قبل تسعة وعشرين عاماً – في 12 كانون الأول/ديسمبر 1983 – نفَّذ «حزب الله» وعملاء جماعة “الدعوة” الشيعية العراقية المدعومة من قبل إيران سلسلة من سبعة تفجيرات مُنسَّقة في الكويت أودت بحياة ستة أشخاص وتسببت في جرح ما يقرب من تسعين شخصاً آخر. وشملت الأهداف السفارتين الأمريكية والفرنسية، ومطار الكويت، ومباني شركة “رايثيون”، ومنصة بترول تملكها “شركة النفط الوطنية الكويتية”، ومحطة كهرباء مملوكة للحكومة. في حين تم إحباط هجوم آخر خارج مكتب للبريد.
لقد جاءت التفجيرات بمثابة صدمة للمسؤولين الكويتيين، إلا أنه كان من الممكن أن يكون الدمار أكثر سوءاً لو تم ربط القنابل بالأسلاك بشكل صحيح. وقد أدت الهندسة للمتفجرات إلى منع انفجار ثلاثة أرباع المواد المتفجرة التي كانت مزروعة في مجمع السفارة الأمريكية، مما أنقذ أرواح العديدين. كما أن التخطيط السيئ حد من القدرة التدميرية للهجمات: فقد كانت هناك حافلة تحمل مائتي اسطوانة غاز معدة للانفجار في موقع “الشركة الوطنية للبترول”، إلا أنها انفجرت على بعد 150 ياردة من مصفاة نفط وعلى بُعد ياردات قليلة من كومة من المواد الكيميائية القابلة للاشتعال. ولو تم تخطيط العمليات بمهارة أكبر لربما كان سينجم عنها أيضاً تدمير محطة تحلية المياه الرئيسية في الكويت، الواقعة ضمن المنشآت، الأمر الذي كان سيترك تلك البلاد الصحراوية دون أي مياه صالحة للشرب تقريباً.
وفي تلك الهجمات، عمل كبار عملاء «حزب الله»، الذين انضم إليهم رفقاؤهم العراقيون، على خدمة مصالح إيران بشكل صريح، وليس مصالح الجماعة العاجلة. وبعد ثلاث سنوات من تلك الهجمات، قيّمت “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية في تقرير أزيلت عنه صفة السرية منذ ذلك الوقت، أنه في حين أن هدف إيران في دعمها للإرهاب كان تعزيز مصالحها الوطنية، بما في ذلك إثناء الكويت عن دعم العراق عسكرياً في الحرب الإيرانية العراقية، إلا أن ذلك الدعم ينبع أيضاً من تصور نظام الملالي “بأن هناك واجبا دينيا يقع عليه ويتمثل بتصدير ثورته الإسلامية وشن صراع دائم ضد الدول الجائرة المتصورة، بأي وسيلة كانت”. لقد كانت تفجيرات الكويت هي الأولى في سلسلة مطولة من هجمات من ذلك النوع.
وفي النهاية، سُجِن سبعة عشر إرهابياً مداناً في الكويت – فيما أصبح يُطلق على تلك الواقعة بـ عملية «الكويت 17» – بمن فيهم عدة أعضاء من «حزب الله». وعلى مدار السنوات التالية، نفذ «حزب الله» العديد من الهجمات الإضافية، في الداخل والخارج، سعياً منه لإطلاق سراح أعضاء سُجنوا لقيامهم بتلك التفجيرات. وفي وقت لاحق اعترف نائب الأمين العام لـ «حزب الله» نعيم قاسم أن واقعة «الكويت 17» “كانت الشرارة الأولى لفكرة الرهائن، عن طريق الضغط لإطلاق سراح أسرى في إسرائيل وأماكن أخرى.”
وكان واحد من أولئك المُدانين – الذي حُكم عليه بالإعدام – هو مصطفى بدر الدين، ابن عم عماد مغنية وشقيق زوجته، الذي كان في الكويت مختفياً تحت الأسم الحركي المسيحي فؤاد صعب. وعندما أصدرت محكمة كويتية حكماً بالإعدام على بدر الدين في آذار/مارس 1984، هدد «حزب الله» بقتل بعض رهائنه في حالة تنفيذ الحكم (وهو ما لم يحدث). ويسود اعتقاد بأن اختطاف رئيس محطة “وكالة الاستخبارات المركزية” في بيروت، وليام بكلي، في ذلك الشهر نفسه، فضلاً عن عمليات اختطاف عديدة أخرى في النصف الثاني من عام 1984، كانت رداً مباشراً على اعتقال مُفجري عملية «الكويت 17» وإصدار أحكام ضدهم. وعند مناقشة احتمالات إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، أوردت مذكرة صادرة عن «وكالة الاستخبارات المركزية» أن “مغنية كان يربط دائماً مصير رهائنه الأمريكيين بالإفراج عن السبعة عشر إرهابياً شيعياً في الكويت، وليس لدينا أي مؤشرات بأنه غيّر هذا المطلب”.
وفي عام 1991 كان بدر الدين ما يزال على قيد الحياة، عندما غزت العراق الكويت وقامت بإخلاء سجون البلاد . وبعد أن هرب بدر الدين إلى السفارة الإيرانية في الكويت، أوردت التقارير أن “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” سهل سفره إلى إيران وعودته إلى لبنان في النهاية.
واليوم، لا تزال أصداء عملية «الكويت 17» تدوي في الأحداث الحالية. وقد اغتيل مغنية في شباط/فبراير 2008، وخلفه بدر الدين في رئاسة الأجنحة العسكرية والإرهابية لـ «حزب الله». وفي حزيران/يونيو 2011، أصدرت «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان» التي شكلتها الأمم المتحدة – وهي الهيئة المكلفة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري – قرارا اتهاميا بحق بدر الدين وثلاثة عملاء آخرين من «حزب الله» لدورهم في اغتيال الحريري.
وفي مؤشر على دور بدر الدين القيادي المستمر في الأعمال العسكرية والإرهابية لـ «حزب الله»، قامت وزارة الخزانة الأمريكية بأضافته مع طلال حمية، وهما “قائدان إرهابيان بارزان في «حزب الله»” إلى قائمة الإرهابيين التي تصدرها الوزارة “لتوفيرهما الدعم لأنشطة «حزب الله» الإرهابية في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم.”
وكما كان عليه الحال قبل 29 عاماً، فإن «حزب الله» متورط اليوم في حملة إرهاب دولي. فقد شملت عمليات «حزب الله» خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، القيام بمؤامرات وتنفيذ مخططات في أذربيجان وبلغاريا وقبرص ومصر والأردن وجنوب أفريقيا وتركيا وتايلاند. وتم تنفيذ بعض هذه المخططات للانتقام من اغتيال مغنية، ولكن مؤامرات أخرى اعتبرت جزءاً من دور «حزب الله» في حرب الظل التي تخوضها إيران مع الغرب.
وكما هو الحال الآن، فقد كان «حزب الله» يعمل حينها كذراع طويلة لأجهزة إيران الأمنية والاستخباراتية. والفارق الوحيد اليوم أنه عندما يتعلق الأمر بالعمليات الدولية، فإن «حزب الله» هو أكثر ارتباطاً بإيران عما كان عليه الوضع سابقاً. وأثناء تفجيرات الكويت كانت العلاقة بين إيران و«حزب الله» أشبه بالعلاقة بين راعي ووكيله. واليوم، حيث يجوب عملاء «حزب الله» العالم باحثين عن حافلات تحمل السياح الإسرائيليين لنسفها، فإن العلاقة هي شراكة استراتيجية أكثر من أي شئ آخر.
وبعد مرورو ثلاثة عقود لا تزال أصداء تفجيرات الكويت تدوي عالياً – كما أن التهديد الذي تمثله إيران و «حزب الله» أصبح اليوم أكثر منه في أي وقت مضى.
ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين لشؤون الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.
ويكلي ستاندرد
أصداء «الكويت 17» بعد 29 عاماً
لماذا يصمت الجميع عن مهندس هذه الجريمة والمشرف على تنفيذها ويتركونه يصول ويجول بين بغداد وطهران ابو مهدي المهندس هو المجرم فلماذا السكوت عنه