هدى الصالح وثائر عباس وسوسن الأبطح ومحمد الشافعي
كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط» عن وساطة قطرية مع فتح الإسلام ليلة مداهمة نهر البارد من قبل الجيش اللبناني، لإجلاء عوائل قيادات التنظيم الى خارج لبنان، ولم تستبعد المصادر أن يكون ذلك من أجل إجلائهم الى سورية، إلا أن محاولة هروب بعض قيادات التنظيم من المخيم عجلت بالمداهمة، مما أربك عملية الوساطة، على الرغم من أن المحاولات للوساطة ما زالت قائمة.
وقالت مصادر «الشرق الأوسط» إن هناك حالة من الاستغراب والاستياء لدى أطراف لبنانية حيال تدخل القطريين ومصلحتهم من ذلك، خصوصا أن جزءا من الوساطة بحسب معلومات «الشرق الأوسط» كان الهدف منها نقل بعض عوائل قيادات تنظيم فتح الإسلام وأطفالهم، الموجودين خارج المخيم في مناطق مختلفة في لبنان تحت رقابة الجيش، الى سورية.
وعلمت «الشرق الأوسط» وفقا للمصادر أن التحرك القطري كان يقوم على عدة محاور منها «إخراج جرحى فتح الإسلام، وخروج المقاتلين المستسلمين من المخيم شرط ألا يكون عبر سيارات الجيش اللبناني، والسماح بترحيل عوائلهم الى خارج لبنان».
وحسب المعلومات التي استقتها «الشرق الأوسط» من المصادر فإن وفدا قطريا من ضمنه القائم بالأعمال القطري في لبنان، أحمد الكواري، كان من ضمن فريق الوساطة التي قامت رابطة علماء فلسطين بلعب دور المنسق فيها عبر الاتصال بالتنظيم.
من جهته، أوضح لـ«الشرق الأوسط» الشيخ بلال دقماق، أمين سر وقف «اقرأ» الإسلامي، أحد قادة التيار الإسلامي السلفي في لبنان، ومن الذين سعوا إلى الوساطة لإنهاء أزمة نهر البارد بأن «هناك وساطة إسلامية جرت بدعم من مؤسسات قطرية».
غير أن مصدرا مقربا لرابطة علماء فلسطين أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الوساطة القطرية كانت جدية، وعملت الرابطة دور المنسق لإنجاحها، حيث بقيت على اتصال مع التنظيم إلى ما بعد الساعة الثامنة مساء يوم السبت 1 سبتمبر (أيلول) عملاً على بلورة اتفاق، ولا نعلم إن كانت الليونة والإيجابية، اللتان كان يبديهما المقاتلون في تعاملهم مع هذه الوساطة، من باب الخديعة، أم أنهم كانوا صادقين، واستجد معهم ما لم يكن في حسبانهم بعد ذلك بساعات، وقرروا مغادرة المخيم، من أكثر من محور، للالتفاف على الجيش، مما تسبب بقتل غالبيتهم».
وفي التفاصيل أن القطريين دخلوا على الخط، بعد خروج نساء عناصر التنظيم من المخيم في الأيام الأخيرة من المعركة، وقبل ثلاثة أيام فقط من انتهاء المعارك على النحو الذي آلت اليه. وكانوا يأملون في أن يشكلوا ما يشبه ضمانة تجعل المقاتلين، يطمئنون إلى اتفاق بينهم وبين الجيش، فيما قامت رابطة علماء فلسطين بالتنسيق، «ووجدت ردود فعل ايجابية من المقاتلين»، بحسب المصدر المقرب لرابطة علماء فلسطين.
وعما إذا كانت الوساطة سعت إلى إخراج المقاتلين من مخيم نهر البارد إلى سورية أو أي جهة أخرى، نفى المصدر ذلك قطعيا، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن الوساطة القطرية، تمحورت بشكل أساسي على ترتيب عملية الاستسلام وتفاصيلها، من توقيف ومحاكمات، وما إلى ذلك، وأن كل ما قيل حول صفقة سرية لتهريب قادة فتح الإسلام، وفق اتفاق من أي نوع هو محض افتراء، ولا أساس له من الصحة. ولكن ما هو صحيح أن شروطاً عديدة حول عملية الاستسلام كانت تتم مناقشة تفاصيلها مع التنظيم، وأن الجيش وافق على العديد من النقاط، لكن لا حوار كان يدور في ذلك الوقت، وفق الوساطة القطرية، خارج إطار الاستسلام وكيفيته وحيثياته.
وحول الشائعات التي يتم تداولها في لبنان، بخصوص اتفاق جانبي حصل لتهريب قادة فتح الإسلام، وأنه تم الإجهاز عليهم غدراً أثناء خروجهم، وهو ما يفسر اختفاء بعضهم، يقول المصدر: «إن كل تفاهم جرى بين الرابطة والجيش اللبناني أثناء هذه المحنة، احترمه الجيش والتزمه بالكامل. فهذا جيش له أخلاقيات عالية، ومن المستحيل أن يوافق على اتفاق من أي نوع كان، وينكث به». ويضيف المصدر: «أؤكد هنا مرة جديدة أن ما حدث في اليوم الأخير للمعركة من خروج انتحاري لعناصر التنظيم، كان مفاجأة لنا وللجيش وللقطريين أيضاً. وما حدث بعد ساعات من الاتصال الأخير داخل المخيم، جعل المقاتلين يخرجون على النحو الذي رأيناه، بقي سراً لا نعرف تفاصيله حتى هذه اللحظة، وقد تكشف الأيام المقبلة عن المزيد».
إلى ذلك أكدت مصادر رسمية في نهر البارد لـ«الشرق الأوسط» بحث الحكومة القطرية وعبر سفارتها في لبنان صفقة تسلم زوجات وأبناء عناصر فتح الإسلام مع لجنة علماء فلسطين، ومن قبل مساع مكثفة من الشيخ محمد الحاج. وبحسب المصادر فإن المبادرة القطرية ولدت بعد الكشف عن مقتل 3 قطريين ضمن حركة فتح الإسلام في المعركة الأخيرة التي دارت بين الجيش اللبناني وعناصر التنظيم دفنوا بعدها في مقبرة «طرابلس».
وعلى الرغم من نفي بعض المقربين لفتح الإسلام بوجود قطريين، أكدت لـ«الشرق الأوسط» أجهزة أمنية لبنانية وجود هويات قطرية من دون أن تحدد أعدادهم، مكتفية بالقول إن المسألة أعقد من الحديث عنها بتسرع، حيث ينبغي مخاطبة الإنتربول والدول المعنية للتحقق من هويات القتلى بواسطة الـ«دي إن إيه» بشكل قاطع. وبدوره نفى الشيخ بلال دقماق علمه بوجود قتلى قطريين في المخيم.
وحاولت «الشرق الأوسط» حتى لحظات قبل موعد نشر الخبر الاتصال بالقائم بالأعمال القطري في بيروت، أحمد الكواري، مرتين، إلا أنه رفض التعليق على الموضوع، مطالبا «بمهلة حتى غد» (اليوم)، على الرغم من آن الصحيفة أوضحت له أنها في صدد النشر.
(الشرق الأوسط)