أسرار وخفايا الإصلاحات في السعودية

0

يبدو للمتابع للشأن السعودي أن الأمور بدأت في الاتجاه نحو منحى خطير إن لم يكن بوسعنا القول أن تدهورا سياسيا تشهده الأراضي السعودية أخذٌ في التمدد!!

منذ أغسطس 2005م والذي شهد ولاية جديدة لملك سعودي سبق اسمه دائما كلمة إصلاح فهو الملك الإصلاحي تارة وهو رجل الإصلاح الأول تارة أخرى ،نقول أن الأوساط الناشطة كانت شديدة التفاؤل بتلك الولاية القادمة بقوة الصاروخ ،ولنا أن ننظر إلى تفاؤلهم بشي من عين المنطق فما أن تسلم الملك عبد الله بن عبد العزيز سدة الحكم حتى أفرج عن 4 معتقلين سياسيين كانوا أسرى محاكمة غير عادلة اتسمت جلساتها الأولى بشيء من الانفتاح الإعلامي ولكن ما لبث أن طغى الجو الإعلامي المعتم على معظم جلساتها ،حيث منع الإعلام بكافة وسائله من حضور المحاكمة و اعتقل صحافيان أثناءها ! كما جرى تغيير هيئة القضاة المعنية بالقضية فجأة ودون مبررات واضحة!

تولى الملك عبد الله مقاليد الحكم ليصدر قرارا تاريخيا بالإفراج عن هؤلاء الذي كان جل جرمهم هو إبداء رأيهم في قضايا تهم أي مثقف يقبع فوق سطح البسيطة!

وبرغم اختلافاتهم الفكرية المتباينة فالشاعر علي الدميني شيوعي حتى النخاع والدكتور متروك الفالح ذو ميول قومية أما الدكتور عبد الله الحامد فإسلامي متين ومحاميهم الشجاع فهو عبد الرحمن اللاحم إسلامي سابق ليبرالي حالي ،لسنا هنا بصدد التحدث عن توجهات فكرية يحق لأي امرئ أيا كان اعتناقها مادام لا يستخدمها في تفجير الآخر أو زجه في غياهب السجون المعتمة.

كنا نقول أن الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي اكتسب شعبية ساحقة هبطت ما أن بدأت أسعار الأسهم بالهبوط لتسحق بذلك كل الحملات الدعائية الفارغة التي صاحبت ما قبل pre وما بعد post توليه الحكم!

فما هو المنطق المقبول في الإفراج شكليا عن 4 معتقلين سياسيون ومن ثم منعهم من مغادرة البلاد لأجل غير مسمى ! إذا هو إفراج شكلي تبعه اعتقال داخلي ولا يبدو للمتابع للوضع الداخلي أن الأمور في طريقها للحل حيث أن الأربعة مازالوا يمارسون نشاطهم المعهود إيمانا منهم بحقهم في التعبير السلمي.

نأتي هنا وفي هذا المقال لتحليل عدد من الملفات بالغة الأهمية ستأتي تباعا على شكل حلقات تتعلق في جلها بالإصلاح السياسي المزعوم في السعودية وهنا نؤكد على حياديتنا التامة حيث إننا ممن نرجو الخير لهذه البلاد ونحن من ساكنيها لذا لا نخاف ولا نخشى من قول الحقيقة المغيبة.

أما كتابتنا باسم مستعار فهو أمر طبيعي خوفا من بطش السلطة الذي لا يرحم ! فعذرا لقارئنا العزيز.

كنا قد بدأنا الحديث عن تدهور في المناخ السياسي خلال الأعوام التي تلت تولي الملك عبد الله الحكم مبشرا في ذلك الحين بانفراجات شتى على المستوى السياسي الذي سيتبعه بلا شك إصلاح اجتماعي واقتصادي(كما كان يعتقد البعض) ،ولكن الآمال خابت ليس فقط على مستوى العام الحالي وما شهده من إخفاقات ضخمة على المستوى السياسي الداخلي بل ومنذ إطلاق سراح 4 سجناء سياسيون واستقبالهم في قصر الصفا بمكة المكرمة كما صرح الملك بعد استقبالهم أنهم أبناء هذا الوطن .وكأن المواطن الحر ملكية خاصة للوطن الذي تحكمه عائلة واحدة تسيطر على جميع خيراته ومنافذه!

تحدثت مع جميع هؤلاء الناشطون بعد إطلاق سراحهم عدا الدكتور الفالح الذي تحدثت فقط مع ابنه. لنقل أن المحامي اللاحم كان متفائلا بذلك العفو بينما كان الحامد يستعد لجولة حامية مع السلطة والذي بدا واضحا من صوته الثوري الذي لا يهدأ. أما الدميني فكعادته وبهدوئه القاتل وثوريته الداخلية الهائلة فقد كان ما بين الاثنين حذرا في تفاؤله ذكيا في تحركاته.

لم يسلم هؤلاء من الطعنات الداخلية والخارجية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وجهت لهم اتهامات من تيار ثقافي محسوب على السلطة أنهم يرغبون في تأسيس دولة ثيوقراطية دينية رغم أن السعودية أصلا دولة ثيوقراطية سواء رضي بذلك قينان الغامدي أو غيره من منظري السلطة، رغم تحفظنا على البريك أيضا والذي تحركه خيوط خفية من داخل أروقة وزارة الداخلية المناطح الرئيس لتيار ملك البلاد وحاكمها المفترض!

كما حاولت جهات خارجية عدة استغلال قضية هؤلاء الأربعة. وبذكائهم السياسي لم تستطع لا جهة داخلية ولا خارجية اختراق صفهم الإصلاحي رغم اختلافهم الشخصي فما بينهم إلا أنهم متفقين على الوحدة الوطنية وذلك ما جعل العديد من المثقفين يقفون بجانبهم إيمانا منهم بوحدة القضية رغم جنوح احدهم أحيانا للتشكيك في تلك المساندة وذلك نظرا لخلفيته الشيوعية المتأثرة بنظرية المؤامرة!

عدا عن كوننا نختلف مع بعض أطروحاتهم الفكرية إلا أننا لا نستطيع سوى الانحناء احتراما لشجاعتهم منقطعة النظير أمام سلطة لا تقبل من يجادلها في أتفه الأمور ما بالك فيمن يطالبها بعدالة اقتسام السلطة والخبز!

كانت وما زالت هناك إشكالية تواجهها السعودية على المستوى السياسي كغيرها من الدول القمعية وهي شراء الكتاب والمثقفين وذلك ما حدث فعلا بعد تولي الملك عبد الله الحكم، حيث تم صرف شيكات تعدت أصفارها الخمسة لعدد من اساطنة الإعلام والأقلام لضمان رفع شعار “السلطة تسعى لإصلاح شامل بينما يقف حائلا بينها وبين الإصلاح التيار الديني”. دأب هؤلاء على الكتابة من خلال هذا المنظور دون التطرق للفساد السياسي المستشري في أجهزة الدولة ونحن لا نرغب هنا في ذكر تلك الأسماء لان المتابع للشأن الثقافي السعودي سيكتشفها دون بذل ادني مجهود.

تلك كانت خطوة ثانية كان محركها الرئيس مستشارون جدد تم تقريبهم لضخ دماء جديدة أثبتت ولائها التام عبر تقارير رخيصة ومقالات سخيفة.

في عجالة سنذكر عددا من خطوات الدعائية السياسية الذكية كاستقبال منسوبات التعليم لأول مرة في تاريخ السعودية ومن ثم استقبال عدد من الكاتبات المحسوبين على التيار الليبرالي التنويري في مجلس الملك وسط تكتم شديد عدا عن خبر قصير لا يتعدى السطرين من خلال وكالة الأنباء السعودية تؤكد اجتماعهن بالملك الذي وعدهن خيرا دون التقدم فرسخا واحدا نحو الخير (ملف المرأة سيتم مناقشته في مقال آخر في جزء مستقل). ومن ثم الزج بالأميرة لولوة الفيصل والتي ظهرت كوجه سياسي من العائلة المالكة ولأول مرة في تاريخ البلاد في صحيفة الرياض السعودية على وجه صفحتها الأولى كمؤشر ثان لانفتاح قادم تلقفته الأوساط الثقافية بشي من التفاؤل الشديد!

شراء الأقلام الصحافية المحلية لم يمنع السلطة من شراء أقلام خارجية ذات تأثير كبير على المتلقي الخارجي لدعم سياستها الإصلاحية المزعومة لا داعي أيضا لذكر أسمائها حيث إن المثقف الحقيقي يستطيع استنتاجها في لحظات دون بذل جهد يذكر.

كانت الحكومة السعودية ذكية للغاية في صرف النظر عن القضايا الحقيقية وتوجيه الحالة الثقافية نحو الصراع الثقافي الليبرالي –الإسلامي الذي ما زال للأسف الشديد محتدا عبر عدد من الأقلام المأجورة التي جرَت الإعلام المحلي إلى صراع لا طائل منه هضم حق طرف على حساب الآخر!

