ظهرت زوجة بشار الاسد، أسماء، على خشبة الاعلام الغربي بعد تعافيها من انهيار عصبي أوصلتها اليه كل من والدته ناعسة وشقيقته بشرى، وهو انهيار كان يمكن لأية حماة او «ابنة حماة» أن تسبّب به لـ»كنّة» جديدة، من خارج القبيلة او من داخلها. ولكن في حالتنا هذه بالذات، ارتدت حوافز الشرّ ضد هذه «الكنّة» لبوس المذهبية، عائدة الى كون العروس سنية فيما العريس علوي. لذلك طبعت الطلّة الاولى لأسماء امام الاعلام الغربي بذيول الخناقة العائلية، وقد بدت فيها «متجاوزة الفروقات المذهبية»، «متسامحة»، «حداثية، داعية الى التعددية»… بعدما تجرأت على الزواج من ابن طائفة اخرى، باسم «الحب»، وخرجت من الصراع الذي اشعله «قوية… فاهمة… متماسكة«.
لكن هذه الصفات والقصة العائلية التي نسجتها بقيت في خلفية المشهد، لم تكن تذكر الا لماما. فالمهم بالنسبة للاعلام الغربي كان مظهر اسماء الاسد: مشيتها «المبهجة»، شبابها «المشرق»، طولها «الفارغ»، قدّها «النحيل»، قصَّة شعرها «المودرن»، اناقتها «الراقية»… ثم، من ناحية اخرى: مولودة في بريطانيا، من أب جراح قلب معروف وأم ديبلوماسية، كانت تزور سوريا اثناء العطل، تتكلم الانكليزية باللهجة البريطانية، خريجة برمجة مالية وعملت في اصعب الفروع المالية، كانت ذات مستقبل مهني واعد… كُتب لها ان يكون قدرها استثنائيا باقترانها بوريث دولة سوريا. ولكنها لا تكتفي بـ»جمالها» و»سحرها» و»أناقتها»، انما هي ايضا «متفانية في خدمة نساء سوريا ولاجئيها»، وبرعايتها انشطة «المنظمات غير الحكومية» التي تحرث ارض وطنها من الاقاصي الى الاقاصي. وقد خصّص لها البرلمان الاوروبي مبالغ هائلة لتشجيعها على المضي في هذا «التفاني«.
بعد إعادة العلاقات الطبيعة بين دمشق وباريس في بداية عهد نيقولا ساركوزي، قامت اسماء الاسد بزيارة الى باريس، برفقة زوجها. سحرت الاعلام الفرنسي بكل ما سبق، وردت على اسئلة الصحافة الفرنسية الساذجة، باجابات «عاقلة رزينة»، من نوع انها لا هي ولا زوجها يهتمان بالـ«صورة» او بالمظهر بل بجوهر الامور، او انها هي وزوجها وابناؤها «فريق شديد الانسجام… نحن نصوت على ما نرغب واين نرغب…»؛ أو، «ان فرنسا وسوريا بلدان متطوران، يعتزان بماضيهما، وهما ايضا علمانيان«.
