فهو يقول أنه “لا يوجد انسان فوق النقد، سواء أكان شخصية دينية ام سياسية. وانا لا اتعاطف مع الذين يعارضون انتقاد موقع ديني هنا او هناك..”. وربما نكون مخطئين، ولكن يبدو لنا أن هذا الكلام يطال الأمين العام لحزب الله بالدرجة الأولى، الذي كاد “المتعاطفون معه” أن يحرقوا بيروت قبل أشهر بسبب مزحة تلفزيونية عنه. وكذلك قوله: “هؤلاء يعيشون ذهنية نرجسية يحدقون في صورتهم لانفسهم في الداخل والخارج”!
ويبدو لنا أن النقد الذي يوجّهه السيد حسين فضل الله لبعض الفتاوى الدينية (حينما يقول: “نرفض ان تتحرك الفتوى بالطريقة الاستهلاكية السطحية التي يحاول ان يوظفها بعض الناس الذين يتحركون مع هذا النهج السياسي او ذاك..”) ينطبق حتماً على “فتوى” الشيخ النابلسي الشهيرة (التي صدرت قبل الأزمة الحالية في لبنان) والتي حرمت “شرعاً” على أي سياسي شيعي أن ينضمّ إلى الحكومة اللبنانية حينما “اعتكف” وزراء حزب الله! كما ينطبق هذا الكلام على بعض الفتاوى “السنّية” التي حوّلت موضوع الحكومة إلى موضوع “خط أحمر” ديني.
والأهم، ربما، هو دعوة المرجع السيّد حسين فضل الله “الذين يلتزمون ولاية الفقيه (وكلام السيّد فضل الله يعني أنه لا يلتزم ولاية الفقيه) لا بد لهم ان يدرسوا الامور على اساس التوفيق بين ما هي مصلحة البلد الذي يعيشون فيه وما هو رأي الفقيه..”. وهذا كلام ممتاز، وقد طال إنتظاره من جانب اللبنانيين. وهو يعني، ببساطة، وإذا لم نكن مخطئين، أن رأي المرشد الإيراني، السيّد خامنئي (في العام الماضي، أعلن السيّد حسن نصرالله في خطاب بمبنى الأونسكو “البيعة للسيّد الخامنئي”) يمكن أن يتعارض مع “مصلحة البلد الذي يعيشون فيه”، أي مع مصلحة لبنان. وهذا هو الموقف نفسه الذي اتخذه مفتي صور الشجاع السيّد علي الأمين، والأغلبية الساحقة من مثقفي الشيعة في لبنان، طوال الأشهر الماضية، رغم ما تعرّضوا له من تهديدات.
أخيراً، التمييز بين “المواطنين” اللبنانيين من الطائفة الشيعية ورئيس النظام الإيراني يضع حدّاً للأزمة الحكومية في لبنان. فمشكلة “الثلث الضامن” أو “الثلث المعطّل” ليست في “شيعيّته” وإنما في تبعيّته لإيران وسوريا.
كلام السيّد حسين فضل الله يرتبط، أيضاً، ببداية “وعي” بعض القيادات الشيعية في العراق بأن الوقت حان لوضع حدّ لاستخدام العراق كورقة في الصراع الأميركي-الإيراني. وهذا “الوعي” خطوة لا بد منها لتحرير العراق من الإحتلال بعض تحريره من الإستبداد==== الشفّاف).
*
فضل الله لـ«الشرق الأوسط»: تبعية الشخص التي يعيشها اللبنانيون «استعباد» يرفضه الإسلام
المرجع الشيعي اللبناني قال إنه لا يوجد إنسان فوق النقد سواء كان شخصية سياسية أم دينية
بيروت: سناء الجاك
يعتبر المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله ان لبنان محكوم بـ«لاءات ثلاث» هي: لا للتقسيم، لا للانهيار ولا للاستقرار، ما يبقيه في صيغة «الولايات غير المتحدة» ليستمر ساحة للصراعات الدولية والإقليمية. وأضاف في حديث لـ«الشرق الاوسط» ان التبعية التي يعيشها الشعب اللبناني لقادته تشكل حالاً من «الاستعباد» الذي يرفضه الاسلام. وانتقد فضل الله «الفتاوى السطحية الاستهلاكية التي يتم توظيفها انطلاقا من مصالح هذا النهج السياسي او ذاك».
وفي ما يأتي نص الحديث:
* هل تعتقدون ان لبنان ذاهب الى تسوية ام الى فتنة ؟
ـ اعتقد اننا ذاهبون الى تسوية. ولكن ليس من الضروري ان هذه التسوية في مصلحة اللبنانيين، لأن لبنان النظام الطائفي كما اريد له لا يوحّد المواطنين وانما يحولهم الى مزق متناثرة على اساس الموقع الطائفي. لذلك كنت اقول ان لبنان يمثل ولايات غير متحدة. لأن كل طائفة تشعر باستقلالها عن الطائفة الاخرى. وتأسيس لبنان على النظام الطائفي يراد من خلاله جعله ساحة للصراعات الدولية والاقليمية واستغلال الحرية التي يملكها اللبنانيون، سواء حرية العقيدة او السياسة او الثقافة او الفكر وحتى حرية الفوضى. وكنت اقول عنه انه الرئة التي تتنفس فيها مشاكل المنطقة، وان هناك لاءات ثلاثا تحكمه هي: لا تقسيم، لا انهيار ولا استقرار.
