إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
أخيراً، إشارة أولى من إشارات العدالة في الجمهورية اللبنانية المليئة بالفساد والسرقة. أو قد يكون ما نراه وهماً وذرَّ رمادٍ في العيون؟
الكل يجتزئ الخبر على هواه. “التيار الوطني الحر” يعتبره انتصاراً حزبياً. “القوات اللبنانية”: لا تعليق.
ميقاتي وبري وجنبلاط صامتون وسيبقى صمتهم حتى يكشفَ سلامة مدى سحوباتهم وتحويلاتهم المالية من لبنان في ذروة الأزمة السياسية.
المهووسون الشيعة على وسائل التواصل الاجتماعي يقولون: تتم محاكمة ماروني فاسد آخر، والبنك المركزي في يد شيعي أفضل، وقريباً يجب أن يخرج قائد الجيش أيضاً ويحل محله شيعي.
المأساة هي أن رياض سلامة يُصوَّر كذئب منفرد أو منفصل وليس بصفة الوكيل الأمين الذي نفذ خطط صناع الجمهورية.
كان محبوباً لدى الطبقة السياسية عندما كان يبتكر لها المخططات لتأمين الأموال وجذب الودائع بأسعار خيالية لتمويل العجز المزمن للحكومات المتعاقبة من 1995 وحتى البارحة تقريباً.
كان محبوباً لدى جمعية المصارف التي جاهدت وقاتلت لإعادة تعيينه مراراً وتكراراً، بينما كان يتقاسم مع المصرفيين ثمار العمولات المالية من بيع اليوروبوندز وأدوات مالية أخرى.
كان محبوباً لدى الصحافة ووسائل الإعلام التي أغدقت عليه المديح بينما أغدق عليهم دعمه المالي وأموال الإعلانات والهدايا المعروفة وغير المعروفة.
رياض سلامة هو عبارة عن بندقية ذات دقة فائقة أطلق منها النار على الاقتصاد اللبناني. الرصاص كان يأتي من البنوك على شكل ودائع، اما القناص، والقاتل الحقيقي، فهو الطبقة السياسية: من الحريري إلى ميقاتي وكل ما بينهم مع رؤساء الجمهورية المتعاقبين والبرلمانات، وخاصة وزراء المالية الذين هم مسؤولون قانونياً ورسمياً عن تمويل الحكومة وإدارة العجز، وليس البنك المركزي.
لذا، سلامة في السجن وجميع الآخرين خارجه . إنه انتصار معنوي لن يدوم طويلاً، حيث ستستمر الأزمة المالية لعقود عدة.
أولئك الذين يفرحون باعتقال سلامة ليسوا مخطئين، ويحق لهم التهكم، لكنهم واهمون إذا كانوا يظنون أن اعتقال سلامة سيعيد ودائعهم أو استقرار العملة الوطنية أو يخلق أي علامة إيجابية للاقتصاد.
اعتقاله وحده هو وسيلة لعزل الآخرين عن مسرح الجريمة، و للتضحية بأحد أعضاء العصابة بدلاً من المس بالعصابة بأكملها.
أيها الحاكم السابق والمسبوق، ان هذه النتيجة وهذه النهاية المظلمة التي تتم من خلالها محاكمتك نيابة عن الطبقة كلها ليست دون ثمن. فهذه الطبقة قدمت لك المال و المراكز والجاه ووعدتك برئاسة وهمية، وأنت قبلت مسروراً!
خطايا ا”لطمع” و”شهوة السلطة” ثقيلة جداً، ويصعب على أيٍ كان أن يتحملها! اعتقال سلامة، بخلاف كونه مذنباً، يجب أن يكون درساً (“لِمن يَرغب”!!) في أن “الوظيفة العامة” مقدسة، وأن التعامل مع الشيطان يقودك إلى الجحيم، وأنه، في نهاية الرقصة، ستتركك الفرقة الموسيقية وسترقص وحدك على المسرح!َ