رغم تنبه عدد لا باس به من النخب الثقافية لتلك الحالة الغوغائية من الصراع إلا أن الوضع الثقافي يشهد سكونا لا حراك له وكأن الوضع الداخلي متوقف على صراع تيارين أو طائفتين!

وبما إننا عرجنا على الصراع الفكري فلابد لنا من التعريج على أهم أشكال ذلك الصراع وهو الصراع السني- الشيعي المفتعل ونحن هنا لا نتحدث عن الإطار الخارجي بقدر ما يهمنا الحالة الداخلية.

فبرغم تقريب الملك عبد الله لعدد من مثقفي المذهب الشيعي إلا أن الحالة الشيعية الداخلية لا تختلف كثيرا عن سواها من الملفات الهامة.

حيث تعمد الملك عبد الله بن عبد العزيز إبان الغزو الأمريكي للعراق (كان حينها وليا للعهد ونائبا للملك فهد بن عبد العزيز المريض) وبعد خطاب لأكثر من 500 مثقف شيعي طالبوا فيه بحقوق عامة وخاصة إلى لم الشمل تحت حوار وطني أول شيعي سني تحول فيما بعد إلى مظلة رسمية لاحتضان أطياف متعددة في الداخل السعودي تحت مظلة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني والذي شهدت حواراته الأخيرة اهتراءا داخليا حيث لا توصيات تطبق ولا اصوات توحد. حيث شهد الحوار الأخير الذي انتهى بلا توصيات نعيق احد الأصوات المتلونة المحسوبة على الجانب الحكومي وهو المدافع الأبي وصوت القاعدة الرسمي في البلاد الدكتور الفذ محمد النجيمي وهو أيضا رئيس لجنة المناصحة في وزارة الداخلية والذي يتعاطى للأسف الشديد مع أصحاب الفكر الإرهابي في سجون وزارة الداخلية وربما، والله وحده، اعلم انه من الذين سعوا في إعادة عبد العزيز المقرن (احد أهم أعضاء القاعدة في بلاد الحرمين والذي قتل اثر مواجهة أمنية) إلى إعادته إلى رشده وخروجه من السجن ليعيث في البلاد فسادا! (المثال الأخير يندرج تحت بند التهكم حيث أن المقرن خرج من سجنه قبل أن يعين النجيمي رئيسا للجنة المناصحة).

استطاع الملك الحالي تقريب عدد من الشيعة المؤثرين. إلا انه وللأسف الشديد ورغم استبشار عدد من مثقفي الشيعة بتلك الخطوة إلا أن الحال كما هو، شأنه شأن غيره من القضايا الداخلية “نحن نثق بالملك عبد الله وبدأنا نتنسم هواء الحرية في عهده إلا أن الأحداث الأخيرة أثبتت مما لا شك فيه أن الأوضاع لن تتغير” تلك جملة مثقفة شيعية جميلة اعتز كثيرا بصداقتها رغم طائفيتها التي تتمثل أمام عيني أحيانا إلا أنني أجد لها الأعذار حيث أنني أؤمن كثيرا أن القمع السياسي لا ينتج عنه سوى حالة متناقضة من المشاعر الوطنية. دعونا نعود قليلا للأحداث الأخيرة التي شهدتها لبنان بين الحزب الشيعي حزب الله وإسرائيل، حيث تفاعلت أوساط شيعية مع الأحداث لتخرج في تظاهرات سلمية في شوارع القطيف تم عقبها اعتقال عدد من المتظاهرين. لم تنتهِ القضية عند ذلك الحد حيث طالب عدد من الكتاب السعوديين ومن بينهم مشاري الذايدي في “الشرق الأوسط”، شيعة السعودية بتحديد موقفهم السياسي واثبات ولائهم لدولتهم!

كانت بعض المقالات تفوح برائحة طائفية بغيضة استغلت الأحداث لإلصاق تهم عدم-الولاء لشيعة البلاد والذين بدورهم يعانون من اضطهاد حكومي بشع منذ عقود طويلة وأنا اتساءل هنا هل اتٌهم أمريكي واحد بعدم الولاء لرفضه حرب حكومته ضد العراق؟ لست هنا بصدد دحض الحقائق الواضحة فيما يتعلق بمطامع إيران الخميني في المنطقة ولكني اتساءل كيف يظهر هؤلاء لتصفية حسابات حكومية مع مواطنين لا هم لهم سوى مساواة بالآخر السني الذي يشكل أغلبية مواطني البلاد!

يتبع…

Shogaa_qhatany@hotmail.com

**كاتب سعودي

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading