لم تكفّ ايران عن اوهامها باعادة امجاد الامبراطورية الفارسية منذ ما قبل ثورة 1979، التي اطاحت بالعائلة المالكة الشاهنشاهية ليتبعها نظام “اسلامي”، بعد ان ركب رجال الدين موجة الثورة وجيّروها لصالح اقامة حكم استبدادي جديد يقف على رأسه المرشد الاعلى، الذي يحتكر السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية من خلال مؤسسات تابعة له يشرف عليها رجال دين غير منتخبين من الشعب.
لم تقتصر اوهام التوسع الامبراطري في عهد الشاه على اقامة مهرجانات كلفت عشرات الملايين تذكر بامجاد الامبراطورية الفارسية القديمة، فقد توجه الشاه للتوسع باحتلال الجزر الثلاث التابعة لدولة الامارات، والمطالبة بضم البحرين. لكن نظام الشاه كان مضبوطا ضمن السياسة الغربية بحيث تحول لاداة تستخدمها عند الحاجة لمواجهة حركات التحرر الوطني، كما حدث في ستينات القرن الماضي عند ارسال قوات ايرانية لدعم سلطان عُمان ضد ثورة ظفار، لتتحول ايران الى “شرطي الخليج”.
الا ان نظام الولي الفقيه لم يكتف بذلك، فقد طور سياسة التوسع الامبراطوري لتشمل دولا عديدة في الشرق الاوسط منتقلا من الهيمنة على لبنان، والنفوذ القوي في سوريا منذ عهد الاسد الاب الذي تحول لوجود عسكري بعد الثورة السورية، الى نفوذ قوي في العراق عقب انسحاب القوات الاميريكية، المتحول ايضا لوجود عسكري عقب احتلال داعش للموصل، إلى اليمن البلد ذو الاهمية الاستراتيجية.
نشأت امبراطوريات عديدة في العالم منذ القدم ومنها الرومانية والفارسية والعربية والاسبانية، لكنها انهارت جميعها تحت ضربات النهوض القومي وتوجه الامم لانشاء دول تتطابق حدودها مع الغالبيات القومية التي تسكنها. وبذلك شهدنا في القرن العشرين انهيار الامبراطورية العثمانية والبريطانية، وآخرها انهيار الامبراطورية الروسية “السوفييتية” التي سيطرت على ربع الكرة الارضية واصبحت احد قوتين عظميين في العالم، لتنهار خلال بضع سنوات وتتفتت الى دول حسب المكونات القومية.
تشابه النظامان السوفييتي السابق والايراني الراهن في الاعتماد على الايديولوجيا لترويج توسعهما الامبراطوري، الاول بحجة نشر الاشتراكية في العالم، والثاني لاقامة نظام عالمي اسلامي يشمل الدول ذات الاغلبية المسلمة كمقدمة ليشمل العالم حسب الاوهام المعلنة عن قرب عودة الامام المهدي ليقيم حكومته العالمية العادلة! وسبق ان عبر الرئيس السابق نجاد عن “اوهام الامبراطورية” بانه “بعد انهيار الماركسية وفشل الليبرالية سيتجه العالم نحو الاسلام المحمدي”!
لكن اذا كانت الامبراطورية السوفييتية هروبا للامام نحو عالم افضل متخيل رغم ان الظروف لم تكن تسمح باقامته بعد، فالايرانية هروب للخلف لاعادة نظام اجتماعي من القرون الوسطى يعتمد على نصوص دينية قديمة لم تعد ملائمة للعصر بعد التطور الهائل في الحياة الانسانية. علما ان السوفييتية انهارت رغم اعتمادها وسائل حديثة في كافة مناحي الحياة، فكيف يمكن ان تستمر “امبراطورية” تفكر وتتصرف كما كان الاوائل منذ حوالي اربعة عشر قرنا؟
“رثاثة” امبراطورية الملالي تتجلى في اوجه عديدة منها اقتصاد غير مكتفي ذاتيا يعتمد على تصدير مادة واحدة هي النفط، تهدده اية عزلة دولية او مقاطعة اقتصادية دولية بحيث يسارع لتقديم تنازلات للسماح باعادة تصدير نفطه. وشعب 40% منه تحت خط الفقر، متوسط دخل الفرد فيه 65 دولار شهريا!، فالقسم الاكبر من الدخل يوجه لدعم السياسة التوسعية اي لانتاج الاسلحة وتقديم مساعدات للمنظمات التابعة في المنطقة. الاستبداد عادة اساس للتوسع الامبراطوري، كمحاولة صدام الفاشلة لاقامة امبراطوريته بضم عربستان ثم الكويت، وايران كدولة مستبدة لم تخرج عن هذه القاعدة.
بالاضافة لمجتمع تضطهد فيه المرأة وتزور الانتخابات وتقمع الاقليات الدينية ومنها السنة والمسيحيين والبهائيين، وقضاء ديني غير مستقل تابع لرجال الدين لا يزال ينفذ العقوبات الجسدية كالجلد والرجم وقطع الاطراف والرؤوس، فايران تعتبر الدولة الاولى في العالم بتنفيذ الاعدامات واعدام الاحداث. ومجتمع منقسم لقوميات منها الاذرية والكردية والعربية والتركمانية والبلوشية تشكل بمجموعها نصف السكان، تطمح لتقرير مصيرها وتنتظر الفرصة للخروج من “سجن الشعوب الايراني” الذي تهيمن عليه القومية الفارسية. وهذا لا يعني ان غالبية الشعب الفارسي راضية فقد انتفض الشعب الايراني بكل قومياته مرارا ضد تسلط الولي الفقيه واطلق شعار “الموت للديكتاتور” كبديل لشعار النظام “الموت لاميركا”. وآخر الانتفاضات الشعبية واهمها “الثورة الخضراء” في العام 2009 التي ان لم تنجح في اطاحة النظام فقد رسخت تجربة ثورية لانتفاضات قادمة.
