بدأت حمى الانتخابات النيابية اللبنانية ترتفع، بعد ان ادخل عليها الرئيس اللبناني موقفه المبطن المعلن منها بشأن ضرورة وجود كتلة نيابية محايدة تكون الى جانب مصلحة الوطن، فضلا عن عدد من المواقف التي صدرت في اعقاب هذ التصريح وردود الفعل المتلاحقة على مواقف العماد عون وانصاره، ما يعكس حالة التخبط التي يمر بها تحالف قوى الثامن من آذار على الصعيد الانتخابي.
ان قراءة بسيطة في المواقف قيادات التيار العوني، والردود غير المباشرة والمباشرة عليها من اصحاب الشأن في قوى الثامن من آذار، تبرز حجم المشكلة التي يتخبط فيها عون وانصاره. خصوصا ان عون يبدو وكأنه اقتبس نمط الخطاب الإملائي من حليفه الابرز حزب الله، اقتباسا وصل الى حد التماهي مع الاسلوب “الحزب الهي” في مخاطبة جمهوره. ولكن ما فات العماد انه لا “التكليف الشرعي” يدخل في اعتبارات المسيحيين، ولا “ولاية الفقيه” في صلب المعتقد الديني المسيحي. ولا يهم اذا كان عون او فرنجية او سواهما من القيادات المسيحية ارادت في غفلة من الزمن ان تجمع في شخصها ما هو ديني وزمني على المستوى المسيحي. فلا المناداة بسليمان فرنجية “بطريركا” جعلت منه كذلك، ولا عون ايضا، ولا الرئيس الراحل كميل شمعون. فعلى عون ان يدرك انه، عند المسيحيين، ان ما لبكركي هو لبكركي وما للقيادات السياسية المسيحية هو للقيادات المسيحية وكلاهما يتكاملان على الصعيد المجتمعي المسيحي.
وفي الشأن الانتخابي المسيحي، حيث على ما اصبح معروفا، ان المقاعد النيابية المسيحية ستكون ساحة النزال الرئيسية،وهي التي ستحدد شكل التوازنات في المجلس النيابي المقبل، برزت معطيات عدة منها ما هو سابق ومنها ما استجد لاحقا تؤشر على حجم الخلاف بين قوى الثامن آذار. وهو خلاف عزاه مراقبون الى تباين في وجهات النظر الايرانية السورية، بشأن عدد من القضايا بينهما، من ابرزها الامساك بالوضع اللبناني وترجيح كفة اتباع سوريا في لبنان على اتباع طهران.
وفي هذا السياق من المفيد التذكير بموقف الوزير فرنجية الذي اعلن لائحة مقفلة استبعد منها مرشح التيار الوطني الحر في زغرتا العميد فايز كرم واستبدله بحليف موثوق هو سليم كرم. وفي معزل عن كل ما اشيع من ان فرنيجة ولاعتبارات سورية استبعد مرشح التيار، إلا أن فرنجية يعتبر ايضا انه في تقسيمات القضاء بامكانه ان يفوز بلائحة من 3 نواب، فلماذا عليه ان يقدم احد المقاعد الثلاثة هدية لعون؟ فالعميد كرم ولو كان فائزا على لائحة فرنجية لن يكون في عداد كتلته النيابية، ببساطة انه حساب انتخابي اذا استبعدنا منه الحساب السياسي.
ومن بين القوى المؤثرة في الجانب المسيحي والمطلوب حشد دعمها وقواها التجييرية الانتخابية لدعم مرشحي عون، الحزب السوري القومي. خصوصا ان الحزب يحتفظ بوجود انتخابي في اقضية الكورة والمتن. فالحزب خاض معارك العماد عون الانتخابية السابقة وجيّر له اصوات محازبيه في الكورة والمتن، وهو اليوم يطالب برد الجميل الانتخابي ويطالب ايضا بحصة من المقاعد الانتخابية في هذه الاقضية من ضمن لوائح قوى الثامن من آذار وتاليا من حصة التيار الوطني الحر، مما يعني مزيدا من الارباك في صفوف هذه القوى.
والى الحزب السوري القومي، هناك الحيثية التي يمثلها النائب ميشال المر. وهو الذي يقف في الوسط اليوم مع ميل ارجحي للتحالف انتخابيا مع الرئيس السابق امين الجميل والوزير نسيب لحود، وهذا يعني إقفال ابواب المتن في وجه العماد عون.
