حلت الذكرى الرابعة للأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء ليلة 16 ماي 2003 ومعها وجدان المغاربة . ويستوجب استحضار هذه الذكرى ، الوقوف عند الدروس المستقاة بعيدا عن التشفي أو التباكي. إن المغرب ، اليوم ، هو أمام خطر حقيقي تزداد حدته ويتسع مداه. إنه خطر الإرهاب الذي لم يعد بضاعة مستوردة ، بقدر ما غدا صناعة محلية على درجة عالية من الإتقان في أساليب التأطير والاستقطاب والتنظيم . بل إن الإرهابيين جعلوا من المغرب مشاتل ومحاضن تفرخ الإرهاب وتصدره إلى العالم . وها هم اليوم يصرون على تحويله إلى قاعدة خلفية تخدم استراتيجية عولمة الإرهاب التي وضعها تنظيم القاعدة بهدف زعزعة الاستقرار بالمنطقة المغاربية . إن هذه الأحداث وما تلاها تضعنا جميعا ـ دولة ومجتمعا ـ أمام سؤال بديهي وأساسي : ماذا أعددنا حتى لا تتكرر الأحداث الإرهابية ؟ لا شك أن المثل القائل :” رب نقمة في طيها نعمة” يصدق على حالنا في المغرب ـ دولة ومجتمعا ـ من حيث كون الأحداث الإرهابية لتلك الليلة أيقظت الجميع من وهم “الاستثناء المغربي” الذي جعلهم في غفلة يعمهون ويتعامون عن خلايا الإرهاب السرطانية التي تنتشر على امتداد الوطن . إلا أن هذه اليقظة لم تكن بنفس الدرجة من الصفاء والنباهة داخل قطاعات الدولة وفئات المجتمع ؛ كما لم تنتج نفس الفاعلية في أساليب المواجهة لدى نفس المتدخلين . وحسبنا ، في هذا المقام ، أن نذكر بالتالي :
1 ـ على المستوى الأمني : أثبتت الأجهزة الأمنية ـ رغم تواضع إمكاناتها المادية والبشرية ـ فاعليتها في تعقب وتفكيك الخلايا الإرهابية . الأمر الذي مكنها من تجنيب المغرب كوارث محققة بفعل نوعية المخططات الإرهابية وأساليبها . واستطاعت الأجهزة الأمنية ، بمختلف مستوياتها ، أن تراكم خبرة هامة في مجال مكافحة الإرهاب ورصد وتفكيك خلاياه . وكان للأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 أثر مباشر انعكس إيجابيا على فعالية الأجهزة الأمنية ومستوى أدائها ؛ مما جعلها موضع تقدير وتنويه ليس فقط من طرف كثير من الدول بل أساسا من قبل أوسع فئات المجتمع . وكان من نتائج هذه الفعالية تفكيك عشرات الخلايا وإحباط مخططاتها التخريبية التي تستهدف الأرواح والممتلكات . فإلى هذه الأجهزة يعود الفضل في اكتشاف أوكار الإرهابيين ومخابئ صنع المتفجرات التي أعدها انتحاريو 11 مارس و 10 و14 أبريل الماضي . إلا أن أهم نتيجة تحققت من مواجهة الخلايا الإرهابية هي وعي الأجهزة الأمنية بأن المغرب لم يعد “استثناء” ، بل غدا هدفا للإرهاب العالمي ، كما أكد هذا وزير الداخلية بقوله (لا يدع مجالا للشك أن قوى الإرهاب ما زالت تشكل تهديدا حقيقيا، يجب معه العمل على الحفاظ على روح اليقظة والحذر لدى الإدارة ولدى كل مكونات المجتمع، لأنه السبيل الوحيد الكفيل بإفشال مخططات أعداء المغرب)
