التقديم والترجمة: مصطفى إسماعيل
يُعدُّ “أحمد آلتان” من كبار الكتاب الصحافيين في تركيا اليوم، ويعرفُ عنه توجهه الليبرالي وعدم استناده في كتاباته إلى الأحكام القبلية والمسبقات الفكرية. ويتطرقُ في زاويته اليومية في صحيفة “طرف” taraf التركية الليبرالية لأبرز القضايا والمشاكل والأزمات التي تواجه تركيا، ومنها القضية الكوردية. وإذا كانت الغالبية الساحقة من الكتاب الأتراك بدأت مؤخراً فقط بالكتابة في الشأن الكوردي، مقدمة رؤاها حول الحلّ المحتمل للقضية الكوردية المزمنة والمعقدة، التي ترافق الجمهورية التركية منذ تأسيسها في القرن المنصرم، فإن أحمد آلتان بدأ مبكراً وقبل غيره الكتابة في الموضوع الكوردي مزعزعاً اليقينيات الكبرى والإيديولوجية الأتاتوركية، مُزيلاً أوراق التوت عن الممارسات التركية اللاديمقراطية. وهو في مقالته هذه المنشورة في صحيفة ” طرف” التركية، في 19 آذار 2009 ، يخلصُ من مقارنة بين مساري فترة اعتقال كل من الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا والزعيم الكوردي عبد الله أوجلان “آبو”، إلى ضرورة الإنصات إلى أوجلان، وإشراكه كطرفٍ أساسي في حل القضية الكوردية، لتحقيق السلم الداخلي والوئام الأهلي في تركيا المُضطربة على خلفية تجاهلها للمكون الكوردي، وتعدُّ هذه المقالة من أولى المقالات التي كُتبتْ في تركيا عن الملف الكوردي ( الكورد وحزب العمال الكوردستاني وأوجلان )، عقبَ إعلان الرئيس التركي عبد الله غول في منتصف شهر آذار 2009 عن وجود “فرصة” لحلّ القضية التركية، وأنَّ هنالك “أشياء جميلة ” ستتحقق، ليبدأ لاحقاً في الإعلام التركي، ومنذ إعلان حزب العمال الكوردستاني هدنة أحادية، ومحاورة الصحافي “حسن جمال” للقيادي في العمال الكوردستاني “مراد قره يلان” سفرٌ جديد، ورحلةُ بحثٍ عن أفقٍ سلمي، يبدو اليومَ قريباً أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى. إليكم نصُّ مقال:
أحمد آلتان : آبو ومانديلا
*
“أبو” و”مانديلا”
كتبَ أرطغرلْ أوزكوك قبلَ أيام مقالاً مُلفتاً جداً.
قالَ أنَّ آبو أيضاً سيأخذُ مكانه في العملية السلمية.
لا أعلمُ ما إذا كنتُ أتجنى على أوزكوك، أو أرى هكذا كتابات تُنشرُ في صحيفة “حرييت “، طليعةً متقدمة لأخبارٍ “مُعدَّة من قبل الدولة”.
أفكِّرُ بأنَّها تُكتبُ لإعداد الرأي العام، لتلقي التحضيرات المتشكلة أو التي في طور التشكل.
ولنْ تتغيرَ النتيجةُ كثيراً، إذا ما كانت الكتابة تلك من بناتِ أفكارِ أوزكوك، أو كُتبتْ بناءً على طلبٍ من الدولة، فأنا أُعدُّ الرؤية تلكْ إيجابيةً وخطوةً إلى الأمام.
وكنتُ قدْ صادفتُ، قبلَ نشرِ تلكَ الكتابةِ بعدَّة أيام، خبراً مُلفتاً من الدرجة نفسها، يُعلنُ أنَّ 12 غرفةً احتجازٍ أخرى ستُلحقُ بسجنِ إيمرالي.