عشاء «حميم» مع زوجها في احد المطاعم الباريسية الفاخرة، صُوِّر بقدرة قادر، فنال «الكوبل» رتبة العشاق، بسبب النظرات الرومنطيقية التي كانا يتبادلانها أمام العدسة التي لم يكونا يعرفان بوجود صاحبها… على هذا المنوال الكثير، وأهمه الرقّة اللامتناهية التي ابدتها اسماء الاسد تجاه أطفال غزة اثناء عدوان نهاية 2009 الاسرائيلي. قالت اشياء تضيف الحنان الى سحرها، خصوصا انها كانت بالهندام الانيق المبهج نفسه وقصة الشعر «المودرن«…
مجلة «فوغ» الاميركية خصصت لها ملفا منذ عام ونيف، خلصت المجلة الى ان سوريا هي «البلد الاكثر مدعاة للثقة والاستقرار» ، وان «السوريات ينلن حقوققهن بقدر ما ينال الرجال حقوقهم»، وان اسماء الاسد «تشجع الشباب السوري على الانخراط في الحياة المدنية». فهي»السيدة الاولى التي تجر بلادها من الديكتاتورية الى التقدم والانفتاح»… الخ. المجلة اطلقت عليها لقب «وردة الصحراء»، ووصفتها بأنها «أكثر السيدات الاول نداوة وجاذبية»، وقد اضافت اليها لقباً آخر، بعد لقب «ديانا العرب«:
لكن حظ مجلة «فوغ» لم يكن يسيرا: فالمقابلة مع اسماء الاسد نشرت في ربيع العام الماضي، وهو التاريخ الذي اندلعت به الثورة السورية، من درعا. فكانت اولى اشارات الانتكاسة ان المجلة سحبت العدد الخاص باسماء الاسد من الشبكة الالكترونية. فثار الذي ما فتئ الاعلام الغربي يطرحه مع استمرار حرب النظام على الشعب السوري: «ما هو موقف وردة الصحراء مما يحصل في بلادها؟ كيف يمكن للطالبة التي درست في كوين كولدج البريطانية العريقة، والتي كان اصدقاؤها يلقبونها بـ»إمّا« (Emma) كيف يمكن لها ان تسكت امام مقتل كل هؤلاء الشباب المطالبين بالحرية؟ كيف يمكن لهذه المتخصصة اللامعة في الشؤون المصرفية ان ترفض رؤية الامور كما هي في الواقع؟». فكانت الاشاعات عن هروبها مع اولادها الى خارج سوريا، والذي لم يحصل بفضل جهود الامن. واجابتها المكتوبة على سؤال من مجلة «تايمز» عن موقفها مما يحصل: «الرئيس هو رئيس كل سوريا، وان السيدة الاولى تدعمه في هذا الدور»، وانها «في هذه الايام مهتمة بالحوار. تصغي الى العائلات التي تعرضت للعنف وتواسيها«…
اما الضربة القاضية فكانت تسرّب الرسائل الالكترونية التي تبادلتها اسماء الاسد مع زوجها خلال العام الاول من الثورة السورية الى صحيفة «الغارديان» البريطانية ، وبدت فيها سينيكية، غير مبالية بمأساة شعبها، ساخرة بأبناء مدينتها، حمص، متواطئة مع زوجها، ولا يثير اهتمامها الا الشوبينغ الالكتروني، حيث نعرف من هذه الرسائل انها منكبة على شراء الاواني واللوحات الشمعدانات المصنوعة في محلات «هارودز» الفاخرة، فضلا عن احذية «لوبوتان« (louboutin) التي تعتز بأنها «ليست بمتناول الجمهور الواسع»، وعقود من الالماس من احد المحترفات الباريسية الفخمة.
بعد هذا، يبدأ التشكيك: هل دقّق احدهم بالـ»سي في« (CV) المهني الخاص باسماء الاسد؟ الا يمكن ان نكون قد خُدعنا ولم تكن لا طالبة متفوقة ولا محللة لامعة ولا كانت مقبلة على مستقبل باهر؟ والدتها التي قلنا عنها ديبلوماسية، ألم تكن سوى موظفة في سفارة سوريا في لندن؟ وعملنا منها ديبلوماسية؟ والدها، هل هناك قبول من اعضاء الجمعية السورية-البريطانية برئاسته لها؟ هل يعقل اننا كنا نراها وردة رقيقة نادرة قاطرة بلادها نحو الحداثة والعلمانية والتعددية… تتحول الى ماري انطوانيت الشرق؟ كل هذا طبعا معطوف على عقوبات اقتصادية تطالها شخصيا، واجراءات اخرى ترفقها بزوجها وابيها الذي تبين بأنه يلعب دور الوكيل المالي السري لآل الأسد.
