“إن الناس يكونون مستعبدين وغير أحرار طالما أنهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مجرد حلقات في سلسلة الأحداث المؤقتة” – باروخ
سبينوزا.
الحرية هي الفطرة الحقيقية والأساسية التي فطر عليها الإنسان، وهي الإرادة الدالة على بشرية الإنسان، لممارسة حقه الطبيعي، والتي بها ينسجم مع ذاته ويتألق من خلالها، ليكون هذا الموجود ذا قيمة في الحياة. الحياة لم تعرف تطورا حقيقيا دون الرجوع إلى أدوات التطور الحيوية، وبلوغ درجة الكمال الروحي الذي يتوافق ومفهوم الحرية. هوية الكائن البشري مرتبطة بالبحث عن الاحتمالات والمفاجآت التي تعتري حياته لكي يكون مؤثرا ومبدعا في الإنجاز الحضاري للإنسان، ويتمكن من اختراق الموروثات الأسطورية التي تتصارع في حياة البشر. الحرية هي الساحة المفتوحة التي بها يمارس الإنسان دوره في تحويل طاقاته الكامنة إلى إبداع وانجاز، ولا يخضع بدوره لأفكار المجتمع والذي مرّت عليها قرون عديدة من دون اصطفاء ما يتناسب والعصر الحديث، ولا يمكن قيام أي نوع من التجديد ما لم يكن مرتبطا بالحرية في التفكير وإيجاد مناخات مناسبة لتطور الفكر والتفكير.
مفهوم الحرية في الثقافة العربية والإسلامية لم يرد إلا في الخطابات والأدبيات الثورية المرتبطة دوما كنقيض للاحتلال والاستعمار، أو لحثهم على المقاومة من أجل الحرية، لا كمفهوم حضاري إنساني وحق يمتلك ويتملك الإنسان في كل مجال من مجالات الحياة، بعيدا عن أغلال العادات والتقاليد للمجتمعات العربية.
لا نجد لمفهوم الحرية في التراث الديني سوى بعض الأخبار والأقوال التي لا يمكن التأسيس عليها كمفهوم حضاري للحرية، بل يجب أن تكون الحرية ممارسة طبيعية لدور الإنسان في الحياة، أو كنتيجة لحيوية المجتمع الفكرية والثقافية، أو كالتي صاحبت الترجمة في عصر من العصور الدولة العباسية. وقد كان للمعتزلة وإخوان الصفا مقاربات فكرية وعقائدية وفلسفية وآراء عقلية في كثير من المجالات بخلاف التفكير النمطي السائد آنذاك، والتي لم يكتب لها النجاح في استمراريتها لأسباب عدة، والتي انتهت باستيلاء الفكر المتطرف على الحياة بمجموعة من الفتاوى، وبتشجيع من السلطة، وهي ردة فعل طبيعية لاستخدام المعتزلة الأسلوب ذاته مع المناوئين لهم.
ارتبط مفهوم الحرية في عالمنا بالقضية الأخلاقية، باعتبار أن الحرية مدعاة للانحراف، ودعوة لإفساد أخلاق المجتمع، ولم ينظر إلى الحرية كنمط حياة يختاره الإنسان من ضمن أبعاد الزمان والمكان. وتناسى هؤلاء أنه لولا تلك الحرية لما كان هناك هذا التطور الحقيقي والناجز في حياتنا. وما نجده غير أخلاقي في مجتمعاتنا، لا يعني بالضرورة النتيجة نفسها في مجتمع آخر. فالقضية الأخلاقية عند أهل الصحراء والمجتمع الزراعي، تختلف كل الاختلاف عن المجتمع الحضري الذي ينتمي ويتأثر بثقافات أخرى اندمجت في المجتمعات الحضرية كافة. وقس على ذلك أغلب المجتمعات في العالم، فالمجتمع الأميركي كذلك تتعدد المفاهيم لديه تبعا للقضايا المستحدثة التي يتم عرضها على المحاكم. فالحرية التي تتقدم كل خطاب ديني ويتغنى بها الأصوليون، إنما هي خطاب لحرية مؤدلجة تترجم لإخضاع الآخرين، ولنقد الديانات والمعتقدات الأخرى غير الإسلامية، وبينما لا نجد هذه الحرية بين أبناء الدين الواحد، ولا لحرية نقد الفكر الديني والذي هو مثابة تابو لا يجوز الاقتراب منه لقدسيته المزعومة. فالحرية بمفهوم الأصوليين هي حق لهم، وليس لغيرهم، وإدعاءاتهم ما هي إلا مزيد من القيود لعقل الإنسان الحر في التفكير.
ويبقى الموروث الديني والتاريخ والعادات- لا الاختيار الحر- ما شكل حياتنا ومعتقداتنا وألبسنا هذا الثوب الديني والعقائدي المشوه. فمسألة الحرية هي نسبية تتأقلم مع عادات بشرية فرضها نمط حياة المتبع لكل مجتمع، وبالنظر إلى مفهوم الكرم لدى المجتمعات العربية، والتي تعتبر ذات قيمة أخلاقية عالية، ويجدها الآخر المختلف نوعا من التبذير لا طائل منه، اللهم سوى البهرجة الخادعة التي خلقها المجتمع العربي في العصور الغابرة.
فالفكر الديني لا يؤمن بفكرة الحرية إلا من خلال قيود يفرضها على المختلف، وذلك لهشاشة تلك الأفكار، أو لعدم واقعيتها. بل يتعنت بأحكام اخترعها أصحاب الفكر للحؤول دون الاقتراب من مقدساته المزعومة. حرية الاعتقاد في اختيار الدين والعقيدة التي يرى فيها ما تتناسب وأفكاره التي كونها باعتبار “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.. يتفذلك الأصوليون بتأويل هذه الآية باعتبارهم الأوصياء على فهم الدين، وأن المشيئة في هذه الآية ليست لحريتك في ترك الدين متى رغبت، بل هي تهديد وتوعد. ومهما تم التباحث في أية قضية، فسيكون للسدنة الدينيين مخارج عدة. وسيظل الناس خاضعين لتلك التفاهات والقيود التي أحكموها على الناس. ومن ينظر إلى الأحكام الصادرة ضد الفكر الليبرالي والليبراليين، وما لاقوه من أحكام استبدادية ومتطرفة ضدهم في الوطن العربي، يجد دليلا واضحا على استبدادية الفكر الديني المتطرف، وعدم إيمانهم بالحرية والفكر الحر، والذي هو بمثابة شعار يرفعه الإسلامويون . والأمثلة على ذلك نجدها في كتاب “سجون بلا قضبان” للكاتب شاكر النابلسي، والذي يلقي فيه الضوء على محاكمات العقل الحر في الوطن العربي.
الحرية عالم يتناغم مع ترانيم الطبيعة البشرية المجبولة على خياراته الواسعة في اختيار الصالح لحياته دون أن تتدخل الأسرة والمجتمع في تشكلها. وكلما ابتعد الإنسان أو فرّط في حريته، سعى إلى قتل الإبداع في نفسه وسعى لخراب روحه الطاهرة بأرواح أخرى نمطية باهتة وصدى لرجال التفيقه التقليديين.
Almole110@kwtanweer.com
* كاتب كويتي
أنا حر إذن أنا أفكر!!محبو الفلسفة كثيرون-خالص جلبي – أرسل لي أبو آدم من المنطقة الغربية مستفسرا عن تلك الفلتات العقلية الفلسفية التي غيرت التاريخ، وديورانت اعتبر أن الذين غيروا الإنسان هم المفكرون وليس العسكريون. وأنه أجدى لنابليون لو كتب أربع كتب مثل سبينوزا عن خوض 14 حربا مدمرة خربت القارة ودفعت بمليون شاب للمقبرة. قال أبو آدم وهو يتذوق الأفكار إن عمودي الذي يقرأه لم يتميز بالفلسفة فقط، ولكن تميز في التركيب الهندسي والصياغة اللفظية، وأصبح له طابع ورونق خاص يختلف عن بقية الأعمدة؛ فعندما أقرأ عمودك فكأنك تذكرني بالفيلسوف أرسطو بأحد مقولاته ” كل موجود مرتبط بموجود آخر”،… قراءة المزيد ..
أنا حر إذن أنا أفكر!! السحر الجديد وتخليص العقل منه -خالص جلبي – تروي القصة أن رجلاً طلب من النجار أن يصنع له باباً ثم جاءه في يوم، وكان النجار غائباً فحمل الباب وانطلق به. ولما عاد النجار فلم يجد الباب ركض خلف الرجل فوجده يمشي به خارج البلدة. فما كان منه إلا أن بدأ يقرع الباب قائلاً: افتح الباب أقول لك افتح؟!! والسارق يحكم إغلاق الباب وكل الفلاة مفتوحة بينهما. إنها نكتة ولكن واقعنا نكتة أكبر بدون أن يضحك أحد؟ إن إدراك قوانين التغيير الاجتماعي أهم بما لايقارن من اكتشاف قوانين الفسيولوجيا أو أطلس الموروثات والجينوم البشري، والمشكلة الخطيرة… قراءة المزيد ..
أنا حر إذن أنا أفكر!!العالم كله تقريبا انتهى من ظلمات وظلم وذل وكتم للافواه الناتج عن تطبيق النظم الشمولية او الحزب القائد اومن عبادة الفرد انها العبودية المختارة لشعوب اعتادت على القهر واستساغته فحق عليها غضب الرب اي سننه الاجتماعية. ان النظم العربية الشمولية والتي ارادت لشعوبها عودتها الى الوراء والى التخلف الالاف السنين هي التي سهلت انتشار المليشيات الطائفية والعرقية والمافيات المخابراتية التي دمرت وتدمر المنطقة ويستغلها الديناصورات في المنطقة والعالم اي الاستعمار افضل استغلال. ان تطبيق العدل والحرية وصرف مليارات الدولارات على العلم وتخريج العلماء والمفكرين عوضا عن المافيات المخابراتية هو الحل الوحيد لنهضة اي امة تريد ان… قراءة المزيد ..