نفسه، قياساً على احترام هذه المشيخة وتبجيلها قبل ظهور مشايخ الصحوة في نظر كل الناس. ويبدو أن الرئيس الأمريكي بعد أن ولد في ثقافتنا وعاش بيننا وعرف طرائقنا وفهم أقصى أمانينا ومنطقنا فهو ابن منطقتنا التي هي جذوره ونسبه، من هنا لبس مولانا بارك بن حسين آل أوباما ثياب الواعظين رعاه الله وحفظه، آمين، ولجأ لطرائقنا ومناهجنا في التفكير للمصالحة وتجميل الوجه الأمريكي للمسلمين، ومن ثم بدأ بالسحر الإسلامي الذي ينتشي له المسلمون ليشعرهم أن إسلامهم قد غزا البيت الأبيض في فتح ميمون، وعليه فلا داعي لإعادة الفتوح والغزوات المباركة على أمريكا مرة أخرى. لقد طمأن المسلمين رغم إعلانه مسيحيته في بداية الخطاب أنه يفهمهم بل إنه منهم. الرجل يعلم جيداً مفاهيم شعبنا مسلوب الوعي الذي يتصور أن المسيحيين يعلمون جيداً أن الدين هو الإسلام كأصح الأديان لكنهم لا يعلنون ذلك كيداً وغيظاً ويعضون علينا الأنامل حسداً وكمدا، مع الهمس اليقيني بين المسلمين أن (معظمهم مسلم بس في السر ) !!! فلماذا لا يكون أوباما هكذا وأنه إنما يمارس قاعدة إسلامية وعقيدة راسخة هي التقية ؟ وهى المبدأ الذي لخصه وشرحه المثل الشعبي المصري (إن نزلت بلد بتعبد العجل حش برسيم وإرميلة / يعنى ضعة أمامة ) وهو ما يعنى أنة ربما يمارس التقية معنا وليس معهم، بيحش البرسيم لنا وليس لأمريكا.
ولأن الرئيس الأمريكي قد اختار لخطابه هذا المستوى، فقد فتح بذلك القول لأهل الدين فيه، وفيه أكثر من طرفة وفيه أيضاً أكثر من كارثة. على سبيل المثال: لم ير الإيراني الدكتور محمد على مهتدى (قناة الجزيرة) في أوباما أكثر من مسلم مرتد، وهو ما يعنى أنه لو كان إسلامنا كمصريين صحيحاً لانتهزنا الفرصة للقبض على أوباما في القاهرة مع استتابته ثلاثة أيام في سجن الواحات أو القناطر مثلاً أو ربما في لاظوغلى ليتعرف على سلومة الأقرع، أو يفيء إلى الله ويعود عن غيه المفتون إلى رشده ويتوب، أو نطيح برأسه على ملأ من عامة المسلمين وخيار علماء الأزهر ودار الإفتاء، وليكن في ميدان التحرير مثلاً، لأن ذلك حق الله والأمة الشرعي، وكونه على أرضنا فهو ما يعنى خضوعه لقوانيننا وهى قاعدة دولية متعارف عليها، إضافة إلى مكسب تفعيل المادة الثانية بالدستور مما يؤكد تمسكنا بالقيم الدستورية وبالإسلام في آن معا، أم نحن فقط قادرين وفاجرين وأسود ضواري مع بنى مصر وأهلها من أقباط وشيعة وبهائيين وقديانيين وحقوقيين وليبراليين ولادينيين..إلى أخر الأقليات المصرية المتناثرة.
إيراني أخر يعيش في المهجر هو أمير طاهري عرف لغز أوباما بعد بحث دقيق في التراث الشيعي، فعثر في كتاب بحار الأنوار لمحمد باقر المجلس الصفوي على حديث للإمام على عن علامات ظهور المهدي المنتظر، ومن تلك العلامات أن رجلاً أسوداً سيملك في جهة الغرب، وسيقود أقوى جيش في الأرض قبل ظهور المهدي مباشرة، والإسم باراك هو بارك، فهو بارك حسين أوباما، وتعنى في العربية والفارسية والعبرية (مبارك الحسين)، أما (أوباما) بالفارسية فتعنى (إنه معنا)، وإعمالاً لذلك فلاشك أن الرئيس أوباما هو أحد الأوتاد التي تظهر قبل المهدي نبوءة بقرب ظهوره، وأنه قريباً سيكون معنا، فرج الله كربة وعجل ظهوره!!.
لأهل السنة رأى آخر، فقد روى عن الصحابي تميم الداري وهو من بيت لحم بالخليل، أنه طلب من النبي إن فتح الله فلسطين للمسلمين أن يعطيه مسقط رأسه بيت لحم ومقام إبراهيم، وفى خلافة عمر نفذ له عمر وعد النبي، وعاش آل تميم في الخليل حتى اليوم (التمايمة). وقد حدث هذا الصحابي أن جفاف بحيرة طبرية وجفاف نخل بيسان يؤذنان بقرب ظهور المسيخ الدجال، ومن صفاته في الحديث النبوي أنه أجعد الشعر ويقيم في جزيرة بعرض البحر، وباراك أوباما مولود في جزيرة وهو أجعد الشعر ويستطيع الزعم أنه مسلم ومسيحي ويهودي، فأبوه مسلم، وباراك تنصر، ثم لبس القبعة اليهودية في زيارته للقدس. كذلك جاء في قدرات المسيخ الدجال أن بإمكانه أن يطأ الأرض جميعاً،وهى قدرة أي رئيس أمريكى بجيوشه، وعليه فإن بارك حسين أوباما هو المسيخ الدجال عدو المهدي المنتظر الذي سيخرج من بلاد المسلمين ليقتل المسيخ الدجال ويكسر الصليب ويذبح الخنزير.، و كسر الصليب يحدث الآن كل يوم في العراق ومصر وباكستان وغيرها بحمد من الله ونعمة، وإن ذبح خنازير مصر قبل وصول أوباما مباشرة، يشير إلى قرب تحقق هذا كله، وبعدها تقوم القيامة.
ولو بحثنا عن رد مشيخى بعبد عن فانتازيا الخيال الديني يقرأ الموقف برصانة، فلدينا من وقف مع الآية التي دلل بها أوباما على سماحة الإسلام ” من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً “، وقال هؤلاء إن أعمدة كتب التفسير تتفق على أن أول الفساد هو الكفر بدين الإسلام، ومن ثم فإن الآية التي استشهد بها اوباما ليدلك غرائز المسلمين، توجب أول ما توجب قتل أوباما وكل من لم يدخل الإسلام، خاصة بعد أن أعلن الإسلام عن نفسه وبلغ الناس كافة بحجة بليغة عليهم بأحداث 11 سبتمبر 2001، ولا حجة لأحد بعد أن وصله البلاغ مصحوباً بالدمار والخراب والدم والبينات الحارقات، فهذه رسلنا قد أبلغتهم بديننا الحنيف، وبعدها لا حجة ولا عذر لكافر بالإسلام على كفره، وهو ما أكد عليه علم مشايخ الخليج الشيخ المنيع الذي رأى في سبتمبر 2001 بلاغاً مبيناً وواضحا للعالم كله بوجوب الخضوع للإسلام، ولفتة إلهية من علاماته البواهر.
هذا مع ملاحظة ظللت أؤكد عليها سواء في كتاباتي أو محاضراتي وهى أنه رغم كل ما فعلت القاعدة وابن لادن، فإنه لا يوجد مجمعاً أو هيئة أو مؤسسة أو رابطة أو فردا من المؤسسة الدينية أعلن تكفير بن لادن أو الزرقاوى وخروجه على الإسلام مهدور الدم كما يفعلون مع غلابا الوطن أمثالنا، لأنهم جميعاً في طواياهم لا يرون فيه سوى نموذج البطل الملحمى الإسلامي القديم بن الوليد وبن العاص وبن القاسم والقعقاع وغيرهم، وأنه يجاهد في سبيل الله وقام بتفعيل فرض الكفاية الجهادي نيابة عن الأمة كلها وله بذلك السابقة والفضل المبين. ومع عقيدة التقية فإنهم يستهجنون مع كل مجزرة بنلادنية أو زرقاوية أو قاعدية يمنية أو صومالية أو جهادية… قتل الأبرياء والمدنيين، ويستتبعونها دوماً بأن أمريكا وإسرائيل والحكومات الإسلامية كلها تفعل نفس الشئ، كمبرر لما تفعل القاعدة والجهاد وحماس…. يستهجنون من طرف اللسان لكنهم لا يكفرون الذين يقتلون الأبرياء المدنيين بيد القاعدة سواء كان الضحايا مسلمين في بلاد مسلمين أو غير مسلمين، لسبب بسيط وهو أنهم الأساتذة الذين علموهم ذلك في معاهدنا الدينية في مواد تدرس ولازالت بعد التجديد والتحديث تحدثنا عن عقيدة الولاء والبراء وفريضة الجهاد وملك اليمين، وأصول التعامل النبيل مع العبد والفرس والبغل والمرأة والحمار بحنان ورفق إسلامي لا شبيه له ولا نظير.
****
صحيفة المصري اليوم حضرت مؤتمراً صحفياً مع أوباما إثر خطابه مباشرة، وعقبت بتعبير شديد الأهمية وشديد الدلالة : ” فالرجل لو صدق، فسوف يتغير العالم من جامعة القاهرة ” !!
أما العبد الفقير إلى الله فيرى أن هناك أشياء ستتغير بالطبع، وسيتم حل المشكلة العزيزة على نفوس المسلمين فلسطين الغالية مسرى الرسول وأولى القبلتين بالسرعة الممكنة، بالتزامن مع الخروج العسكري من العراق، وهو المتوقع خلال عامين، فهذه هي هموم المواطن حتى الجائع الحافي العاري المريض لا يجد قوت يومه ويخرج في المظاهرات من أجل فلسطين والبوسنة والشيشان وبلاد تركب الأفيال، ولا يخرج ليطالب بحقه في الكرامة الإنسانية من حقوق وحريات. لذلك فإن من سيعانى هو تيار الحريات الحقوقي مع مزيد من العسر والتأخر في قدوم التغيير المرتقب إصلاحاً وتهذيباً وتحديثاً، في ظل التحالف الذي يبدو أنه قد قام علناً وجهاراً نهاراً بين أمريكا والمسلمين، فالخطاب كان للمسلمين بالتحديد، وأن النتيجة هي شرعية وبقاء الأنظمة والشعوب والأوضاع على ما هي عليه، فهي حليفة، وإن جاء نظام مختلف عن الحالي فهي حليفة، ولو جاء جمال مبارك أو على مبارك أو حتى زكى جمعة فهي حليفة، ولو جاء الأخوان المسلمون فهي حليفة، وتبقى الشعوب خارج الموضوع لأنها الفريسة لأي مفترس حليف، ويبقى الباب بذلك مفتوحاً لمختلف الاحتمالات. وستقوم الحكومات في بلادنا : إسلامية صريحة، أو إسلامية بزى مدني كالحادث عندنا، بدور الحارس الأمين للمصالح الأمريكية، مقابل الصمت الأمريكي عن حقوق الشعوب في هذه البلاد، وتقوم أمريكا بدعم النظم الحاكمة القائمة بمنحها الشرعية والاعتراف، وعلى هذه النظم أن تساعد أوباما لإنهاء ملفات أمريكا العالقة في المنطقة وخروج عسكرها بكرامة وبخسائر بأقل قدر ممكن، مع الحفاظ على مصالحها أينما كانت.
بالأمس القريب ( وما أسرع متغيرات خطى التاريخ في زماننا ) كان إعلان أمريكا بغزوها للعراق، أنها خطوة البداية لإصلاح المنطقة وجرها جراً إلى الحداثة للقضاء على الثقافة المفرزة للإرهاب بالديمقراطية وإسقاط النظم الاستبدادية التي أفرزت الإرهاب الديني. بلسان بوش الإبن ورايس وباول ورامسفيلد وكل الفرقة الراحلة، وحينذاك التقيت ببعض الدبلوماسيين الغربيين بناء على طلبهم وبمعرفة الأمن المصري، ضمن لقاءاتهم الأخرى لاستيضاح وجهات النظر، وقد حذرت حينها من أخذ خطوة عسكرية تجاه العراق، لأن الحرب على الإرهاب يجب أن تبدأ على المستوى الثقافي وليس العسكري.
لا أنسى وزيراً مفوضاً لدولة كبرى راهننى – أدبياً ومعنوياً فقط – على أن مجرد إسقاط طاغية بغداد وإطلاق الحريات في العراق، فأنه كفيل بتحويله إلى واحة للديمقراطية وقاطرة ستقطر وراءها المنطقة كلها، بالضبط كالمسيحي المؤمن الذي يتصور أنه بمجرد أن يعرض آيات الإنجيل على إنسان، فإن ذلك كفيل وحده بإقناعه بالمسيحية ليعتنقها، بالضبط كالمسلم الذي يتصور أنه لو قرأ القرآن على إنسان لرأيته خاشعاً كالجبل الذي يتصدع من خشية الله، أيامها وخلال الشهور الأول لغزو العراق بدت رؤية السيد الوزير هي الواقعة وكسب الرهان الأدبي بصدق توقعاته وسافر لبلاده، وبعدها بشهور حدثت تحولات كان يجب معها أن يكون كاسب الرهان هو أنا وليس هو، لأن الحريات إن لم تتأسس أولاً على ثقافة حريات وعقد اجتماعي ينافح عنه أهله، فإن الحرية تتحول إلى فوضى طائفية وعنصرية وهو ما حدث في العراق الجميل، وهو الدرس الذي خرجت به أمريكا من المنطقة، فتراها كيف استفادت منه ؟
هنا علينا أن نرهف السمع جيداً لأوباما وهو يقول بقولين لا يلتقيان، القول الأول هو :
“ينبغي ألا تستخدم الدول العربية الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الأولى” يعنى خدوا بالكم يا حكام العرب أننا فاهمين لعبتكم من زمان بإلهاء الشعوب عن حقوقها بالقضايا القومية والدينية، هو قول موجه للحكومات، يفصح عن كون العملاق الأمريكي ليس أهطلاً، بل انه يعرف أساليب حكوماتنا كذلك يعرف شعوبنا معرفة دقيقة وكيف يمكن صرفها عن مصالحها وحقها في حياة كريمة، بسلبها عقلها ووعيها اعتماداً على غرائز دينية وقومية يتم شحنها طوال الوقت. لصرف النظر عن قضايا الداخل إلى الإسلام الذين يهان في الدانمارك أو في البوسنة أو الشيشان أو غزة أو أي بلادستان، المهم صرف النظر إلى منور أي جيران قريبين أو بعيدين، لبحث عيوبهم والمآخذ عليهم والهتاف والتظاهر ضدهم والانشغاال بهم عما يحدث في الداخل.
وقول كقول أوباما هنا يفترض أن يؤدى إلى اطمئنان التيار العلماني، لأنه لو تم حل المشاكل الأساسية العاطفية الدينية القومية مثل فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، سيعطى الشعوب الفرصة للانتباه للداخل لبحث عن حلول لمشاكلها مع حكوماتها.
****
هنا يأتي القول الثاني الذي لا يلتقي مع قوله الأول، وقد جاء إجابة على سؤال أوباما في المؤتمر الصحفي “س: إذن كيف ترون مسألة نشر وترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة والشرق الأوسط ؟ ج : أنا أؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والخطاب الاجتماعي العالمي، لكن يجب أن نعلم أن هناك شعوباً مختلفة، وأشخاصها مختلفين، وأفكاراً مختلفة، وعادات مختلفة، وتقاليد مختلفة بشأن هذه المسألة. وبالتالي على أن أؤكد من أعماق قلبي وروحي ضرورة احترام الآخر والتعايش مع بعضنا البعض، وأنني لا يمكنني فرض معتقداتي على الآخر، ولا يمكنني أن استغل أغلبيتي للعمل ضدك، ولا أستطيع أن أفرض معتقداتى الدينية وأقول لأحد عليك أن تتبع معتقداتى نفسها. وقضية حقوق الإنسان والديمقراطية مهمة جداً للإسلام، لأنه يمكنه أن يعالجها، فأنا أعلم أنه ليس كل المجتمعات الدينية متشابهة في تنفيذها السياسي، فالشريعة مثلاً يمكنها أن تحمل تفسيراً متشدداً أو حديثاً تجاه قانون وضعي. أنا لا اتخذ ولا أفرض قراراً يتعلق بهذا الأمر على أي دولة أو مجموعة من الناس، ولكنني لا أوافق على أن مبدأ يلزم الآخرين باعتقاد ما، فنحن في الولايات المتحدة نرى أن في ذلك مناهضة للحقوق، ويتنافر مع روح الديمقراطية ويجلب الصراع في النهاية، مما يجعل خلق هذا الحوار مهماً داخل الإسلام “.
