في مكتب النائب آلان عون في مجلس النواب نلتقي نائب جبيل سيمون أبي رميا، يلقي التحية بحفاوة ويتابع اتصالاته ويغادر. ننتظر وصول النائب عون، يصل ويسلّم على نائب زميل آخر ثم يرحّب بنا بابتسامة عريضة. وراء مكتبه صور لعائلته وزوجته وليوم زفافه، تتوسطها صورة مع رئيس “تكتّل التغيير والإصلاح”، خاله الجنرال ميشال عون.
السؤال الأوّل عن الجنرال الذي يطرح نفسه مرشّحاً توافقياً لرئاسة الجمهورية.
لماذا لم يمهّد التكتل لهذه الخطوة قبل مدّة أطول؟ النقلة جاءت سريعة ورأى فيها كثيرون “تمثيلية قديمة”.
يوضّح عون أن “فكرة التوافق ليست وليدة اليوم بل بدأ تداولها منذ التمديد لمجلس النواب وخلوة “التكتل” في دير القلعة- بيت مري (أواخر آذار – مارس الماضي) حيث تقرّر كسر الاصطفافات من أجل الحوار مع كلّ الأطراف والخروج من الحلقة المفرغة. في السياق أتى الاستحقاق الرئاسي”.
ألَم يكن الهدف من هذه التوافقية هو التعامل مع هذا الاستحقاق؟
يتابع عون: “الموضوع مرتبط حكمًا بهذا الإستحقاق، وإذا قلنا غير ذلك فنكون كاذبين. إلا أن الاستحقاق الرئاسي لم يكن الحساب الوحيد”.
يؤكّد عون لـ”الشفاف” أن مجلس الوزراء “يأخذ دائمًا برأي تكتل التغيير والإصلاح، خصوصًا بعد الفراغ في السدة الرئاسية، باعتبار التكتل شريكاً مسيحياً أساسياً في الحكومة.”
وعن احتمال تقديم وزراء التكتل استقالاتهم من الحكومة يقول: “الموضوع غير مطروح بعد.”
في جوابه عن أي سؤال يتحدث النائب آلان عون بوضوح وسرعة.
هل طلب “تيّار المستقبل” من الجنرال عون الإستحصال على موافقة مسيحية جماعية (من معراب وبكفيّا خصوصا) للقبول به مرشحاً توافقياً؟
يشرح النائب الشاب أن “الموضوع لم يطرح بهذه الدقة. فترشّح الجنرال عون لن يكون ضدّ مسيحيي 14 آذار! ونحن نريد أن نجمع لا أن نفرّق”. ويتابع: “الحلقة الأصعب هي تيار المستقبل. على هذا التيار وحلفائه الاقتناع أن خلاص لبنان لن يكون إلا بالتوافق، والخروج تالياً من فكرة 8 و14 آذار”.
“لكن الجنرال عون بالنسبة إلى جزء كبير من اللبنانيين إستفزازي ويُعتبر حليفاً لقوى مسيّرة من الخارج ويرجّح أن تكون متورّطة في أعمال أمنية كبيرة”.
ينفعل النائب عون عند هذا الحدّ: “هذه خطابات متطرّفة تخطّيناها! وهذه مواقف لن تفيد بناء الوطن. تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام أسقط هذه الحدّية (الحدّة) في الخطاب السياسي”.
يقول النائب الشاب أيضاً إن “مساعي التمديد للرئيس السابق ميشال سليمان استمرّت حتى الساعات الأخيرة، وهي شملتنا كتكتّل من ضمن المشاورات”. يبدو واثقاً وهو يضيف: “كانت محاولات جدّية”!
لكن الرئيس سليمان غادر القصر وبقي عند موقفه المعلن الرافض للتمديد؟
“لم يكن سليمان بعيدًا عن هذه المساعي رغم مواقفه المعلنة”، يجيب عون.
وبالنسبة إليه لا حاجة لأن يعلن الجنرال ميشال عون ترشيحه: “حتى اليوم لا نرى تعاطياً جدّياً وجلسات الانتخاب”.
