أتضامنُ مع التيار الإصلاحي الإيراني الذي يخوض اليوم “أفضلَ الجهاد”، إذ يرفعَ كلمةَ حقٍ في وجه سلطان ظالم، والذي يتجسد في ملايين من الشعب الإيراني، تنبضُ بالحياة والتجدد، أي بالمرأة والشباب، فتملأٌ نهار ايران برقصة الحياة، وليلها بالتكبير… أتضامنُ مع هذه الحركة الإصلاحية لثلاثِ ثلاثاتٍ من الأسباب، لبنانية وعربية وإنسانية، ولسببٍ “شخصي”.
أتضامنُ مع التيار الإصلاحي الإيراني الذي يخوض اليوم “أفضلَ الجهاد”، إذ يرفعَ كلمةَ حقٍ في وجه سلطان ظالم، والذي يتجسد في ملايين من الشعب الإيراني، تنبضُ بالحياة والتجدد، أي بالمرأة والشباب، فتملأٌ نهار ايران برقصة الحياة، وليلها بالتكبير… أتضامنُ مع هذه الحركة الإصلاحية لثلاثِ ثلاثاتٍ من الأسباب، لبنانية وعربية وإنسانية، ولسببٍ “شخصي”.
I. أما الثلاثةٌ اللبنانية،
· فلأن ايران المتشددين تريد “تغيير وجه لبنان” الذي عهدناه وارتضيناه، كما جاء على لسان أحمدي نجاد قبيل انتخاباتنا النيابية الأخيرة، بينما أراد الإصلاحيون لهذا الوجه أن “يبقى بهياَ بكل الوانه الزاهية، ولبيروت أن تعود عروس المتوسط وواسطة عقد الثقافات”، كما جاء على لسان الرئيس خاتمي أثناء زيارته الأخيرة لبيروت.
· ولأن ايران المتشددين أرادت أن يبقى لبنان ساحةً مستباحة للأستثمار السياسي الإقليمي وللمغامرات العسكرية الطائشة، بينما أراد الإصلاحيون إقفال هذه الساحة في الوقت المناسب. ربما نذكر جميعاً أنه بعد الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000، جاءنا وزيرا الخارجية والثقافة في حكومة الرئيس خاتمي ليصرّحا من بيروت بأن ” المقاومة قد أنجزت مهمتها، ولم يعد ثمة مبرر لاستمرارها”. غير أن الوزيرين لم يتمكنا آنذاك من مغادرة بيروت إلا بعد تغيير “إفادتهما” – بناءً على إشارة من “الولي الفقيه” والنظام السوري – بما يناسب “نظرية مزارع شبعا” التي إخترعها ضابطٌ لبناني يعمل تحت يد ضابط سوري. وهكذا استمرت الحروب على نحو ما علمنا وذقنا… “وما ذاك عنها بأحاديث المُرَجَّمِ”.
· ولأن ايران المتشددين أرادت للشيعة اللبنانيين أن يكونوا “حطباً وأكياس رمل” في خدمة مغامراتها على شاطىء المتوسط، على ما أخبرني يوماً أحدُ القادة الإصلاحيين الذين نتضامن معهم اليوم. أما أنا فلا أريد للشيعة اللبنانيين أن يكونوا “إنكشارية” في أي حرس ثوري، بل مواطنين عاديين وطبيعيين في بلدهم، ولا أن يروا إلى 7 أيار يوماً مجيداً من أيامهم، لأنه يومٌ معيبٌ، مثلما لا أريد لبعض إخوتي المسيحيين أن يكونوا أهلَ ذمةٍ لضاحيةٍ من الضواحي، حتى لو كنتُ أتمتع “بأمتياز” الإنتساب إلى تلك الضاحية.
II. وأما الأسباب الثلاثةُ العربية التي تحملني على التضامن،
· فأولها لأن ايران المتشددين تريد توسيع نفوذها الإقليمي، و”المشكلة كل المشكلة معها أن هذا التوسع يأتي على حساب الأقليم العربي ونظام مصلحته المشتركة”، كما عبّر وزيرا الخارجية المصري والسعودي في غير مناسبة. كذلك هي تُعلن عزمها على إقامة “شرق أوسط إسلامي” بقيادتها وبرعاية “صاحب العصر والزمان” الذي أعرفُ أنه بريء من هذه “التهمة”، بينما نريد نحن لهذه المنطقة من الشرق الأوسط أن تبقى، كما هي، عربيةً، وأن تحافظ على إنتمائها إلى “حضارة الوجه” – بحسب تعبير بطاركة الشرق الكاثوليك – “أي حضارة التلاقي الودّي والتحاور المباشر”. أما الإصلاحيون الإيرانيون الذين نتضامن معهم اليوم فقد ذهبوا، لاسيما أثناء حكم رفسنجاني وخاتمي، إلى التعاون والصداقة مع العرب، محاولين تبديد سؤ التفاهم الذي نشأ بين الإقليمين الجارين بسبب عصبيات و”رذالات” من هنا وهناك.
