إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، تعليقا على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية: “انتخاب ترامب لا يسبب لنا أي قلق خاص لأنه في رأينا لم يكن هناك فرق كبير بينه وبين الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن”. وأضافت: “انتخاب رئيس الولايات المتحدة ليس له علاقة معينة بنا”.
هل فعلا لا فرق بين ترامب وبايدن فيما يخص العلاقات الأمريكية مع الجمهورية الإسلامية؟ وبالتالي لا معنى لطرح السؤال التالي: هل إيران “قلقة” من فوز ترامب؟
كان عدو النظام الإيراني الأبرز، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصف فوز ترامب بـ”النصر العظيم”، واعتبر عودته لرئاسة أمريكا “بداية جديدة”. فهل هذه العودة هي محطة لتعاون أمريكي إسرائيلي مختلف عن التعاون مع إدارة بايدن يتعلّق بالأوضاع في المنطقة؟ وهل هذه “البداية الجديدة” تُقلِق إيران؟
بعض الصحف الإيرانية، مثل “اعتماد”، أجرت مقابلات مع خبراء في الشأن الاقتصادي، واستطلعت آراءهم حول تأثير نتائج الإنتخابات الأمريكية على الوضع الاقتصادي في إيران. وجاء في هذه المقابلات أن الآثار الاقتصادية ستكون هي نفسها على المدى البعيد، لأن كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، ينتهجان موقفا صلبا وصارما تجاه طهران.
لكن صحفاً إصلاحية أكدت أن هناك فرقا كبيرا في الفائز في الانتخابات بالنسبة لإيران، حيث فضلت طهران “ولو بصمت” فوز الديمقراطية كامالا هاريس. فالديمقراطيون أكثر ليناً في التعامل مع طهران، ويسمحون لها بمتنفس يتعلق بصادراتها النفطية. أي بعبارة أخرى، سعى ويسعى الديمقراطيون إلى تبني سياسة “المماشاة” مع إيران لعل وعسى يساهم ذلك في تقليل مخاطرها.
وعلى الرغم من الخطاب الترامبي الذي يرفع شعار “لا للحرب” في العالم، إلا أنه من المتوقع أن يتبنى الرئيس الأمريكي المنتخب سياسات متشددة تجاه طهران، ومن شأن ذلك أن يرفع من درجة التوتر بين الطرفين.
فترامب لن يسعى لإسقاط النظام الإيراني. لكن بما أن إيران اليوم من حيث قوتها الخارجية المرتبطة بأذرعها، خاصة تراجع قوة حزب الله لبنان وحماس، أضعف من أي وقت مضى، فإن ترامب سيُنهي سياسة “المماشاة” تجاه طهران التي تتبناها إدارة بايدن، وهذا سيساهم في تعرّض الضعف الإيراني الراهن لمزيد من الضعف.
ومن النتائج المتوقعة لخطوة ترامب هذه، أي إنهاء سياسة “المماشاة” البايدنيّة مع طهران، أن بيع النفط الإيراني بالطرق غير القانونية وعبر التهريب، سيتوقّف.
ونتيجة لذلك ستنخفض الصادرات النفطية الإيرانية من 2 مليون و800 ألف برميل في اليوم أثناء إدارة بايدن، إلى أقل من 200 ألف برميل في اليوم في ظل إدارة ترامب. ومن شأن ذلك أن يضر بالموارد النفطية الإيرانية. وهذا سيمثّل ضربة موجعة للنظام الإيراني، الذي يعتمد على هذه الموارد لدعم وحماية الأذرع في الخارج ولمواجهة مختلف “التهديدات” في الداخل.
إضافة إلى ذلك، شاهدنا كيف ضغطت إدارة بايدن على الحكومة الإسرائيلية مرات ومرات لإجبارها على تقليل أهدافها في خطط هجومها على إيران. ورأينا تأثير ذلك حينما ركّزت إسرائيل على ضرب المواقع العسكرية الإيرانية فقط، فيما كان متوقع أن تستهدف إسرائيل المواقع النفطية والنووية الإيرانية أيضا، لكن ضغوط بايدن على إسرائيل ساهمت في تغيير هذه الخطط. ومن المتوقع أن يختلف هذا الضغط في ظل إدارة ترامب إذا ما استمر الشد والجذب العسكري والتهديد بالضرب بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي.
إن تجربة الإدارة الترامبية لأمريكا، أظهرت أن الرئيس الأمريكي المُنتخب هو الرئيس الأقرب تاريخيا إلى إسرائيل وأكثر من ساهم في تحقيق المصالح الإسرائيلية.
فهو رعى الاتفاقات الإبراهيمية، ما فتح الطريق لإسرائيل لوضع قدميها في منطقة الخليج العربي سياسيا واقتصاديا. ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي كان يرفضه الرؤساء الأمريكيون السابقون. وقَبِلَ أن تكون الجولان جزءا من الأراضي الإسرائيلية.
كما قتل العدو الأول لإسرائيل، وزعيم جميع الأذرع الإيرانية في المنطقة، وزعيم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
يمكن أيضا التفريق بين سياسات ترامب وسياسات بايدن تجاه التعامل مع الحرس الثوري الإيراني. فترامب وضع “الحرس” على قائمة الإرهاب، وتشدّد في مواجهتهم. ورغم أن بايدن لم يرفع الحرس الثوري من القائمة، إلا أن الاختلاف بينهما كان في طريقة التعامل مع هذا الموضوع. فبايدن لم يكن حريصا عمليّا على التشدِّد مع الحرس، بسبب سياسة “المماشاة” التي كان يتبناها.
ومعروف أن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما رفض مرات عديدة اغتيال قاسم سليماني، والذي كانت تنقل له الاستخبارات الأمريكية مسؤولية سليماني عن قتل الجنود الأمريكيين في العراق وفي أفغانستان. وكان الديمقراطيون يخشون من وقوع حرب في المنطقة إذا تمت عملية القتل. لكن ترامب وافق على تنفيذ عملية القتل، لمسؤولية سليماني عن مهاجمة الجنود الأمريكيين في العراق وقتلهم ومهاجمة السفارة الأمريكية هناك، ولقناعته هو وفريقه بأنه لن تحدث جراء ذلك حرب في المنطقة.
إن الخطاب الإيراني الذي أعلن عنه في فترة إدارة بايدن بالسعي لقتل ترامب ومايك بومبيو وزير خارجيته وجون بولتون مستشار الأمن القومي، لمسؤوليتهم في قتل سليماني، سيساهم في تشديد اللهجة السياسية الترامبية مع إيران. أو بعبارة أخرى، سيساهم في رفع وتيرة القلق الإيراني من فوز ترامب.