يعتبر أمازيغ ليبيا أن الوقت حان بعد ثورة 17 فبراير 2011 لدسترة حقوقهم والإعتراف بالأمازيغية لغة وطنية.
– تونس
يُصارع السكان الأمازيغ في ليبيا منذ عقود من أجل نيل حقوقهم الثقافية واللغوية، إلا أن نظام الزعيم الراحل معمر القذافي (1969-2011) حرمهم من جميع الحقوق وعمل على إدماجهم قسرا مع المُكونات المجتمعية الأخرى، من دون مراعاة لخصوصيتهم.
ويعتبر أمازيغ ليبيا أن الوقت حان بعد ثورة 17 فبراير 2011 لدسترة حقوقهم والإعتراف بالأمازيغية لغة وطنية، بما يُنهي طمس الهوية ويُحقق إدماجا سليما لكافة المُكونات شبيها بالصيغة السويسرية. وقال نشطاء من مدينة زوارة (غرب) ذات الغالبية الأمازيغية لـ swissinfo.ch إن الصراع مع القذافي “لم يكن ذا طابع عرقي لأنه لم يكن في صراع مع الأمازيغ فقط”.
حركة غير عرقية
وأكد النشطاء وهم أيوب سفيان وجوهر الشارف وعمرو عبد الله سفيان، أن انتفاضة 2011 لم تكتس أيضا طابعا عرقيا، “فمدينة زوارة مثلا ومدن جبل نفوسة كانت على نفس الخط السياسي والعسكري (ضد النظام) مع مدن الزاوية ومصراتة وغيرها، على رغم وجود بعض التوترات الداخلية لكن في نطاق ضيق” على ما قالوا. وأشاروا إلى أن النشطاء الأمازيغ قاموا بحراك كبير بعد انتصار الثورة من أجل إدراج حقوقهم ضمن الحقوق الأخرى التي كانت مسلوبة في عهد الإستبداد، “إلا أن ذاك الإدراج بقي مرفوضا، مع أننا رأينا في تلك الفترة قنوات ليبية تُخصص مساحات لبرامج باللغة الأمازيغية، ورأينا رئيس المجلس الوطني الإنتقالي مصطفى عبد الجليل يظهر في وسائل الإعلام وخلفه كتابات بالأمازيغية إلى جانب العربية، لكن بعد إعلان التحرير في 20 أكتوبر 2011 اختفى كل ذلك”.
ولما سُئلوا عن مؤشرات التراجع، أوضحوا أن الكتابة بالأمازيغية خلف صور عبد الجليل اختفت، والبرامج الأمازيغية في القنوات تراجعت، ووُضع حدٌ لنشرات الأخبار بالأمازيغية في القنوات الليبية، كما بدأ التضييق على المُقدمين الأمازيغ إلى أن ألغيت برامجهم من الأساس. وتابعوا “أدت تلك التراجعات إلى نوع من الشعور بالخذلان، فطالبنا وزارة التعليم بتدريس لغتنا في مدارسنا بالمدن الأمازيغية، غير أن الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة رفضوا الإستجابة لهذا المطلب”.
وقطع “المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا” خطوة هامة في تلبية هذا المطلب لما قرر في عام 2013 تدريس الأمازيغية على نفقة المجالس المحلية التي استقطعت اعتمادات من موازناتها وخصصتها للتدريس من دون إذن من الدولة. وبعد سنة واحدة من ذلك القرار تم سن القانون رقم 18 الذي يطالب الدولة بالإنفاق على تدريس الأمازيغية في المدارس العمومية وإقامة مراكز بحوث متخصصة في اللغة والثقافة الأمازيغيتين. وأتى القانون بعد سنة مليئة بالاحتجاجات والمظاهرات المُطالبة بدسترة الأمازيغية بوصفها لغة وطنية، إلى جانب العربية، وترسيمها (أي اعتبارها لغة رسمية)، إلى أن تم التوصل إلى حل وسط في هذا الشأن.
غير أن النشطاء ومنهم عمرو وأيوب وجوهر رفضوا أن يكون ذلك القانون هو سقف المطالب، ورأوا أن ذلك الاعتراف “هو حقٌ طبيعيٌ بدليل أن الدستور المؤقت لليبيا أقر بأن الأمازيغية لغة وطنية، لكن الوزراء منعوا تنفيذ ذلك الخيار”. وفي هذا السياق، أشاروا إلى صدور قرار من “ديوان المحاسبة” في طرابلس تم بموجبه وقف صرف رواتب مُدرسي الأمازيغية بحجة أنها ليست لغة رسمية وأن الوقت غير مناسب لتعليمها لأنه “قد يُشعل فتنة في البلد”، حسب زعم الديوان.
مظلومية تاريخية
في سياق متصل، يتفق أنطونيو موروني أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة بافيا الإيطالية، والمتخصص في الشأن الليبي والباحثة كيارا باغانو من جامعة روما 2 مع شعور الأمازيغ بالمظلومية التاريخية، حيث أكدا لـ swissinfo.ch أن الأقلية البربرية في ليبيا تعرضت، في ظل حكم معمر القذافي، الذي امتد على أكثر من أربعة عقود، إلى الإقصاء المنهجي من الحياة السياسية ومن التاريخ ومن ذاكرة “الجماهيرية”، المُنبثقة من انقلاب 1969. وقالا: “إن مجرد الإفصاح عن وجود أقلية بربرية كان يُفهم من النظام (السابق) باعتباره تمردا سياسيا، ويتعرض قائلوه للقمع بناء على ذلك”.
وأضاف الباحثان الإيطاليان أنه “لا يمكن أن نستغرب من البروز التدريجي للمطالبة بحماية الحقوق الفردية والجماعية للبربر في ثنايا الحرب الأهلية، فقد لعب بربر جبل نفوسة، وهي المنطقة الثالثة تاريخيا من حيث حجم السكان المستقرين بعد كل من طرابلس وبنغازي، دورا مُحرِكا في الدفاع عن قضية بربر ليبيا، الذين يعيشون أيضا في مدينة زوارة الساحلية وفي واحتي السوكنة وأوجلة”.
وبحسب موروني وباغانو اللذين أجريا مسحا ميدانيا عن أمازيغ جبل نفوسة، فإنه “إذا كانت عقود من القمع السياسي والتهميش الإجتماعي على حساب البربر قد شكلت حافزا واضحا على الثورة، فمن الخطإ أن نستنتج من ذلك أن البربر قاتلوا من أجل هوية خاصة بهم أو انفصالية بشكل صريح، بل على العكس من ذلك هم ناضلوا من أجل حقوق الليبيين أجمعين.
وكثيرا ما يُعزى رفض العديد من النشطاء البربر لعبارة “بربري” وتفضيل عبارة “أمازيغي” (جمع أمازيغ) إلى المدلول السلبي لكلمة “بربري” (بربروس باللاتينية)، أي من لم يكن من أهل الحضر (أو سيفيتاس في العالم الروماني) ومن لا يتحدث اللاتينية، والذي ارتبط اسمه في الحقبة الإستعمارية، بصورة البربري المتمسك بتقاليد متوحشة مصحوبة بمظاهر العنف والقسوة.
تداخل الثقافتين العربية والأمازيغية
الخبيران في الشأن الليبي تابعا قائلين: “تبنى بربر نفوسة اللغة العربية ودخلوا الاسلام على مدى قوس زمني مديد (في فترة الفتوحات وبعدها)، طبقا لاستراتيجياتهم الخاصة، التي لم تكن بالضرورة مُملاة عليهم من الخارج، وهكذا كان تداخل الثقافة العربية مع الثقافة البربرية أمرا بديهيا، وعبّر عن نفسه في الثنائية اللغوية لدى البربر.
وتُظهر خريطة اللغات أن الناطقين بالبربرية والناطقين بالعربية عاشوا جنبا إلى جنب في عدد لا بأس به من القرى. ولم تُسجل خلال مسار تصفية الاستعمار مطالب خصوصية للبربر، كما لم يكونوا بدورهم عُرضة لأي نوع من التمييز العرقي في الحقبة الملكية، على رغم أن الدور المُزدوج للملك ادريس السنوسي، بصفته ملكا وزعيما للطريقة السنوسية، يضعُهُ ضمنيا في موقف مُتوتر مع هؤلاء البربر، الذين كانوا من أتباع المذهب الإباضي. ولم تطفُ تدريجيا على السطح قضية بربرية إلا خلال السنوات الإثنتين والأربعين من حكم معمر القذافي، بوصفها فرعا من سياسة التوحيد القسري التي فرضها النظام”.
