أزمة علاقة بين السنّة والجيش والامتحان الكبير في كيفية مواجهته الاستحقاقات المقبلة

0

كانت كل الأحداث والأجواء في مدينة صيدا تَشي بأن المعركة مع المجموعة المسلحة التي أنشأها إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، وتمركزت في مربعه الأمني المحيط بالمسجد في منطقة عبرا، هي على قاب قوسين أو أدنى، لكن المعركة المُرتقبة كانت متوقعة بين الأسير و«حزب الله» تحت مسمى «سرايا المقاومة». لكن الاعتداء على الجيش بالشكل الذي حصل، وإن كانت مسبباته ممهورة، حسب قراءة كثيرين، بتدبير استخباراتي، أدار وجهة المعركة لتتحول إلى مواجهة بين الجيش وظاهرة الأسير، التي كان صدر قرار من «حزب الله» بوجوب إنهائها مهما كلف الثمن، لأسباب منها المعنوي ومنها الاستراتيجي.

المعنوي يتمثل بما يعتبره أمين عام «حزب الله» تطاولاً مستمراً على صورته وموقعه وهيبته التي تجرّأ عليها الأسير في ظل الاحتقان المذهبي، وبنى عليها شعبية في الوسط السنّي انطلاقاً من شعور القهر والتطاول والإقصاء الجسدي والسياسي الذي تشعر به الطائفة السنّية عموماً على يد الحزب، والتي يشكّل خطاب الأسير، رغم رفضه من قبل كثيرين، متنفساً لحجم الاحتقان. أما البُعد الاستراتيجي فيكمن في المخاطر التي شكلتها ظاهرة الأسير، لجهة تهديده بقطع طريق الجنوب التي هي مسألة حيوية للحزب، وتنفيذه هذا التهديد مرّات عدة.

من هذا المنطلق، حقّق «حزب الله» ما أراده بأقل الخسائر الممكنة، في لحظة كانت المواجهة المباشرة بينه وبين الأسير لترفع أكثر مِنْ منسوب الصراع المذهبي. نجح في دفع الجيش إلى الصف الأمامي، بعدما وفّر الأسير المسوّغ المطلوب، سواء بقرار واع أو بردّة فعل على استفزازات معروفة النتائج.

في الشكل والمضمون، انتهت ظاهرة الأسير في عملية عسكرية محصورة في الزمان والمكان والطرف المستهدف. انتهت لمصلحة تكريس المعادلة العسكرية الراهنة التي يتحكّم بها «حزب الله» في انعكاس للمعادلة العسكرية الإقليمية التي يُترجمها بانخراطه في النزاع السوري كشريك وحليف للنظام مع الراعي الإيراني في المواجهة المفتوحة بين العرب السنّة وإيران، الأمر الذي يجعل السؤال عن مدى انخراط «حزب الله» في المعركة واستباحته العلنية لمدينة صيدا مسألة لا تُغيّر في مجريات النتائج، تماماً كما لا تغيّر بيانات المؤسسة العسكرية التبريرية للصور والأفلام التي تُوثّق وجود العناصر المسلحة في أرض المواجهة من حقيقة انخراط «حزب الله» في معركة عبرا، لا بل من حقيقة قيامه بـ «7 أيار» جديدة من خلال محاصرة دارة النائب بهية الحريري في مجدليون، في استعادة لمشهد محاصرة زعيم السنّة سعد الحريري في دارته في قريطم، وزعيم الدروز في دارته في كليمنصو في ذلك «اليوم المجيد»، وفق توصيف أمين عام «حزب الله» في حينه.