* هل تعتبر ان القادة الحاليين هم سبب الخلل؟
ـ اعتقد ان الطوائف التي تستغرق في ذاتياتها وامورها الخاصة بعيدا عن الطوائف الاخرى هي سر مشكلة لبنان. لذلك كنت لا ازال ادعو الى المواطنة كبديل عن النظام الطائفي. وفي حين لا يخلو المجتمع من الامناء ولكن كم لديهم من الامكانات التي تستطيع ان تحقق الاهداف الكبرى لما يحاولون في مواقعهم الحالية؟ نحن لا نريد ان ندين احدا. ولكن العلة في الاطار الطائفي الذي يجعل الناس تعيش تجمعاتها على اسس لا تتمثل بالقيمة الروحية والأخلاقية والإنسانية.
* انتقدتم في موقف سابق تبعية الشعب للشخص، الى أين تؤدي هذه التبعية بلبنان؟
ـ نحن نعتقد ان الارتباط بأي شخص لا بد ان يكون من خلال الارتباط بالقضية التي يمثلها هذا الشخص، سواء أكانت قضية إسلامية عامة او وطنية. لهذا نحن نعتقد ان الالتزام بالشخص يرفضه الاسلام باعتباره يمثل نوعا من العبادة للشخص من خلال الخضوع له. اننا نعتقد ان على القاعدة الشعبية ان تدرس ما يسمى القمة على مستوى القيادة لتدرس خلفياتها والتزاماتها وحركيتها ومواقعها. فاذا اخطأت القيادة على القاعدة الشعبية ان ترصد هذا الخطأ وتحاسبه عليه او تبتعد عنه اذا اصر على خطئه. اننا نعتقد ان الالتزام بالشخص الذي لا يملك المسؤولية القيادية للامة هو خيانة للامة.
* الى اي حد يؤثر الالتزام بالخط الديني في لبنان على المواطنة لدى الناس؟
ـ نلاحظ ان المسيرة السياسية في لبنان تجاوزت الطوائف الى الشخص. فالذين قد ينطلقون طائفيا يتحركون على اساس رمز الطائفة بحيث انهم لا يدرسون مصالح الطائفة الا من خلال مصالح الشخص. لذلك فإننا نجد ان كثيرين من الناس ينطلقون على اساس تبعية الشخص بطريقة عاطفية غرائزية. الوضع السياسي في لبنان هو وضع استعباد الكثيرين من القيادات السياسية للناس الذين يتبعونهم، بحيث ان الناس يصطفون وراءهم من دون عقلانية موضوعية ترفض المستوى الذي يتمثلون فيه. وكنت اقول دائما انه لا يوجد انسان فوق النقد، سواء أكان شخصية دينية ام سياسية. وانا لا اتعاطف مع الذين يعارضون انتقاد موقع ديني هنا او هناك، مسيحيا كان ام اسلاميا، لان الشخص الذي يجلس في موقع ديني هو بشر كبقية البشر يخطئ ويصيب ويستقيم وينحرف. لذلك فان الموقع الذي يجلس فيه لا يمثل قداسة ما. وقداسة الموقع لا تفرض قداسة الشخص الذي يجلس فيه، الا اذا كان يملك القداسة الاخلاقية والروحية والعملانية. وعلى الانسان ان يؤمن بالنقد الذاتي. ينقد نفسه في ما يصيب او يخطئ. وينقد القيادات نقدا بناء موضوعيا لان تقديس الخطأ لمجرد ان هذا الموقع من المواقع الدينية يجعلنا ننطلق في الطريق الخطأ وفي الهدف الخطأ والوسيلة الخطأ. وهذا من شأنه ان يهدم الهيكل على رؤوس الجميع.
* في غمرة التردي الامني شهد لبنان اصدار فتاوى تتعلق بضبط الناس، ما هي وظيفة هذه الفتاوى في العمل السياسي وفي ظل الشحن الحاصل؟
ـ الفتوى بحسب الاطار الذي تتحرك فيه تمثل رأيا فقهيا في الحكم الشرعي الاسلامي من خلال اجتهاد المجتهد في فهمه للكتاب والسنة، ومن ثم دراسته الواقع ليقارن بين مضمون النص وحركة الواقع. ومن الطبيعي جدا ان يمثل الواقع السياسي موقعا يمكن للشرع الاسلامي ان يعطي رأيه فيه. الا اننا نرفض ان تتحرك الفتوى بالطريقة الاستهلاكية السطحية التي يحاول ان يوظفها بعض الناس الذين يتحركون مع هذا النهج السياسي او ذاك، ليحددوا بعض المشاريع التي تخدم جهات في عينها. اننا نعتقد أن الفتوى عندما تنطلق في شأن سياسي او اقتصادي او امني لا بد ان تنطلق من الامانة الرسالية التي يلتزمها المفتي في دراسة ما يفسح امور الناس وينسجم مع الخط الاسلامي الاصيل.