الامبراطورية التي تحدث اكثر من مسؤول ايراني عن امتدادها من طهران للبحر المتوسط ومن الخليج الى باب المندب، لا يفيد نكرانها لدى مسؤولين آخرين فهي ليست تعبيرا لفظيا، بل واقع عملي يتجلى بشكل واضح في امتدادات ايران الى دول متعددة على اساس “تصدير الثورة” فيما هو في حقيقته تصدير للثورة المضادة، إذ ان الثورة هبة شعبية شاملة لازالة اية معوقات امام التقدم للامام، فيما الثورة المضادة هي الدفاع عن القديم ومنع التطور والحداثة بالاضافة لمراجعة كل ما جرى تحديثه، وهي صفات الايديولوجيا الايرانية التي يجري تصديرها.
“الامبراطورية” تعتمد على ميليشيات محلية في بلدان التوسع، كما في لبنان حيث اقامت دولة ضمن الدولة ومنعت مؤخرا انتخاب رئيس جمهورية جديد لكنها فشلت في تنصيب الرئيس الذي رشحته. وسبق ان فشلت في البحرين. اما في سوريا فالامبراطرية تستنفذ مداخيلها في دعم النظام الاستبدادي، دون التوصل لانهاء الصراع المسلح لصالحه، وافضل مثال فشل الحملة على جنوب سوريا التي حشدت لها الحرس الثوري وحزب الله وقوات النظام دون نتائج تذكر. ايران غرقت مع حزب الله التابع لها، في رمال متحركة واصبحت تعتبر قوة احتلال، يتوجب القتال لاجلائها .
في العراق رغم دعمها لرئيس الوزراء الحالي في الحملة ضد داعش فانها خسرت بازاحة المالكي رئيس وزراء مضمون خضوعه لنفوذها. وفي اليمن ادت محاولة الميليشيات للاستيلاء على السلطة بدعم ايراني الى استنفار معارض لتدخلها اثار “عاصفة الحزم” وتحالف لدول المنطقة مدعوم دوليا للحد من اطماعها الامبراطورية. وتواجه حملة عالمية ضد ميليشياتها التي باتت معزولة، فيما تؤيد غالبية الدول الرئيس الشرعي لليمن الذي حاولت قلبه. كنتيجة ادخل اليمن في دوامة حرب اهلية وتدخل عسكري خارجي ستكبده خسائر فادحة وتعيق تقدمه وتحوله لبلد ديمقراطي.
لا تزال ايران تقيم علاقة مع حماس متجاهلة اعلان “مشعل” دعمه للشعب السوري ضد النظام. وسبق ان دعمت حماس في انقلابها على فتح وبذلك ساهمت في تمزيق الصف الفلسطيني. وهي تسعى لدور في ليبيا والسودان والصومال مما سيزيد الدول التي يسبب تدخلها فيها كوارث غير مسبوقة. ورغم الاتفاق النووي الاخير، فاميركا لا تزال تعتبر ايران دولة راعية للارهاب الذي يشرف عليه “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، وهي تزعزع استقرار المنطقة بتدخلاتها التخريبية التي ساهمت في تحويل الاستقطاب الجاري في المنطقة منذ خمس سنوات بين انظمة استبدادية وشعوب تطالب بحريتها، الى صراع طائفي بين شيعة وسنة.
اوهام الامبراطورية الرثة ستعجل بانهيارها الى جانب العوامل الموضوعية المذكورة واهمها دولة استبدادية تفتقد الحريات وتعاني من ازمة قوميات واوضاع معيشية متدهورة وعزلة دولية وعقوبات اقتصادية دولية واستنفار اقليمي ضدها، واستنزاف ثرواتها في انتاج الاسلحة ودعم الميليشيات .. الشعب الايراني سيستغل اية فرصة للانتفاض لاسقاط النظام، فثورات شعوب الشرق الاوسط افتتحت منذ خمس سنوات وايران ليست مستثناة منها.
*كاتب من سوريا
أحلام الامبراطورية الرثةالكاتب ينظر الى ايران من منظور يجمع بين الاقتصاد و الحداثة. اهذا المنظور لا يفسر لماذا ايران تتقدم ولا يفسر كيفية قدرتها على تامين و حشد الانصار. ولا من هو المؤهل لتوقيفها. فالمعلوم ان قلب الحداثة و النظرية الاقتصادية الممثل بالشيوعيين العرب ، يقف معها. كما ان ” المشرقيات” تقف معها.من هنا اكتفى الكاتب بالتوصيف و التبرير إستنادا إلى وجهة نظره ، لكنه لم يقم الاجابة على كيفة مواجهة ” أحلام الامبراطورية الرثة” و من هو – هم المؤهلين لمواجهتها. و للمناسبة انا ايضا ارى ايران عدوا تاريخيا لي سواء اكانت ايران الساسانية ام الاسلامية ام البهلوية ام… قراءة المزيد ..