لا تخفي قوى 8 آذار، وعلى رأسها حزب الله، تحذيراتها من خطورة الاقدام على تشكيل حكومة لا تعطيها الثلث المعطل. فيما ذهبت قوى 14 آذار، على لسان رئيس تيار المستقبل، بعد اغتيال الوزير محمد شطح، الى المطالبة بحكومة من قوى 14 آذار حصرا. وأكمل الرئيس فؤاد السنيورة بالقول إنّ “ما قبل اغتيال شطح ليس كما بعده”.
قال حزب الله كلمته في هذا الشأن ووجه كلامه بشكل واضح نحو رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام، وباختصار رأيه أنّ “تشكيل حكومة امر واقع سيؤدي الى فتنة كبيرة”.
وكان رئيس الجمهورية قال ما لديه من على باب بكركي، بعد اقل من يومين من تبلغه رسالة حزب الله عبر النائب محمد رعد. إذا قال سليمان إنّه يريد “حكومة جامعة من غير السياسيين”.
في هذا الخضم يكشف الرئيس سليمان عن مبادرة سعودية تدعم الجيش اللبناني بثلاثة مليارات دولار اميركي، بسلاح فرنسي، تزامنا مع لقاء العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في الرياض أمس. وهو اعلان يكشف عن مسار اعتمده رئيس الجمهورية في مواجهة جملة استحقاقات دستورية وسياسية، اولها تشكيل الحكومة ومنع وقوع لبنان في الفراغ الرئاسي، والدفع بخيار تحييد لبنان عن تداعيات الازمة السورية قدما، بتبني “اعلان بعبدا” بضمانات دولية، وصولا الى اصدار قرار دولي يعالج هذه القضية ويتبنى خططا لبناء مخيمات للاجئين السوريين في الاراضي السورية وعلى الحدود اللبنانية السورية، فيما خطوة دعم الجيش وتسليحه تأتي استجابة لخطة دعم الجيش المجمع عليها محليا وخارجياً.
هل ينجح رئيس الجمهورية في هذا المسار الذي برزت ملامحه في مواقف عدة، وفي خطاب الامس تحديداً؟
ثمة من يعتبر ان هذا الخيار دونه صعوبات كبرى. فبعد اغتيال محمد شطح تبدو الصورة متجهة نحو مزيد من القتامة. فالاستعداد للاسوأ بدأ في الميدان: قوى 14 آذار باتت تتحسب بعد تشييع شطح امس من عمل امني او عسكري قد يصدر عن حزب الله رداً على اي حكومة تشكل من خارج شروطه المعلنة. وان كانت صورة هذا العمل العسكري غير واضحة، إلا أنّ بعض المصادر السياسية المراقبة تعتبر أنّ حدة التوتر المذهبي زادت وباتت المواجهة مكشوفة ولا احد يخفي ما لديه.
الى ذلك تشير هذه المصادر الى أنّ حزب الله لن يقف مكتوفا حيال ما يعتبره حقوقا ثابتة في تشكيل اي حكومة، اي الثلث الضامن في اي حكومة، ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة في اي بيان وزاري ضمن أيّ حكومة.
مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار قال مساء أمس إنّ “الحكومة الجديدة ستولد مطلع العام الجديد”، ما يعني أنّها مسألة أيام قبل إعلان الحكومة التي ستغضب حزب الله. والسيناريو الواضح حتّى الآن يقول إنّ الحزب سيعمد إلى عصيان مدنيّ في أفضل الأحوال ويرفض تسليم الوزارات، وقد يعمد، في أسوأ الأحوال، إلى عمل يشبه 7 أيّار2008، مستفيدا من إطفاء المحرّكات الأميركية حيال سوريا وإيران. فنظام الأسد في طور تسليم سلاحه الكيماوي، وإيران في طور التسليم بعدم قدرتها على إنتاج سلاح نووي.
في كل الاحوال فإنّ حزب الله الذي اعلن امينه العام انه يخوض معركة وجودية في سورية، سوف يعمد الى التصدي أمام كل خطوة تمس بقتاله على الاراضي السورية. واذا كان رئيس الجمهورية لم يتزحزح عن خيار النأي بالنفس، ولم يتخلّ عن اعلان بعبدا، الذي صار من اوراق ملف “القضية اللبنانية” في المحافل الدولية والاقليمية، فإنّ المواجهة واقعة لا محال. هي موجهة بين خيارين لا وسط بينهما، فكيف اذا كان خيار النأي بالنفس يذهب الى تحييد لبنان، بضمانة دولية، ويتصل بسلسلة اجراءات تهدف الى دعم المؤسسة العسكرية وصولا الى مرحلة الاستغناء عن سلاح حزب الله في الداخل اللبناني؟
alyalamine@gmail.com
البلد