كان تشاوشيسكو ديكتاتور رومانيا مولعاً بالتلفزيون، ولم ينقطع عن متابعة المسلسل البوليسي الأمريكي «كوجاك». ولكن، ورغم الساعات الطويلة التي كان يقضيها أمام الشاشة، لم يدرك التأثير العاصف لتلك الآلة الثورية السحرية، وقد دفع حياته ثمناً لذلك في ليلة عيد الميلاد عام 1979.
في تلك الليلة تحول الاستديو رقم 4 في تلفزيون رومانيا الحرة الى مركز للثورة، فقد سيطر عليه الثوار ووضعوا حداً لإراقة الدماء في الشوارع عندما قاموا بعرض محاكمة الدكتاتور وصورة جثته، وإلى جانبها جثة زوجته، على الشاشة الفضية التي أدمنها.
وبعد ذلك بقليل كتبت الصحافة الأمريكية تقول انه تم استبدال الديكتاتورية في رومانيا بـــــ«فيديوقراطية».
المعلوم ان استخدام المدافع والبنادق والقنابل المسيلة للدموع لم يحدث إلا في رومانيا. وكان مرد ذلك هو ان الديكتاتور عديم الإدراك وأعجز من أن يرىَ ما يحدث حوله أو أن يحس بالارتجاج تحت قدميه. والثابت انه كان طاعناً في خريفه إلى درجة الامتناع عن النظر إلى مآل الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية عندما تساقطت في خريف ذلك العام.
والحال أن الانسداد الذي تعيشه اليمن حالياً هو الأكثر قتامة – بالقياس الى شقيقاتها- حيث أضحت الاحتقانات تتفجر بين الحين والآخر، كما بلغت الأزمات المتراكمة والمستفحلة والمشتعلة ذلك المستوى الذي لم يعد بالإمكان معالجتها في إطار المؤسسات القائمة، ويتلازم ذلك مع انكشاف «النظام» ومعه القائد كأسير لـــ«نظام» أمعن في خريفه وتخريفه وطفحت عليه كل تلك الأعراض التي استدعت صورة ديكتاتور رومانيا، على النحو الذي يسوغ لنا الإقرار بأن هذا النظام يقع في مهب الإعصار وحلق الكارثة وعليه أن لا يستغرق طويلاً في متابعة مسلسل «كوجاك»، وان يدرك أنه مدعو إلى أن ينظر إلى أبعد، خاصة وأن الاضطرابات الراهنة ليست قابلة للاحتواء واللجم بالوسائل القديمة، ولا بالرصاص، ولا بالحيل والأساليب الماكيافيلية التي لم تعد أكثر من ألاعيب أطفال.
وبما أننا نعلم أن العاصفة ستنقض على الجميع وان الحمقى وحدهم مؤهلون لشغر الفراغ المتفجر، فإننا لن نكف عن مناشدة المراجع العليا في السلطة الإنصات لصوت العقل، والإقلاع عن عادة الارتهان لأدوات القمع والبطش، واعتماد سلطة القمع والمنع كأسطوانة ضاغطة وقادرة على محو الاختلافات والاضطرابات والتصدعات التي غدت تستحث درجة عالية من الاستجابة العاجلة والفورية بمعالجات مبتكرة وجسورة لأن بارقة آخر فرصة يمكن أن تتبدد في أي لحظة ويتبدد معها الحلم بيمن موحد ومستقر وآمن أو الحلم باليمن الذي كان.
mansoorhael@yahoo.com
* صنعاء