على أن الخطورة تكمن في أن حسم الجيش لظاهرة الأسير، والكلفة العالية بالشهداء والجرحى انتهت مفاعليها مع انتهاء المعركة، ذلك أن ثمة اقتناعاً لدى القوى المناوئة لـ «حزب الله» بأن مؤسسة الجيش غير قادرة، في ظل المعادلة السياسية والعسكرية القائمة، من التأسيس على معركة عبرا لاستكمال بسط سلطتها في مدينة صيدا، وإحداث تغيير في الخريطة الأمنية، بحيث لا يكون تواجد فيها لسلاح غير السلاح الشرعي، حسب مطالبات قيادات المدينة وفاعلياتها السياسية والدينية التي لا تدور في فلك «حزب الله». وهي مطالبات ستذهب أدارج الرياح، وإنْ سعى الجيش إلى إظهار أنه اتخذ، أو في وارد اتخاذ إجراءات أمنية، فلا «حزب الله» ولا سرايا مقاومته ولا «حركة أمل» في وارد رفع يدهم عن المدينة، ما داموا قادرين على الإمساك بها بقوة السلاح وفائض قوة السلاح. وهو الأمر الذي سينعكس سلباً على المؤسسة العسكرية، التي وإنْ كابَرَت، تُدرك أن هناك أزمة ثقة بينها وبين شريحة واسعة من اللبنانيين، رغم إصرار هذه الشريحة على التمسك بمنطق الدولة ومؤسساتها الأمنية.

هذا الواقع لا ينطبق على صيدا، بل يتعداها إلى مختلف المناطق نتيجة هيمنة «حزب الله» على القرار السياسي والأمني وحتى العسكري في البلاد، لكن ترجماته الميدانية تظهر جلية في المناطق السنّية، سواء في الشمال أو في البقاع، والتي تخضع لاستنزاف دائم في السياسة والأمن والاقتصاد بفعل اختراقها سياسياً وعسكرياً، وبفعل تلقيها ترددات النزاع السوري الذي يرمي الحزب ثقله فيه على مرأى من القوى الأمنية والعسكرية النظامية التي تغطي حركته عبر الحدود وداخلها، الأمر الذي يُفاقم أزمة العلاقة مع المؤسسة العسكرية، والتي عبّرت عنها بشكل واضح ومباشر المرجعيات السياسية في الطائفة السنية من خلال بيان رؤساء الحكومات السابقين مجتمعين، ومن بينهم الرئيسان سليم الحص وعمر كرامي المحسوبان على «حزب الله» وفريق 8 آذار في تحالفاتهما السياسية، إضافة إلى الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يزال يراهن على تحالفه مع الحزب للعودة إلى سدّة الرئاسة الثالثة، كما يُعبّر عنه باستمرار علماء الدين الذين يتقدّمون أحياناً كثيرة على السياسيين بتأثيرهم على الشارع المُحتقِن، وليس الأسير سوى واحد من تجليات هذا الاحتقان.

على أن الامتحان الكبير الذي ينتظر المؤسسة العسكرية، يكمن في كيفية مواجهتها للاستحقاقات العسكرية المقبلة لا محالة على لبنان بفعل امتداد الأزمة السورية إليه، وفي مقدمها استحقاق عرسال الذي سيكون صدى تداعياته كبيراً، وغير قابل للاحتواء على غرار ما جرى في عبرا، في وقت تستعر فيه شرارات الفتنة السنّية – الشيعية في عموم المنطقة على وقع المواجهة المفتوحة في سوريا، وعلى طول خط مشروع الهلال الشيعي في الإقليم، والهادف إلى ضرب تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة.

إنه الامتحان – التحدّي الذي يستوجب تشكيل الحكومة لتشكّل الغطاء السياسي والحماية الفعلية للمؤسسات الأمنية، لكن المعطيات المتوافرة لا تحمل في طياتها إمكانات نجاح عملية التأليف حتى الآن بفعل الشروط التي يفرضها «حزب الله» وصعوبة تجاوزها، ما يضع البلاد في حال انتظار لما ستؤول إليه الأزمة السورية التي يتوقف عليها رسم المعادلات الجديدة في البلاد.

rmowaffak@yahoo.com

اللواء

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading