إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
لعلَّ أبرزَ ما انتجتهُ الحربُ الاهلية، وسيطرة الميليشيات على مفاصل الحياة السياسية كافةً، هو إعدام أحكام العقل والعقلاء في سائر المكونات السياسية والطائفية. فانحصرت السياسة في لبنان بعددٍ محدودٍ من الناس، اصبحوا يشكلون ما يُشبهُ قدراً محتوماً: يٌشعِلون الحروب، ويُقيمون السلام، يَهدمون، وتُناط بهم عملية إعادة البناء……
وسط هذا الخواء السياسي يفاجئك مواطن لبناني بسؤال: من هو الجدير بتولي منصب رئاسة الجمهورية في ظل هذه المتغيرات التي نشهدها، وليس اقلها سقوط محور بكامله في اقل من شهرين؟ ثم يبدأ بترداد الاسماء المتداولة: “زياد بارود”، “نعمة افرام”، “جورج خوري”، “ناصيف حتي”، “الياس البيسري”، وصولا الى “سليمان فرنجيه” و”العماد جوزف عون”.
مُجَرَّدُ استعراض الاسماء يعيدنا الى حقبة التسويات والمساومات مع ما كان يسمى “حزب الله“. فكل واحد من المذكورين أعلاه خاض غِمار تجربة مساومة مع الحزب بشكل او بآخر، وعلى حساب عنصرٍ او اكثر من سيادة الدولة او هيبتها، طمعاً في منصب او مركز او منفعة على اي مستوى كان.
المرحلة المقبلة تتطلب رئيسا لم يساوم يوما مع حزب الله ولم يكن يوما في عداد المواكب الزاحفة الى “قرداحة الاسد” البائد!
رجل يعرف الصيغة اللبنانية ويعترف بلبنان بحدوده الدولية. لا يقيم وزنا لدعوات الانفصال والتقوقع. خَبِرَ الصيغةَ اللبنانية الفريدة بتنوُّعها ويقّر ان هذا التنوع مصدر غنى للبنان واللبنانيين، وليس نقطة ضعف كما يحاول ان يصورها زعماء ميليشيات الحرب والسلم. رجل يعرف معنى لبنان، وأي دور يمكن لهذا البلد ان يلعبه في محيطه الاقرب وعلى مستوى العالم، بوصفه مختبرا لعيش مشترك بين طوائف وإثنيات مختلفة ومتنوعة تتقاسم في ما بينها السلطة، ويعيش المواطنون فيه بأمن وسلام، في ظل “دولة القانون المؤسسات”.
ولأن الشعب اللبناني ليس أقل من جاره السوري في توقه الى الحرية والعيش بكرامة، بعيدا عن نظام سجن “صيدنايا“، وسائر السجون المنتشرة في أنحاء سوريا، وبعيداً عمن معهم من حلفاء في ما كان يعرف بـ”محور الممانعة”، فإن هذا الشعب يستحق تغييرا شاملا على مستوى الطبقة السياسية الحاكمة، التي يستمر بعضها في سدة المسؤولية لاكثر من ثلاثة عقود، بدءا من رئاسة الجمهورية الى الحكومة المقبلة والتي يجب ان تكون بعيدة عن المحاصصات النيابية والحزبية، وصولا الى شرطة السير لقمع المخالفات وسائر دوائر القطاع العام أسوة بالدول المتقدمة.
لا تنقص لبنان الكفاءات العلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهناك العشرات والمئات بل آلاف اللبنانين في لبنان والعالم من المؤهلين لتولي الشأن العام بنزاهة وشفافية وعلى استعداد للمساهمة كلا من موقعه، في عملية بناء دولة عصرية مدنية يحكمها الدستور والقانون.
ُلهذه الاسباب فإن منصب رئاسة الجمهورية ليس حكرا على من تُسَمّيهم ميليشيات الحربِ والسلم، وكذلك المناصب الوزارية وإدارة الشأن العام.
وللأسباب الآنفة الذكر، الدكتور فارس سعيد السيادي الاول بامتياز خيرُ من تسعى به قدم لتولي منصب رئاسة الجمهورية!
فهو إبن الصيغة اللبنانية، ولم يكن يوما حليفا ولا زائرا لنظام سجن صيدنايا! وهو اول من رفع شعار “رفع الاحتلال الايراني عن لبنان” (“الفضفاض” بنظر البعض!)! وهو داعية حوار وقبول الآخر. رفض ويرفض كل دعوات التقسيم والفدرالية والكونفيدرالية انطلاقا من تمسكه باتفاق الطائف وضرورة تنفيذه نصا وروحا، بصيغته الاصلية، وليس بالطبعة السورية على طريقة نظام الأسدين البائد.
والدكتور سعيد من مؤسسي ومطلقي شرارة ثورة الارز، وكان امينها العام، ومن الذين عملوا على مصالحة الجبل التاريخية مع الراحل سمير فرنجيه والمحامي جان حرب وغيرهم. وهو الذي يعبر لبنان كل لبنان بخطابه السياسي، فلا يقف عند حدود طائفة او مذهب.
ولأن الدكتور سعيد لا يعاني عقدا دونية لجهة الانتماء الى العروبة الحضارية، التي لا تنتقص من معنى لبنان بل تزيده ثراءا، فهو قادر على مد جسور التواصل مع العالم العربي حاضنة البلد الاصلية، بعد طول انقطاع تسبب به “حزب الله”. وهو ايضا قادر على التواصل مع العالم من دون عقد ولا محرمات ولا خوف. وهو ابرز مهندسي زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى المملكة العربية السعودية، في اول زيارة من نوعها عبر التاريخ، لكاردينال مسيحي الى ارض الحرمين. فكان لقاءٌ بين خادم الحرمين الشريفين والبطريرك الراعي بوصفه رأس كنيسة شرقية، لتعزيز اواصر التصالح والسلام بين المسيحية والاسلام في الشرق.
ولأن الدكتور سعيد، يحترم مهنته كطبيب آثر التوقف عن مزاولة المهنة والتفرغ للعمل السياسي، إحتراما لمرضاه وللمهنة. فلكل عمل وقته، ولأن السياسة تأخذ من وقت مهنته كطبيب والعكس ايضا، قرر اعتزال الطب.
ولأن الدكتور سعيد، رفض الانجرار خلف خطاب العصبيات المشدودة، إنطلاقا من بيئته المسيحية، فهو يرفض الخطاب العصبي المشدود في البيئات اللبنانية الاخرى، ويسعى الى تفعيل خطاب الجمع تحت سقف الدستور على حساب خطاب التوتر المذهبي والتقوقع مسيحيا كان ام إسلاميا .
لهذه الاسباب، أنا أرشِّح الدكتور فارس سعيد لرئاسة الجمهورية اللبنانية!