واخيرا جاء موقف الرئيس سليمان، الذي مثل القشة الذي قصمت ظهر البعير العوني، مما يعني وضع ما تبقى من اقضية مسيحية في جبيل وكسروان في مواجهة مع مرشحي عون اولا.
إزاء ما سبق، يبدو ان عون، وبعد ان استنفد ما في جعبته من مفردات التهجم على بكركي في ظل ترفع الصرح عن الرد عليه او الانجرار الى ساحات مستنفدة لمعارك وهمية مسيحية افتعلها عون في الانتخابات السابقة ونال في ضوئها عطف المسيحيين، استمر في هجومه على الطائفة السنية ورموزها، وفي مقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة. إلا انه اختار هذه المرة الولوج من باب طائفة الروم الارثوذكس، المسيحية، ليطالب بصلاحيات لنائب رئيس الحكومة والتباكي على حقوق المسيحيين التي يريد عون استردادها، ولكن من بوابة طائفة الروم الارثوذكس هذه المرة. وكأنه استرد حقوق الموارنة وارتاح لينقل العدة الى طوائف مسيحية اخرى. إلا أن رد البطريرك هزيم على افتعال ازمة حكومية، على لسان نائب رئيس الحكومة الارثوذكسي عصام ابو جمرا تحت ستار صلاحيات نائب الرئيس وربطها بحقوق الطائفة واللعب على هذا الوتر لاستدرار عطف مسيحي، اجهض هذه المحاولة في مهدها. فقال بطريرك الروم الارثوذوكس اغناطيوس الرابع هزيم “إن السجالات الحاصلة حول صلاحيّات نائب رئيس مجلس الوزراء الارثوذوكسي شأن لبناني خاص، فكل واحد إذا أراد أن يفشّ خلقو بشغلة يلزقها بالطائفة والناس تصدّقه، وهذا شيء ليس بجديد، وهو موضوع لا أعرف فيه وهذه شغلة صغيرة تؤخذ ذريعة من أجل أشياء أخرى. ولكن لا يجوز أن يتجاهل الإنسان، الأمر المهم والأساسي وهو الوجود سوا في البلد الواحد، بمحبة البلد الواحد وهذه الأمور لا يفوقها شيء، وهذه شغلات كما تحصل حالياً في السياسة تحصل في البيت الواحد ولكن لا تتسبب بمشاكل يومية وقتال فهذا عيب، فهناك خلل في تقويم الأمور”.
وقال هزيم: “أنا أعتقد أنه ينقصنا الأفعال الطيّبة ولا يكون لدينا فقط عيون لا ترى إلا العيوب”.
وفي هذا السياق يمكن فهم ردة فعل صهر العماد عون الوزير جبران باسيل امس حيث ارتد الى معاقل المسيحيين الاساسية لتحصين مواقع عمه، في رد مباشر على موقف رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان. فاذا كان سقف تيار عون محكوما بالتحالفات مع الحلفاء في القومي وفرنجية والمر في الاقضية المختلطة، فان اقضية جبيل وكسروان ستكون ساحة تنافس مع قوى الرابع عشر من آذار والرئيس سليمان.
ولذلك اشار باسيل الى ان الرئيس سليمان ليس في حاجة الى كتلة نيابية، فكتلة عمه موجودة، وهي حصانة وضمانة للرئيس سليمان اكثر من كتلة محايدة. ولكن ما فات باسيل هو كيف يمكن لهذه الكتلة ان تكون الى جانب الرئيس وهي مكبلة بورقة التفاهم، مع حزب الله، وبمواقف عمه المستجدة يوميا والتي فقدت بوصلتها! وكيف يبرر للرئيس سليمان مشاركة نواب التيار في تعطيل جلسات الانتخاب والاعتصام في الوسط التجاري ومباركة عمه اجتياح السابع من آذار حين كان الرئيس سليمان قائدا للجيش، وعمل انصار حلفاء عمه على امتهان كرامة الجيش اللبناني وهم يعيثون فسادا في العاصمة تحت مرأى الجيش وسمعه ونظره، وحين اطل عمه على الناس مهللا في اليوم الثاني متوعدا بالمحاسبة ومتجاهلا منطق الدولة وناسبا “انتصار حزب الله في بيروت” له، ومتجاهلا ايضا ان الدولة حينها لم تكن ممثلة إلا بالجيش وبالعماد سليمان في ظل الشلل الذي فرضه عمه وحلفاؤه وعلى مؤسستي الرئاسة ومجلس النواب وتعطيل الحكومة.
