هناك ظاهرة سياسية في إسرائيل تبرز، في حدّة وشراسة، من حين لآخر، وهي اكتشاف “خطر التزايد العربي داخل إسرائيل”، وأيضاً “ازدياد سكنى العرب في المدن اليهودية”، مما يهدد حسب منطق العنصريين “الطابع اليهودي” لتلك المدن. ويسأل العنصريون في حسرة وتنهد: “هل جئنا من أوروبا الغربية وروسيا وأمريكا اللاتينية إلى إسرائيل، لنسكن في مدن يتعمق طابعها العربي، عاماً بعد عام؟”.
هناك كثير من الهستيريا العنصرية الفاشية في هذا الإدعاء. ولكن لا مجال لإنكار أن نسبة العرب في المدن اليهودية والمختلطة في تزايد، ليس نتيجة خطة “تآمرية”، “قومية” عربية، بل نتيجة نزوح العرب (بعد مصادرات الأراضي العربية) إلى المدن، بحثاً عن عمل.
مؤخراً، رفع العلم العنصري عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) أوري أريئيل من كتلة “الاتحاد القومي- الحزب القومي الديني”. قال: هناك أحياء في “الناصرة العليا” (مدينة يهودية أقيمت بجانب الناصرة العربية) احتلها العرب كلياً. مثلاً حي “إبنِ بيتك” القديم، من 56 فيللا بقيت فيه خمس فيلات يسكنها اليهود”.
ويقول هذا “القومي” العنصري: “يجب وقف السيطرة العربية على أحياء في المدن اليهودية، نتسيرت عليت ، عكا، كرميئيل، اللد ، الرملة، حيفا وغيرها.
وللتذكير نقول إن نتسيرت عليت أقيمت على أراضٍ منهوبة من الناصرة، عين ماهل، الرينة، وكفركنا، مما أبقى هذه الأمكنة العربية بدون أراضٍ للعمار. أما كرميئيل فهي مدينة أقيمت على أراضي دير الأسد ومجد الكروم والبعنة ونحف، مما أبقى هذه القرى “غيتوات” ليس أمامها أي أفق مستقبلي للعمار. ونحن نقول إن مَن يعتقد أن عكا واللد وحيفا مدن يهودية ولا مكان للعرب فيها، هو عنصري يتناسى تاريخ هذه المدن. ففي أيام الانتداب كانت عكا مدينة عربية تماماً بدون استيطان يهودي، وكانت اللد مدينة عربية تماماً، وكان في حيفا 94 ألف مواطن عربي.
إن الإيديولوجيين العنصريين الذين توهموا أن إسرائيل ستكون دولة “نظيفة” تماماً من العرب هم جهلة وأغبياء وغير واقعيين. العرب أيضاً يزدادون زيادة طبيعية، ويزداد بينهم الموظفون والأطباء والمقاولون وقطاعات من الطبقة الوسطى، وحين تضيق بهم القرى، ينزحون إلى المدن القريبة عادة.
أقول، بكل الصدق، إنه ليست هناك “خطة سرية” للعرب أن “يحتلوا” المدن اليهودية، ولكن لديهم خططاً علنية للحياة، لبناء بيوت عصرية، لضمان حياة للأجيال القادمة أفضل من حياة آبائهم.
عضو الكنيست أوري أريئيل يقول إنه زار “نتسيرت” عليت قبل أسابيع وذهل: “ذهلت من احتلال أبناء الأقليات للمدينة. تبين لي أن هناك شراء لحوانيت وشقق وساحات من قبل عرب الجليل”. ويدّعي هذا الفاشي أن 30 بالمئة من سكان “نتيسرت عليت” هم عرب. وهذا بالطبع مبالغ فيه، فإحصائيات البلدية لا تتكلم عن أكثر من 10 بالمئة فقط. ولكن العنصري يبالغ ليثير الهلع والهستيريا والكراهية البهيمية المعادية للعرب.
أريئيل هذا يقول إن حزبه “الاتحاد القومي” سيضع خطة تفصيلية ويطرحها للدوائر الحكومية لتشجيع الأزواج الشابة اليهودية والطلاب الجامعيين اليهود والعائلات اليهودية الميسورة للقدوم إلى الجليل، لشراء شقق بأسعار “خاصة”، لوقف “الاحتلال” العربي للمدن والمستوطنات اليهودية.
ويقول أريئيل إن “الحل السحري” حقاً، هو توجيه جمهور متدين يهودي- قومي إلى “نتسيرت عليت” وأيضاً إقامة مدارس دينية يهودية ومراكز دينية، لعل هذا “يُنفِّر” العرب (“المسلمين والمسيحيين”) من القدوم إلى هذه المدينة!!
عضو بلدية “نتيسرت عليت” السابق، السيد سليم خوري، يقول رداً على الزوبعة العنصرية القذرة التي أثارها أريئيل: “هذا اليميني العنصري يريد بناء حزبه وربما بناء نفسه شخصياً من التحريض السافل ضد العرب. إن أي عربي لا يأتي إلى “نتسيرت عليت” ليحتل، بل ليسكن ويعمل، وهو عادة يريد علاقات إنسانية وطبيعية، علاقات جيدة حسنة مع السكان اليهود”.
ويقول سليم خوري: “إن العرب واليهود في المدينة معتدلون وإنسانيون ويريدون العيش لا تنغيص العيش على الآخرين”.
العرب في “نتسيرت عليت” لا يستخفون بهذه الحملة العنصرية المعادية للعرب، التي تحاول بذر الكراهية الجماعية للعرب لكونهم عرباً، مما قد تكون له نتائج خطيرة جداً مستقبلاً.
إن العرب الفلسطينيين المواطنين في دولة إسرائيل، يحسون بالضائقة، ويحسون بالتهديد النفسي وأحياناً بالتهديد العنصري الحقيقي. ولذلك فإن القوى المثقفة بين العرب وجمعيات المجتمع المدني تقوم بحملة هامة بين اليهود، للتصدي المشترك للعنصرية. وهناك يهود وعرب يذكّرون المجتمع اليهودي بذكريات قديمة من أوروبا، حين كان اليهود هم الضحايا وإلى الحاجة للتعلم، إنسانياً، من تجارب الماضي القاسي.
على أية حال، فإن العرب الفلسطينيين، المواطنين في دولة إسرائيل، الذين يبلغ عددهم الآن حوالي مليون وربع المليون من السكان متمسكون بأرضهم وبيوتهم، متمسكون بالوطن الذي عاشوا فيه خلال قرون طويلة ولا وطن لهم سواه. “نحن لا نهدد أحداً- قال سليم خوري عضو البلدية السابق في “نتسيرت عليت”- ولكننا تحت هذا التهديد، ولا نخاف من التهديد، نحن باقون في بيوتنا، باقون في مدينتنا، باقون في وطننا”.
* الناصرة
salim_jubran@yahoo.com