* هل تقدم الفتاوى بطريقة تناسب مبدأ احترام الدولة والقانون في لبنان أم انها تستخدم في الصراع السياسي؟
ـ المسألة تتبع طبيعة الامانة التي يحملها صاحب الفتوى. فقد يكون صاحب الفتوى موظفا لدى احد الخطوط السياسية، او يكون ممن يطلبون المال من اجل ان يصدروا فتاوى لحساب مبالغ معينة. هؤلاء ليسوا مؤتمنين على الاسلام لانهم يحافظون على امتيازاتهم الوظيفية والسياسية اكثر مما يحافظون على التزامهم الاسلامي الذي يشعرون فيه بموقف الحساب امام الله حين يصدرونه. ولذلك لا بد لصاحب الفتوى اذا كان مؤتمنا على الاسلام والمسلمين ان يدرس المسألة بعيدا عن كل الاوضاع القلقة التي تحيط بالواقع.
* انطلاقا من هذا التوصيف كيف تقرأ استغلال بعض القادة للعصبيات في المخطط الذي يغرق فيه لبنان؟
ـ مشكلة القادة انهم متعصبون لأنفسهم. وقد ورد عندنا ان العصبية في النار. فان هؤلاء يعيشون ذهنية نرجسية يحدقون في صورتهم لانفسهم في الداخل والخارج. ولذلك فهم يستغلون الناس غرائزيا وعاطفيا لتضخيم شخصياتهم وقياداتهم ومكاسبهم.
* عندما نرى ان «حزب الله» يلتزم ولاية الفقيه وهو جزء من التركيبة اللبنانية، الا يشكل هذا الالتزام تناقضا مع المواطنة اللبنانية؟
ـ اننا نعتقد ان الفقيه الذي يلتزم بعض الناس فتاواه او آراءه او قيادته لا بد ان يدرس المواقع التي تلتزم رأيه فلا يعطي رأيا يضر بالناس الذين يتحركون في هذا الموقع او ذاك، والا فقد الثقة به وفقد موقعه. الفقيه كأي قيادي مسؤول آخر، يدرس آراءه وتعليماته بما يصلح امور الناس لا بما يفسدها. وفي ضوء هذا فان الذين يلتزمون ولاية الفقيه لا بد لهم ان يدرسوا الامور على اساس التوفيق بين ما هي مصلحة البلد الذي يعيشون فيه وما هو رأي الفقيه. وعليهم ان يناقشوا الفقيه. فهو ليس شخصا معصوما بل هو يخطئ ويصيب. وعليه ان يستشير الناس في ما يصدر عنه من آراء وتعليمات ومواقف. وانني اعتقد ان الذين يلتزمون ولاية الفقيه لا ينبغي لهم ان يلتزموا التزاما اعمى وانما يجب ان يدرسوا ما يصدر عنه لكي يعرفوا من خلال ذلك هل اخطأ او اصاب فيه. وهذا لا يقتصر على الذين يلتزمون ولاية الفقيه وانما الناس الذين يلتزمون فتاوى المرجعيات الدينية.
* هل يسمح الوضع اللبناني بارتباط الناس بالمرجع وتحويله الى زعيم سياسي؟
ـ نحن لا نعتقد ان هناك قاعدة تقول إن علينا ان نمارس الحرم السياسي للمرجعيات الدينية. فالمرجع الديني هو انسان كبقية الناس ومواطن كبقية المواطنين. له ان يطلق رأيه في قضايا السياسة والاجتماع والامن والاقتصاد. لذلك لا مشكلة في ان يقوم بعمل سياسي، لا سيما اذا كنا ننطلق من هدف تحقيق العدالة. مسؤولية المرجعيات الدينية العمل من اجل اقامة العدل بين الناس. لذلك نحن نقول ليست هناك مسافة بين الفقه والسياسة. القضية ليست التزام المرجعية الدينية القيادة السياسية ام لا. وإنما لا بد للشخص الذي يملك العمل الديني او السياسي ان يكون امينا على القضية التي يلتزمها.
* لكن الا تجد ان التدخل السياسي لجميع اقطاب الطوائف في لبنان يؤدي الى التوتر الذي نشهده؟
ـ انا لا اعتقد ان الواقع الذي يعيشه اقطاب الطوائف في لبنان يمكن ان يحقق للشعب اللبناني الكثير من النتائج الايجابية، لأننا نلاحظ ان اغلب الذين يملكون المواقع الطائفية تابعون لمواقع سياسية. وهذا ما نلاحظه في تصرفات الكثيرين منهم الذين يتبعون السياسيين وأصحاب المال اكثر مما يتبعون التزاماتهم الاسلامية.