في ظني أن هذه الفقرة بالمؤتمر الصحفي هي الأهم في كل ما قال أوباما بالقاهرة، فهي تلقى بالكرة في ملعبنا تنتظر ردنا، فيها لغز علاقة المسلمين بالغرب وحداثته، وفيها حل اللغز. فقد ننساق وراء تدليكه غرائزنا ونحتسب خطابه بالقاهرة تشجيعاً لحكوماتنا ولشعوبنا معها على الاستمرار كما هي دون بحث أي أخطاء من جانبنا لنصلحها، مع عدم الاعتراف بأي خطأ حاضراً أو ماضياً، بل ربما تقديس الخطأ والاستمرار فيه على عادتنا التاريخية المتواترة وتظل الأوضاع على ما هي عليه، لكن ذات الفقرة على استعداد للتعامل مع نظام ديمقراطي حقوقي أيضاً لكن دون أي تدخل أمريكي لفرض هذا النظام بعكس ما قال بوش الإبن من قبل، وهنا المعادلة الصعبة التي تترك الليبراليين العرب عرايا أمام ترسانة مدججة بشارع مسلوب الوعي وبماض تليد وحكومات قامعة ومأثور عنيد هو الأعز على قلوب الشعوب، التي تدعو من مساجدها أهم دعاء لها : ” اللهم لا تجعل مصيدتنا في ديننا “، وما عدا ذلك من مصائب فليس من المشاكل الملحة، وتصبح المشاكل التي تشغل العلمانيين ليست من نوع المشاكل التي تشغل بال رجل الشارع المسلم.
قال أوباما إن الإسلام دين تسامح ومساواة، وأنه يدافع عن حقوق الإسلام الحقيقية وليس الصورة النمطية المسيئة للإسلام، وركز على مشتركات بين الأديان هي مبادئ العدل والتقدم والتسامح وكرامة كل بنى البشر، وأنه في كل دين مبدأ : عامل الآخرين كما تحب أن يعاملك الآخرون، وأن الأيمان بالآخرين هو ما دفعه للمجيء للقاهرة لمخاطبة المسلمين.
الفقرة السالفة لها أهميتها لتجميل خطابه هو أمام أهل الغرب بدورهم، الذين قرعوه على هذه الزيارة وذلك الخطاب في وسط استبدادي، أما بقية الخطاب فهو تجميل لأمريكا في نظر المسلمين بالتسلل عبر ما هو عزيز علينا ومخاطبتنا على قدر عقولنا، بدأ بالسلام عليكم (تصفيق حاد بالقاعة) وشرح أنه رغم مسيحيته فهو من أب مسلم وأنه تعرف على الإسلام في المواطن الثلاث التي عاش فيها، وقال انه سيتبع في كلامه نصح القرآن الكريم: اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ( تصفيق حاد بالقاعة )، وأنه أمر بإغلاق سجن جوانتنامو (تصفيق حاد / عقبال عندنا قادر يا كريم)، وأكد أن حربه موجهة ضد القاعدة فقط، وهى عنده كما هي بالضبط في خطابنا الديني والرسمي المخاتل، هي مجموعة من شواذ المسلمين من قلة منحرفة فهم حسب قوله: “مجرد حفنة شاذة من المسلمين وتصرفاتهم
لا تتماشى مع حقوق البشر وتعاليم الإسلام بدليل آية من قتل نفساً بغير نفس ( تصفيق حاد )، وأن أمريكا لن تكون في حرب مع الإسلام ( تصفيق حاد )، وأن المحاكم الأمريكية أعطت المرأة المسلمة حق الحجاب وعاقبت من ينكره عليها ( تصفيق حاد ) وحتى يبدو مثلنا يردد ببغائياتنا التاريخية التي هي محفوظاتنا الأثيرة، وشعاراتنا الغالية، قام يردد مقولاتنا الخوالد مثل أن الأزهر قد حمل مشعل التنوير والحضارة للعالم (؟؟ !!!)، وأن المسلمين هم من اخترع البوصلة وعلم الجبر والملاحة (؟؟ !!) والطباعة (لا أدرى من أعطاه هذه المعلومة الخاطئة لأن الطباعة جاءتنا مع نابليون وكفرها مشايخ الأزهر كبدعة شيطانية)، إضافة إلى شعرنا في الفخر والهجاء والشحاته والتسول بألاطة (ولا زلنا)، وخطنا العربي اللهلوبة بين كل كتابات وخطوط الدنيا.