ويضيف: “المرشحان، الدكتور سمير جعجع والنائب هنري حلو، حاولا مرّة ورأيا أن الحائط مسدود. إصرارهما على الإستمرار في ترشيحهما يعني أن لا جدية في تعاملهما مع الاستحقاق الرئاسي”!
ماذا عن الامتناع عن حضور الجلسات، أليس “لا جدّية”؟
ينفي آلان ذلك مبرّرًا بأن “الاتصالات للتوافق جدّية. أما أن يبقى مرشّح حصل على 16 صوتًا وآخر حصل على 50 صوتًا فهذا تعطيل حقيقي”!
نسأل: أليس الترشح والتصويت لمرشحين متنافسين ما تقوم عليه الديموقراطية؟
يزيد عون “ربّما. لكن لبنان لا يقوم إلا على ديموقراطية توافقية. لا يمكن أي مرشح أن يحصل على الأكثرية في الوقت الحالي.”
ماذا عن اعتبار أن الاستحقاق الرئاسي صار أشبه بتعيين تحت غطاء التوافق؟
يردّ آلان عون على هذه الفكرة بالقول إن “القرارات المصيرية تحتاج إلى توافق وتنسيق بين الطوائف، ونظامنا له بُعد ميثاقي”.
وعدم المشاركة في الجلسات الإنتخابية، أليس موقفاً غير دستوري وغير ميثاقي؟
لا إجابة واضحة هنا بل تكرار: “الإصرار على الترشح هو التعطيل، ونحن يمكننا الامتناع.”
وعن ترشّح جعجع يقول عون: “حقه! ولا يمكنني أن أمنع أحدًا من الترشح لكنه اليوم بات يعطّل الانتخابات بوقوفه في وجه أي إمكانية إتفاق مع تيار المستقبل”!
ننتقل إلى معادلة “عون أو لا أحد”.
يجيب بسؤال: “هل توافرت الأكثرية لأحد ومنعناه من الوصول؟ لمَ البحث عن إسم مرشّح جديد في حين أن مرشّحنا قوي ولم نفقد الأمل في التوافق على اسمه. الرهان هو على تيار المستقبل، وقد تنضج الأمور!”
يرى عون ما يحكى عن موضوع المثالثة ساذجًا: “لا يمكن أن نلغي أحدًا لكن “ما يسمّى بالمثالثة” قد يخفف التوتر السني-الشيعي من خلال التدخل المسيحي.”
يشرح النائب آلان عون وجهة نظر فريقه في طبيعة الاستحقاق الرئاسي: “إنه وطني بامتياز لكنه ينطلق في البداية من الطائفة المسيحية. نظامنا طائفي حتى لو كان الرئيس للجميع”.
وكيف تصف علاقة “التيار الوطني الحر” ببكركي هذه الأيام؟ الجواب كلمة واحدة: “عادية”.
عادية أيضًا مشاهد لبنان، بلد اللا أولويات. فراغ وعناد. وحمامات ساحة النجمة تدور في أرضها، غير دارية بما يحدث، حالها حال غالبية اللبنانيين.
آلان عون لـ”الشفاف”: رهاننا على “المستقبل”… ولينسحب جعجع!
إن معضلة ما يسمى بالـ”عونيين” في كيفية جمع هذه الظاهرة بين عمالتها المباشرة للاحتلال الشيعي-الإيراني وعمالتها بالواسطة لإسرائيل وشغّيلها الأسد، من جهة، وبين إقناعها 80% من اللبنانيين (وأكثر من النواب) بالقبول بمشروعية طموح ممثلها بأن يكون رئيساً. أما الرهان على المستقبل، فلا ضير ولا إزعاج لأحد إذ ما تواصل لأزمان بعد. لو كانت الظاهرة أعلاه ذاتية التكوّن سياسياً وفكراً وقراراً، لكانت راهنت بالأحرى على ميليشيا الاحتلال، رغم تلكؤ هذه الأخيرة في ترشيح رأس الظاهرة. لكن ومرة أيضاً، ما من مانع في استمرار هذا الرهان على المستقبل.