إنه حقا لمنطق “حزب الهي”، اقل ما يقال فيه انه يستغبي ذكاء اللبنانيين، ويمنّنهم بكرامتهم وبحقهم في العيش الكريم والمتساوي ويملي عليهم طرائق عيشهم، في ظل استعلائهم بالسلاح الذي هو في الواقع في يد حزب الله وليس في يد عون..
هذا التخبط الانتخابي في صفوف قوى الثامن آذار سوف يؤدي من باب اولى الى تشتت اصوات ناخبيهم ما لم يتدخل الرعاة لرأب الصدع واصلاح ذات البين بين عون والقومي والمر والرئيس سليمان، الامر لا يبدو ان افقه غير متاح في الوقت الحالي اقله. ولكن، في المقابل، ما الذي تعتزم قوى الرابع عشر من آذار القيام به من اجل الاستفادة من هذا التشرذم في صفوف الاخصام؟
فحتى الآن لم تخرج قوى الرابع عشر من آذار الى جمهور اللبنانيين بخطاب انتخابي موحد تخوض على اساسه الانتخابات، وان كان هذا الخطاب موعودا خلال الشهر القادم. ولكن ايضا يبدو ان بعض المنتمين الى هذه القوى يحاول الاستفادة من مرحلة ما قبل الاتفاق الى استباق الاتفاق على اللوائح الموحدة لقوى لخوض الانتخابات، لاعلان مواقف انتخابية وفي هذا ما يسئ الى وحدة هذه القوى ويعطي تيار العماد عون مسيحيا بعض الاوكسيجين ليعتاش عليه. خصوصا وان الاستباقيين يطرحون على الناخبين مرشحين في سياق اللعبة التقليدية مما يسمح للتيار بالاستمرار في هجومه على خصومه المسيحيين.
إذا كان لا بد لظاهرة التيار الوطني الحر، بما هي تجلياتها السياسية الحالية المعقودة اللواء للعماد عون وصهره بالدرجة الاولى، اذا كان مقدرا لها ان تضمر في الشارع المسيحي، فان على قوى الرابع عشر من آذار ان تختار بعناية فائقة مرشحيها بما ينسجم مع طموحات جمهور الرابع عشر من آذار الذي سبق وعيه السياسي وعي قادته وهو لم يخذلهم يوم استدعت الحاجة.، وهذا يعني في ما يعني افساح المجال لمرشحين من غير المتزمتين حزبيا، وللانصار والمتعاطفين وتاليا انتاج نخبة سياسية جديدة تتولى ادارة البلاد في المرحلة القادمة وتتمتع بصدقية وكفاءة وحسن أداء شعبي ومهني. وبذلك تكون قوى الرابع عشر من آذار اصبحت اكثر انسجاما مع خطابها المعلن من ضرورة بناء دولة القانون والمؤسسات.
richacamal@hotmail.com
أزمة التيار الوطني الحر والانتخابات اللبنانية المقبلة
لا حياة للبنان ولا حلول لأزماته الّا بأستقلالية شعبه الكامله في أتخاذ قرارات لبنانية .. أما أذا استمرت دول الجوار في تحريك اصابعها فسيبقى لبنان دمعة في عيون الشرق الأوسط.
أزمة التيار الوطني الحر والانتخابات اللبنانية المقبلة معيد القريتين من حبي للبنان أتابع أخبارها ولف سياسييها ودورانهم من الخمسينات الميلادية,ما يعنيني الآن هو موقف الجنرال عون و خاصة بعد اجتماع صاحب العمامة و صاحب الخزنة المستدامة. سأروي قصة تضرب مثلا ولكني لن أصرح باسم صاحب القصة ومن يريد أن يعرف يسال؟ يقال انه في أحد الأعياد من المتبع أن تذبح الذبائح وتولم الولائم, وفي صبيحة يوم العيد تنبه صاحب قصتنا ففكر وقال لو ذهبت للقرية المجاورة لتناولت الأكل هناك وعدت سريعا لتناول الأكل بعد ذلك مع أهل قريتي. انطلق لا يلوي على شيء وما أن وصل القرية المجاورة وإذا بهم… قراءة المزيد ..