مرة أخرى، تبقى روسيا وحيدة تجاه الغرب في دفاعها العنيد الظاهر عن نظام بشار الأسـد في سوريا. فبعد الذي جرى وتم توصيفه من قِبَل المجتمع الدولي على أنه مذبحة الحولةـ كان على موسكو أن تقوم بألعاب بهلوانية من أجل عدم الاستسلام أمام الضغوط الغربية لفرض عقوبات جديدة على دمشق. تصر موسكو على موقفها: لا للتدخل العسكري ونعم لتطبيق خطة سلام الوسيط الدولي كوفي أنان. مع هذا كله، ينفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تقوم بدور الشرير في القصة كما تؤكد الولايات المتحدة وأن دعمها للأسـد ليس من غير شروط. وإذا حكمنا على الأمور من خلال ما شاهدناه في الأيام الأخيرة، فإننا نلمح تغيرات صغيرة في موقف الكرملين: “روسيا تدافع عن العدالة، وليس عن الأسـد”.
“لا يمكن تحقيق شيء بالقوة”، تلك هي العقيدة “الدوغما” الروسية في سـوريا. كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الجملة كما لو أنها تعويذة خلال زيارته الخاطفة إلى ألمانيا وفرنسا. ذكَّر بوتين بالسابقتين في العراق وليبيا، وتساءل عما إذا كان شعباهما “قد أصبحا أكثر أمنا؟” بعد الغزو الغربي. ذلك ما يدعوه بوتين “ديموقراطية القنابل”.
أكد بوتين أن “الهدف السياسي” لروسيا في علاقتها مع حليفها الأخير في الشرق الأوسط هو الحيلولة دون اندلاع حرب أهلية. كما فنَّد، واحدة بعد أخرى، الانتقادات التي عبَّرت عنها وزارات الخارجية الغربية ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. ونفى بوتين بشكل خاص أن يكون تعنته المفترض في سوريا قد ساهم في تفاقم الأزمة، وكذلك أن السلاح الروسي -بطاريات مضادة للطيران وقطع المدفعية- يمكن أن يُستخدم في نزاع أهلي.
لكن الأكثر أهمية، هو أن بوتين أصر على أن روسيا “لا تحابي الأسـد ولا معارضيه” وأضاف قائلاً إن روسيا ستقبل على نحو أعمى ما يقرره الشعب السوري. ذلك هو الفارق البسيط الذي لا يمكن التغاضي عنه والذي يدل على تحول طفيف، نعم تحول طفيف وليس جذرياً، في الموقف الروسي في سـوريا.
لا تريد روسيا ارتكاب الخطاً نفسه الذي ارتكبته في العراق أو ليبيا عندما أدى دعمها الأعمى لديكتاتور في السلطة (صدام أو القذافي) إلى خسارتها لأعمال تجارية كبيرة وللنفوذ السياسي، ذلك أن القادة الجدد لهذين البلدين “المُحَرّرَين” من قِبَل القوى الغربية نظروا إلى روسيا على أنها حليف للنظام القمعي السابق.
“الإشارة الوحيدة التي تستطيع روسيا وينبغي عليها أن ترسلها الآن إلى الأسـد، هي أن موسكو فعلت كل ما بوسعها من أجله وأن عليه ألا ينتظر المزيد. من الآن فصاعداً، كل شيء سيعتمد عليه هو نفسه”، هكذا يرى فيودور لوكيانوف، الخبير السياسي الروسي المعروف. يعتبر لوكيانوف أن السياسة الخارجية الروسية في سوريا كانت، لِمرَّةٍ، متسقة منذ البداية، لكن الحجج، مهما كانت محقة وسديدة، يمكن أن تكون غير كافية إذا تفاقم العنف وسارت البلاد إلى حرب أهلية وأخفقت خطة أنان.
واحد آخر من مفاتيح الأزمة السورية، هو أن روسيا تستمر، رغم كل الصعاب، بدعم خطة عنان، بينما يبدو أن الغرب، الذي لم يكن في حقيقة الأمر واثقاً قط من نجاح الأمين العام السابق للأمم المتحدة، قد فقد الأمل في الوصول إلى تسوية سياسية. تعي روسيا أنه إذا لم ينجح أنان في إجلاس السلطة السورية والثوار على الطاولة للتفاوض، فإن أيام الأسـد ستكون معدودة.
“ينبغي على روسيا الآن أن تقترح خطة لتغيير السلطة في سـوريا، ليس من خلال الإطاحة بالأسـد وما قد يتبعها من فوضى، وإنما تدريجياً”، يُبيِّن لوكيانوف في مقالة منشورة في صحيفة “Moskovskie Novosti”. الخلاصة، يجب على الكرملين أن يتهيأ لما بعد الأسـد، وإلا فإن الغرب سيعود لإبعاد روسيا عن “القِسمة” في بلد عربي آخر، كما حدث بالفعل في تونس وليبيا ومصر.
“الشرط الذي لا محيص عنه يجب أن يكون تنازل الأسـد عن السلطة، وإذا كانت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية قامتا بدور الوسيط الرئيسي في اليمن، فإن الدور الرئيسي هنا يجب أن تقوم به إيران وروسيا” يعلِّق لوكيانوف.
إن بوتين عدو صلب لسياسة الغرب التدخلية، لكنه قائد براغماتي يريد أن يعيد روسيا إلى المكان الذي يعتقد أنها تستحقه في العالم. يستهجن الكرملين الثورات الديموقراطية المُمولَة من قِبَل القوى الكبرى، لكنه لا يريد أيضاً أن يرى نفسه معزولاً بتحالفاته مع أنظمة مشينة. على هذه الأرضية الوسط يمكن أن يُوجد مفتاحُ الحل للأزمة في سـوريا.
ترجمة: الحدرامي الأميني
http://www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_8852_ESP.asp