قد تكون هذه التساؤلات معبرة عن التشوش الذي اصاب هذا الاعلام، نتيجة انخداعه باسماء الاسد، وظهورها على حقيقتها المرّة. لكن التشوش لا يكفي. او انه لا يفسر شيئا. هناك عطب في الاعلام الغربي ظهر بوضوح في حالة اسماء الاسد، ليس من السهل عليه التنبه له، لشدة ما هو موسوم بتصوراته الخاصة وعلاقته بعالمنا. في الاعلام الغربي شيء من السطحية؛ الصورة، المظهر، الهندام، الهيئة، الوقفة… كلها عناصر حاسمة في رسمه لملامح أصحابها. هذا مستوى مهم عند كل سياسي او سياسية غربيين. الصورة عندهم حاسمة في تشكيل الموقف من صاحبها. ولكن هم لا يكتفون بها عندما يتعلق الامر بشخصياتهم العامة؛ بل يبحرون في اعماقها وتناقضاتها ومكرها وحماقتها، في ثقافتها وجهلها، في سُباتها او ديناميكيتها. وعندما يأتي دورنا، يكون نصيبنا الصورة فحسب. خصوصا اذا كانت صاحبتها امرأة. يكفي ان تكون شابة، جذابة، نحيلة، بقصة شعر «مودرن» وثياب «سينييه»…. حتى تتبدد كل الشكوك وتصبح صاحبة كل هذه الاوصاف قاطرة الديموقراطية والتقدم في بلادها. ليس هذا فحسب، لهذه الصورة المرغوبة مواصفات «جمالية» محددة: هي كل تلك التي تجذب الذوق الغربي، أو تسحره.
الاعتماد على الصورة فحسب لا يكفي. اذ ان اسماء «نشيطة» ايضا، ترعى «الجمعيات غير الحكومية». هل يمكن ان نصدق أن الاعلام الغربي والبرلمان الاوروبي، وربما غيرهما من المؤسسات الداعمة، صدّقوا اسماء الاسد حرفيا عندما قالت لهم بانها صاحبة هكذا نشاط؟ من دون تحقيق ميداني او اسئلة اقل سخافة من تلك التي يطرحون؟ الارجح انهم يريدون ان يصدقوا اكثر من انهم صدقوا. اما الاسباب فشتى: اولها انهم ليسوا معنيين تماما بموضوعهم، ولذلك لا يراجعون ما كانوا اعتقدوه الا بعد ان تثار الفضيحة. لا يهم الا الفضوليين من بينهم ان تكون السياسة الرسمية لبلدانهم هي التغاضي عن الديكتاتوريات بقدر ما يخدم ذلك مصلحتهم، مصلحة بلادهم العليا. لا يجدون غضاضة في هذا التواطؤ، ولا تناقضا بين قناعاتهم وبين كسلهم الفكري في البحث عما وراء تلك الصورة التي لا تعكس شيئا غير صورتهم.
الاعلام الغربي ملغوم. فيه الغث والنفيس. فيه الشغف بالمعرفة واستسهال الحصول عليها، فيه الرصين والخفيف، في الصحيفة الواحدة، بل القلم الواحد، احيانا (انظر الى ما يكتبه برنار هنري ليفي، او توماس فريدمان في الصحافة). هو مثل غيره من الاعلام تتجاذبه المصالح الضخمة والعلاقات العامة الضرورية. وتتفاوت وسائله بين ارقى التحليلات واسفل ممارسات التنصت على الخصوصيات. هو مثل اعلامنا يجب ان يخضع للتدقيق والنقد. مثل الديموقراطية الغربية نفسها. الاثنان تشوبهما الشوائب نفسها.
اما قصة اسماء بشار الاسد، فمتروكة للتاريخ، الأعمق والاقل خفة واستخفافا من الاعلام. حتى الآن، فهي، قبل تسريبات الغارديان، زوجة ضعيفة تداري زوجها، على مضض ربما. وبعد تسريبات الغارديان، هي منافقة بخصوص أطفال غزة، مستهترة بمصير ابناء شعبها (شعبها اكيد؟)، مشغولة باقتناء ترفيات تأسف صديقتها انه لن يكون ربما هناك فرصة للتباهي بها، عاشقة لزوجها القاتل السمِج… فلننتظر.
أسماء بشار الأسد، من «وردة الصحراء» إلى «ماري أنطوانيت الشرق»
مقال ممتاز كالعادة
أسماء بشار الأسد، من «وردة الصحراء» إلى «ماري أنطوانيت الشرق»
الله يا كاتبة المقال .. ابداع سبقه اقناع .. من يبك أو يتباكى على أطفال غزة أولى به أن يبك على أطفاله الذين يقتلون كل يوم والرقم مضروباً بالضعف .. تواطؤ غربي وصمت عربي وفي الأخير إرادة الله ثم إرادة الشعب هي من ستغير مجرى التاريخ .. ستعلم أسماء مدى الجرم التي اقترفته عندما يسقط النظام ويدير لها الغرب ظهره فالغرب لن يعترف بهم ولنا في آل مبارك حجة ودليل