2 ـ على المستوى الثقافي : إذا كانت الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 قد هزت وجدان المواطنين ، فإنها لم تحرك ضمير المثقفين والفقهاء والإعلاميين إلا من رحم ربك . وبهذه المناسبة ينبغي التنويه بالموقف المبدئي والوطني الذي اتخذته جريدة ” الأحداث المغربية” ضد ثقافة التطرف وتيارات التكفير وخلايا القتل والتفجير دون أن تثنيها التهديدات المباشرة أو الرسائل المفخخة عن الاضطلاع بواجبها الوطني والإنساني . إن الفقهاء والمثقفين والإعلاميين هم الفئة المعنية مباشرة بمواجهة الإرهاب من حيث هو ثقافة وفكر قبل أن يصير قتلا وتفجيرا . فمسئولية هؤلاء أكثر جسامة من مسئولية الأجهزة الأمنية . ذلك أن هذه الأخيرة تعالج نتائج التطرف حين يصبح سلوكا ماديا يهدد أمن المواطنين وممتلكاتهم . أما الجذور الفكرية التي تحول الشباب من مسالمين يحبون الحياة إلى قنابل بشرية ، فلن تسعف جدران السجون في محاصرتها فأحرى اجتثاثها . وقد أثبتت الوقائع كيف أن فكر التطرف وعقائد التكفير والقتل تمارس فعلها داخل السجون كما خارجها . الأمر الذي يجعل المواجهة الفكرية أساسية وذات أولوية قصوى في مواجهة الإرهاب . فهل كان الفقهاء والمثقفون والإعلاميون في مستوى مسئولياتهم الدينية والوطنية التي تحتم عليهم مواجهة المتطرفين وتحصين ضمائر المواطنين ؟
للأسف الشديد اتفق ، من غير موعد سالف أو تخطيط مسبق ، الفقهاء والمثقفون والإعلاميون على اتخاذ مواقف موغلة في السلبية ومرتاحة لوضعية المتفرج ذاك الذي لا يعنيه مصير الوطن ولا تقلقه الأخطار المحدقة به . وتناسوا أن وضعهم الفكري والثقافي يجعل منهم ، بالضرورة ، ضمير المجتمع . فهم ليسوا
كغيرهم من “المواطنين” مجازا الذين أيديهم على جيوبهم ولا يخشون من الأخطار إلا ما يتهدد مصالحهم . إن عموم الفقهاء والمثقفين والإعلاميين اختاروا عن قصد أن يكونوا أحد الفريقين :
أ ـ فريق “القاعدون” الذين يفضلون وضعية المتفرج على الأحداث ولسان حالهم يقول للدولة وأجهزتها الأمنية ما قاله اليهود للنبي موسى عليه السلام ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) . إذ لم يكلفوا أنفسهم “شر” المواجهة الفكرية والثقافية لتعضيد جهود الدولة وخلق وعي عام لدى المواطنين بخطورة الأفكار الهدامة والتيارات المدمرة على أمنهم الروحي والوطني .
ب ـ فريق “الشماتة” والتشفي الذي يسره أن يرى الدولة وقد انقلب عليها “سحرها” وباتت في حرب ضد من “أحسنت” إليهم وأغمضت عيون أجهزتها عن أنشطتهم في المساجد والجامعات والجمعيات ، كما كفت يد الرقابة عن كتبهم التكفيرية ومنشوراتهم التحريضية ؛ ولم تجهز على تنظيماتهم “الجهادية” أو تعمل على تجفيف منابعهم المالية .
إن مواجهة الإرهاب لم تعد مسئولية الدولة وأجهزتها الأمنية فقط ، بل هي مسئولية مشتركة تتقاسمها الدولة وكل فئات المجتمع . ويزداد ثقل المسئولية على الفقهاء والمثقفين كلما اتسع خطر الإرهاب الذي يبدأ فكرة وعقيدة ثم ينتهي عبوة مدمرة . وستكون لنا عودة إلى أوجه التقصير لدى الفقهاء أساسا في مناسبات قادمة بحول الله .
selakhal@yahoo.fr
أحداث 16 ماي الإرهابية بين النجاح الأمني والفشل الثقافي
سارة — zahra.mini@hotmail.com
اريد موضوع احدات 16ماي 2003