· وثاني الأسباب العربية هو أن المتشددين، في سبيل الهيمنة الإقليمية، يتعهّدون مقاومات مسلحة، من لبنان إلى فلسطين إلى العراق إلى اليمن وإلى حيث وسعهم التدخُّل، لم يعد من شأنها سوى إستدراج حروب اهلية في هذه البلدان. وهم، أي المتشددون، وبأسم “مقدَّسٍ شديد التطلُّب”، يبددون ثروة الشعب الإيراني على تلك المقاومات، وينفقون الفتات على بعض هذا الشعب في صورة رشاوي مبتذلة. أما الإصلاحيون فيقولون، بلسان مير حسين موسوي، إن “القنديل الذي يحتاج إليه البيت يحرم على المسجد”. وبهذا يرفضون الإنفاق على سياسة تصدير الثورة، فضلاً عن رفضهم تلك السياسة من حيث المبدأ. هنا ينبغي أن نتذكر أول رئيس للجمهورية الإسلامية، أبو الحسن بني صدر، الذي أطاحت به تلك السياسة ذاتُها، لأنه اعترض عليها من وجهة نظر الإقتصاد الوطني الإيراني، بالإضافة إلى أسباب أخرى لا تقلُّ أهمية.
· ثالث الأسباب العربية هو أن المتشددين الإيرانيين يناهضون مبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت 2002، لأنها اعتبرت القضية الفلسطينية “وَقفاً وطنياً فلسطينياً” لا وصاية لغير أهله عليه، كما اعتبرت أن من واجب العرب والمسلمين دعمَ الخيار الوطني الفلسطيني لا وَضعَ اليد عليه. أما المتشددون الإيرانيون فيعتبرون القضية الفلسطينية “وَقفاً إسلامياً لا يحقُّ لغير “وليِّ أمر المسلمين”، المقيم في إيران، التصرُّفُ فيه”!. لذلك لم يكن مَحضَ صُدفة أن يوصي اجتماع الدوحة، الذي إنعقد أثناء حرب غزة برعاية أحمدي نجاد، بتجميد مبادرة السلام العربية، نظرياً تحت شعار “الممانعة”، وعملياً لصالح “نخاسة سياسية” تجري على محور طهران – دمشق.
III. وأما الثلاثةُ اسبابٍ إنسانية لتضامننا مع الحركة الإصلاحية الإيرانية،
· فأوَّلُها لأنَّ هذه الحركة الشعبية الواسعة رفضت الإستبداد، خصوصاً ما كان منه بأسم الدين. إذ علاوةً على تحكُّم الحرس الثوري (“الباسادران”) وميليشياه (“الباسيج”) بمفاصل الحياة اليومية، وفضلاً عن القمع المتمادي للأصوات المرجعية التي اعترضت على “ولاية الفقيه العامة”، فإن السلطات الإيرانية الحالية لجأت إلى إستخدام عنفٍ أرعن في وجه المتظاهرين المسالمين، بلغ حدَّ القَتل ودَفنِ بعضُهم في مقابر جماعية، حتى قال الشيخ مهدي كروبي: “إنهم يتعاملون معنا بأسوأ مما يتعامل الصهاينة مع الفلسطينيين”. هذا فيما أخذ مرشد الجمهورية، السيد خامنئي، في إحدى خطب الجمعة، يعبّر عن إعجابه بحاكم اندونيسيا الأسبق الجنرال سوهارتو لقتله مئات ألوف الشيوعيين، ملاحظاً أن شاه إيران كان بإمكانه المحافظة على حكمه لو أنه قتل مليوناً من الإيرانيين المعارضين… فتأمّل! أما آية الله حسين منتظري فأجاب الخامنئي بقوله: “الحكمُ يستمر مع الكفر ولا يستمر مع الظلم”. وهو بذلك يُعيد الإعتبار إلى قيمة إسلامية وإنسانية عظمى، ألا وهي أن الظلم أشدُّ أنواع المعاصي والكبائر، حتى ليهونُ الكفرُ بالله أمامه. وذلك إستناداً إلى الآية الكريمة: “ألا إنَّ الشِّركَ لظلمٌ عظيم” (سورة لقمان، الآية 13).
· وثاني الأسباب الإنسانية هو أن الإصلاحيين يبشّرون بثقافةٍ للحياة مقابل ثقافةِ الموت: بالإنفتاح على العالم ومحاورته بدلاً من إستعدائه ومحاربته؛ بقبول الآخر المختلف والعيش معه بسلام بدلاً من تكفيره وإلغائه؛ بالإعتدال بدلاً من التطرف؛ بسيولة العيش بدلاً من عيشٍ كلُّه نَكَدٌ واستعصاءات…
· وثالثُ هذه الأسباب هو أن المتشددين الايرانيين ينكرون منظومة كاملة من القيم، أقرَّها المجتمع الدولي ودفعت البشرية ثمناً باهظاً لإقرارها، لأن من شأنها توفير عدالة نسبية واستقرار في العلاقات بين الدول والشعوب والأفراد. أعني بتلك المنظومة الشرعة العالمية لحقوق الإنسان وما تفرَّع عنها من شرعات والقانون الدولي ومؤسسة الأمم المتحدة. لا يكفُّ المتشددون، في خطابهم المرسل ومواقفهم وأفعالهم، عن التنكر لهذه المنظومة، باعتبارها، من وجهة نظرهم، نتاجاً إستكبارياً شيطانياً؛ وهو ما لا أوافقهم الرأي فيه بالمرة.
IV. أخيراً أتضامن مع هذه الحركة الإصلاحية لأنها تشبهني من وجوه كثيرة، أعني أنها تُشبه شعب الإستقلال اللبناني الذي أنتمي إليه… ولعلَّ هذا هو السبب “الشخصي” الذي أشرت إليه ابتداءً.
* مداخلة ألقاها الكاتب محمد حسين شمس الدين في ندوة تضامنية مع الحريات وضد القمع في ايران نظمها مركز
“سكايز” التابع لمؤسسة سمير قصير في 20 آب/اغسطس 2009