وهذا يعني، أنَّ اثني عشرَ رفيقاً لآبو سُيجلبونَ إلى جواره.
وإذا ما حلَّلنا هذينِ الأمرين، فإنه يقوِّي أكثرْ الفكرةَ القائلة بأنَّ هنالكَ أشياءَ في طور التغيُّرْ.
اِسمُ آبو، هوَ كاِسم الإله ” يانوس “، ذو وجهين، وذو مشهدين مُختلفين.
الكثيرُ من الأتراك يذكرونَ هذا الاِسمَ مقروناً بالنفورِ.
حتى أنَّ قسماً من الصحف تُسَبِّقُ اسمهُ بأوصافٍ من قبيل “رأسُ الإرهابيين” و”قاتلُ الأطفال”.
أما في أوساط الكورد، فإنَّ الاِسمَ يحملُ معنى مُقدَّسَاً.
فآبو بالنسبة إليهم هو القائدُ الذي مَكَّنَ منْ مُناقشة المسألة الكوردية في هذه الدولةِ بشكلٍ لافتٍ.
وهو في يومنا هذا جزءٌ لا يتجزأُ منْ الهوِّية الكوردية.
حتى أنَّ أعضاءَ حزب العمال الكوردستاني وأنصاره حين يتحدثونَ عنه، لا يستخدمونَ كلمتي “آبو” و”أوجلان”، بلْ كلمةََ “الرئيس.
أياً كانَ الأمر، فإنَّ لصفاتهِ تأثيراً سحرياً.
قبلَ شهرٍ أو شهرين، تفرجتُ على فيلمٍ مُتعلقٍ بالزعيم الجنوب أفريقي الأسود “نلسون مانديلا”.
كانَ اسمُ “مانديلا” في جنوب أفريقيا، تماماً كاِسمِ “آبو” في تركيا.
كانَ بالنسبة للبيضِ “قاتلاً “، وبالنسبةِ للسودِ قائداً “مُقدَّسَاً”.
كان الفيلمُ يتحدثُ عن مُغامرةِ مانديلا في السجنِ، من خلال مشاهداتِ حارسٍ أبيض.
كانَ مانديلا مُعتقلاً وحيداً في غرفةِ سجن.
بعدها، وُضِعَ إلى جانبه في السجنِ المحكومونَ من رفاقه في تنظيمه.
ثمَّ نُقلَ الجميعُ سوياً إلى مكانٍ “مُريحٍ” أكثرْ.
بعدَ ذلكَ خُصِّصَتْ لمانديلا مزرعةٌ تحتَ الحِراسة.
ثمَّ أُخلي سبيله، ودخلَ الانتخابات.
هذه الفترة كانتْ بالنسبة للعديدِ من البيض “فترةً مُخيفةً”.
وبالنسبة للسودِ فترةً ينبغي الاحتفالُ بها.
لا تكفي مشاعرُ الغضبِ أو الانتقام لحلِّ هكذا نوعٍ من المسائل الاجتماعية والمواجهات العرقية.
حينَ كنتمْ تنكرونَ وجودَ الملايين من الناسِ وهوِّيتهم ولغتهم وتقاليدهم، كانت الحياةُ تُصِرُّ على حقيقتها.
هنالكَ حقيقةٌ كوردية في تركيا.
هذه “الحقيقةُ” التي قُوبلتْ بالرفضِ، تحوَّلتْ بدايةً إلى مسألةٍ، ثمَّ إلى حربْ.
الآلافُ منَ الناسِ قتلوا.
مئاتُ الملايينِ من الدولارات التي كانَ من الممكنِ إنفاقها على رفاه الناس الذين يعيشونَ في هذه الدولة، أُنفقتْ على الأسلحة.
لمْ تُحلَّ المسألةُ.
اليومَ حتى الجنرالاتُ المتقاعدونَ يُقرَّونَ بارتكابِ أخطاءٍ في المسألة الكوردية.
تعبتْ تركيا من الحربِ.
العالمُ يرغبُ في وصولِ تركيا والشرق الأوسط إلى السلام.
يتمُّ الإعدادُ لمؤتمرٍ كوردي كبير.
وقدْ أوضحَ “آبو” في التصريح الذي أدلى به في “إيمرالي” (لمُحاميه)، أنه يُعدُّ هذه المحاولةََ إيجابية.
ومهما كانَ الأتراكُ سينزعجونَ من هذه الفكرة، فإنَّ الحقيقة تقولُ أنَّ “آبو” شخصٌ مهمٌ للسلام.
وكما تقولُ “ألف أر” alev er كلَّ حينٍ ” أياً كانَ الذي تحاربهُ، ستصالحه يوماً “.
آبو بدأ الحربَ.
وهو اليومَ صاحبُ قوَّة البدء في السلام.
سلامٌ من دون آبو وحزب العمال الكوردستاني غيرُ ممكنٍ.
ومهما كانَ الأتراك غاضبينَ جداً من آبو وحزب العمال الكوردستاني ومشمئزين منهما، فإنَّ ذلك لا يُغيِّرُ من الحقيقة في شيء.
إنَّ إبقاء آبو خارج عملية السلام اليوم، وتجاهل وجود حزب العمال الكوردستاني، لا يتناسبُ مع الوضع الحقيقي.
أعلمُ كيف سيغضبُ الكثيرُ من القرَّاء الأتراك، حين يقرأونَ مقالة كهذه.
ولكن إلى أيِّ قدرٍ يمكننا تجاهلُ الحقائق، خوفاً من الغضب والانتقاد.
“آبو” اليومَ “مانديلا” الكورد.
إنه بطلهم القومي.
الآنَ، أريدُ أن أسألَ من القرَّاء الأتراك.
هل الانتقامُ من آبو و”معاقبته” هو الأهمُّ بالنسبة إليكم، أم بلوغُ تركيا الرفاه، وعدم مقتل الأطفال، ومعيشة الكل في هذه الدولة بسعادة؟
ليسَ الانتقامُ شعوراً باعثاً على نتيجةٍ إيجابية.
احترقتْ في هذه الحرب أرواحُ الطرفين، والطرفانِ عانيا معاً، والطرفانِ بكيا لأجل أولادهما.
أية جدوى من إدامةِ هذا؟
هلْ ممكنٌ عدم رؤية الفوائد الكبرى من مشاركةِ آبو في عملية السلام؟
تركيا على عتبة السلام.
ببعضِ روحية القرار سنجتازُ العتبةَ.
حتى دولةٌ مثلَ جنوب أفريقيا عَبََرَََت الأحقادَ والدماء نجحتْ في هذا.
لماذا لا ننجحُ نحن؟
إذا كنَّا نكسبُ الحرب بجدارة، أليس لكسب السلام قيمةٌ أيضاً بقدر التحارب؟
“أبو” و”مانديلا”لا يوجد خلل في الترجمة , فالفكرة (البليغة) وصلت , فالحديت هنا موجه الى جمهور يرفض الاستماع ويخلخل مسألة حكم عليها الخطاب بالحسم .. قرأت عدة تقارير عن اوجلان (غير كافية بالتأكيد) ولفت نظري منها : تخلي العديد من الاكراد في المهجر عن حياة آمنة ومستقرة ليصبحوا جنودا في حركته والسواد الاعظم منهم يتفوقون عليه في تحصيلهم الاكاديمي , ويوم القاء القبض عليه احتلت مجموعات من الاكراد السفارات الاسرائيلية في عدة دول لدور الموساد في تسهيل القاء القبض علية (الاهمية هنا لتجاوز ردة الفعل الخطوط المسموح بها) .. فالرجل بكل معنى الكلمة (مقاتل حرية طرف وارهابي طرف آخر) ..… قراءة المزيد ..