لاشك أن رد الفعل بالتصفيق الحاد مع بعض أقوالة، أو بالوجوم التام مع أقوال أخرى، هو معيار لقياس رد الفعل، فحديثه عن الهولوكوست والعنف الفلسطيني الذي سيؤدى لطريق مسدود، ووجوب اعتراف حماس بحق إسرائيل في الوجود، كلها مما قوبل بالصمت والوجوم التام وهو ردنا الأول على بعض خطابه فيما لا نحب ولا نشتهى.
أما قوله أن الوضع الفلسطيني لا يحتمل وأن أمريكا لن تدير ظهرها للفلسطينيين، فقد قوبل بالتصفيق الحاد بذات الشدة الاستحسانية لتصفيقهم للآيات القرآنية العشر التي تلاها.
****
إذن ردنا الأول بالقاعة هو أننا نحن كما نحن على قواعدنا ثابتون دون تغيير، وأننا لن نناقش ولن نحاول حتى مجرد إعادة النظر في قضايا مهمة ومحسومة لدينا لأننا الحق التام وغيرنا الباطل التام.
أما الرد العملي فقد جاء سريعاً من الأزهر رائد الحضارة وحامل مشعل الحريات والتنوير(؟!!!)، بإعلانه ثاني يوم للخطاب الأوبامى الموقف من المصريين البهائيين، وبالتالي هو موقف من الخطاب الأوبامى، بالعودة لبيان شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق وإعادة توزيعه للإعلان عن موقف الأزهر اليوم من البهائيين، ومضمونه نصاَ ” إن البهائية ليس لها صلة بالأديان السماوية، بل هي دين مخترع جديد ظهر أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وحظي برعاية ومباركة الاحتلال الإنجليزي، ويهدف إلى تفتيت وحدة المسلمين، وإنكار فرائض الإسلام “، وقبله بأيام جاءت مطالبة أعضاء مجلس الشعب (حزب الحكومة الوطني والإسلاميين ) بإصدار قانون يجرم الفكر البهائي ويحاكم المروجين له، مع وصف البهائيين بالخطر الداهم على الأمن القومي المصري، لافتين إلى ميل البهائيين إلى الصهيونية لاعتقادهم بضرورة إلغاء فريضة الجهاد في الإسلام، ومن جهته حذر الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب من شيوع الرذيلة في ضوء انتشار الفكر البهائي بين الشباب المصري / صحيفة اليوم السابع !!
وهو كله ما جاء بعد مطالبة البهائيين بحقهم كمواطنين بتسجيل ديانتهم بالبطاقة الشخصية وانتهى الموضوع إلى شرطة بدل الديانة، ثم هياج قرية الشارونية وحرقها منازل البهائيين وطردهم منها، مع ظهور صحفي مثقف ( أو يفترض أنة
هكذا ) في التلفاز يطالب بقتلهم علناً، ولا تفهم كيف استمر صحفيا بعدها، لماذا لم يثنى على قولة بالفعل، ويروح يقتله كام بهائي فيضمن الجنة والنكاح الأبدي، أم أنه غير واثق من النتائج؟ أم أن دورة يقتصر على إصدار الأحكام لطلب من ينفد؟ وكله تحريض على ارتكاب أشنع الجرائم، ولا يجد من يعاقبه.