على هذا الأساس، رأى موروني وباغانو أن انتفاضة 2011 “شكلت مرحلة جديدة في تاريخ بربر الجبل وتاريخ ليبيا بشكل عام. ففي أعقاب سقوط البوابات والحواجز الأمنية أمكن لـ”المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا” تولي التنسيق بين مختلف الميليشيات البربرية، وإنشاء هيئة للربط بين المجالس المحلية في المدن البربرية، كجزء من “المجلس الوطني الإنتقالي” الذي تسلم قيادة البلد.
وبعد إسقاط النظام ترافقت محاولات البربر لتكريس تمثيل في وسط البلاد مع سلسلة من المبادرات غلب عليها الطابع الثقافي والإجتماعي، والتي لم يكن لها تأثير مباشر على الصعيد السياسي، فقد أعاد محمد مادي فتح بوابة “تاوالت” الالكترونية. كما ظهرت جمعيات ومواقع إخبارية ومحطات إذاعية وقنوات تليفزيونية في الجبل وخارجه من أجل تعزيز الانتماء الأمازيغي، باستثمار المصادر المتوافرة من خلال الشبكات الأمازيغية عبر فضاء الإنترنت”.
لا نطلب أن تكون ليبيا أمازيغية في المستقبل، بل نُطالب بدستور يشمل الجميع
نُشطاء من الأمازيغ
رفضٌ للإنفصال
الباحثان الإيطاليان شددا على أن كثيرا من قادة الثوار البربر أبدوا استعدادهم لتعاون كامل مع المُكونات الأخرى في أعقاب إعلان رئيس “المجلس الوطني الانتقالي” مصطفى عبد الجليل يوم أول سبتمبر 2011 اكتمال الثورة وبدء المرحلة الإنتقالية. وأشارا إلى أن التقارير الإستخبارية الغربية في تلك الفترة أجمعت على غياب أية “أجندا انفصالية لدى البربر” في ليبيا، وأن “المهم عندهم هو أن تبقى ليبيا مُتحدة”. وهكذا تم بطلب من البربر التنصيصُ في البند الأول من الإعلان الدستوري المؤقت، الذي صادق عليه المجلس الوطني الإنتقالي في 8 أغسطس 2011، على “الحقوق الثقافية لجميع مُكونات المجتمع الليبي”، والإشارة إلى “لغاتهم بوصفها لغات وطنية”.
مع ذلك حذر، النشطاء الثلاثة الذين تحدثوا إلى swissinfo.ch من تزايد المضايقات والإعتداءات على رموز أمازيغية، وأومأوا إلى تعرُض مقر المجلس الأعلى للغة الأمازيغية في طرابلس للسرقة في شهر نوفمبر 2015، وقبل ذلك تحطيم مقر قناة “إبرارن” (التنوع) أثناء المعارك التي اندلعت بين ميليشيات “فجر ليبيا” وعناصر “عملية الكرامة” في عام 2014، وكانت القناة الأمازيغية الوحيدة المتبقية في ليبيا، وسرقة مُعداتها ما أدى إلى توقفها عن البث حتى اليوم.
وسألت swissinfo.ch النشطاء الثلاثة: باختصار ما هو مطلبكم الرئيس اليوم؟ فردوا “مطلبُنا يُختزل في كلمتين: دسترة الهوية الأمازيغية وترسيم اللغة، فلا نقول مثلا إن ليبيا دولة عربية وليس المطلوب طبعا أن نقول إنها أمازيغية، بل هي جمهورية مدنية“. وعُدتُ أسألهم: يرى البعض أن هذا يعني تسلط الأقلية على الأكثرية؟ فأجابوا “أولا الحقوق لا تخضع للمعايير الرقمية، وثانيا تاريخ ليبيا أمازيغي، غير أننا لا نطلب أن تكون ليبيا أمازيغية في المستقبل، بل نُطالب بدستور يشمل الجميع، بينما الآخرون يطالبون بدستور يقتصر عليهم هم فقط”.