إذن هذا هو ردنا بمجلس الشعب بالحزب الوطني بالإخوان.. بالصحافة بالتلفزيون (دون تعميم) والأزهر(مع التعميم) بعد ذلك ظهيراً، ردنا هو استمرار الجهاد وقتل الذين يدعون إلى إيقافه وحرقهم إن أمكن كما حدث مع البهائيين، والجهاد يعنى استمرار المسلمين في حالة حرب مع العالم كله حتى يسلم أو يدفع الجزية عن يد وهو صاغر !!!، فالدعوة للسلام كفر حتى لو كانت للسلام الوطني داخل الوطن يبن مواطنيه عناصر وأدياناً، وأننا لن نتعامل مع الآخرين كما نحب أن يعاملونا كما قال أوباما، فهذا هو الكفر عينه لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وأن أوباما يهرف بما لا يعرف، فلا عندنا تسامح ولا كرامة لكل بنى البشر، إذا كانت كرامة مواطنين مصريين مهدورة بلا كرامة وبلا تسامح لأنهم يخالفون المسلمين العقيدة. فلدينا تصنيف في توزيع الكرامة حسب الدين والمذهب والطبقة القبلية والجنس، لذلك فقول أوباما أنه يفهم صورة الإسلام الحقيقية هو افتئات على الإسلام الحقيقى، فكيف يكون ما قاله هو الإسلام الحقيقى مقابل ما قال مجلس شعبنا الموقر وأزهرنا وتلفازنا الملتحي، وشارعنا الإسلامي الذي يحرق ويسلخ وهو مطمئن لسلامة دينه وصدق إيمانه.
بهذا الشكل سيقف دعاة العلمنة والمدنية الدستورية والحقوق الليبرالية عرايا من أي غطاء، أمريكا ستتعامل مع أوضاعنا كما هي، أو إن تغيرت للأسوأ أو للأفضل، أوباما يعرفنا لذلك أعلن ترك لنا الحبل على الغارب دون تدخل لترك الفوضى الخلاقة تحرق بذريعة عدم فرض الديمقراطية الحقوقية لأن هذا الفرض ضد قيمها ومبادئها، وهو ما يعنى أيضاً أننا سنستغيث بلا مغيث، في ظرف حرج ومنعطف تاريخي سنخرج معه خارج دائرة البشرية كلها، والغوث المعنى هنا هو الغوث المعنوي وضغوط المجتمع المدني الدولي وكل قوى الضغط الداعم والمؤرق الذي لا يهدأ ولا يتواطأ، وهو ما يبدو أنه ابتعد بعد أن بدا لنا قريباً مع ضرب منهاتن، ابتعد مرة أخرى بحسابات المصالح الأمريكية الجديدة بغض النظر عن مصير شعوبنا، وأنه على العلمانيين العرب أن يعيدوا تقييم المواقف، من أجل توحد وتضافر بعضهم على خريطة المنطقة بحيث لا يتم تجاهلهم بحسبانهم نخباً تمثل جزراً منعزلة عن بعضها، وكلهم والحمد لله أو معظمهم أسماء كبيرة تتسم بالطهارة ونظافة الذمة فيمن أعرفهم على الأقل، ويمكنهم أن يكونوا ذوى أثر فاعل في الساحة بحيث لا تبقى فارغة إلا من خيارين أحلاهما مر : الاستبداد السياسي المستمر أو الاستبداد الديني المرتقب، بخيار ثالث هو المواطنة أولاً، والإصرار على رفع المواد الدينية من الدستور، وخانة الديانة من البطاقة الشخصية، والتعايش السلمي بين المواطنين وفق عقد اجتماعي تحدوه المصلحة العامة وليس مصلحة أتباع دين من الأديان أو مذهب من المذاهب، وألا يخرج الدين من الكنيسة أو المسجد إلى المجال العام صونا له من العبث البشرى، ولتفعيل دوره في تربية ضمير المواطن وتعليمة كيف يدخل الجنة.. وليس أبعد من هذا ولا مليمتر واحد، من أجل وطن أفضل للأجيال المقبلة، مع التواجد الليبرالي الواضح دون أي تراجعات، التواجد المستمر والفاعل على الساحة عبر كل السبل السلامية الممكنة، لإثبات هذا الحضور.
وبعد أتمنى أن يخيب هذا التحليل برمته، وأن يكون أحد هناتي وسقطاتي التشاؤمية، وأن تكون القوادم خيرا من السوالف، على ألا نكتفي بالقعود حتى يأتينا الفرج مع مخلص منتظر أو ديكتاتور مستنير، وسواء كان هذا المنتظر هو أوباما أو المهدي أو المسيخ أو المسيح أو جودو، لأن (جودو) هو مسرح العبث، هو مجرد وهم وأماني غير متحققة، لذلك لن يأتي مهما طال الانتظار.
elqemany@yahoo.com
* القاهرة