إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
الهزيمة القاسية التي مُني بها حزب الله، نتيجةً لمغامرته الانتحارية في دعم غزّة، إلى جانب انهيار نظام الأسد في سوريا، قد سهّلت دون أي شكّ انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة وتعيين القاضي المرموق نوّاف سلام رئيسًا للوزراء، أي المسؤول عن إدارة السلطة الأجرائيّة. أمّا مسؤوليّة تشكيل الحكومة فهي على عاتق رئيس الوزراء بالتشاور مع رئيس الجمهوريّة كما ينصّ الدستور اللبناني.
آمال الشعب اللبناني في استعادة دولة تمتلك حصريّاً سلطان السيادة واستعمال القوّة المسلّحة، لا سيما في ممارسة العنف الرادع داخليًا وخارجيًا، تعتمد على أكتاف هذين الرجلين.
الحالة السوريّة في طور التعافي، بعد انهيار النظام الأسدي، وتقدّم نموذجًا يُحتذى به، إذ إن سوريّا تبدو قادرة على النهوض من كبوتها أسرع من لبنان، بعدما تخلّصت من خمسةٍ وخمسين عامًا من أحد أفظع الأنظمة في التاريخ الحديث.
أما لبنان، فلم يقطع بعد صلته نهائيًا بماضٍ مهترئ يرفض الانسحاب من التاريخ. فلا يزال الإقطاع التقليدي مهيمنًا، والمحسوبيّة تجاه القوى الخارجية ثابتة في معادلة السياسة اللبنانية البائسة. أما الهوية الوطنية اللبنانية، فتكاد تكون شعارًا أجوف. فمنذ إعلان “لبنان الكبير” عام 1920، لم ينجح اللبنانيّون في بناء وحدة هويّتهم الوطنيّة الرصينة، بل ظلوا مجرّد مجموعات طائفية تعتبر نفسها كيانات سيّاسيّة متنافسة ومتصارعة، وليس كُتلَ حجارة صلبة في نفس البناء الوطني الشامل. وهذا ما يفسّر كيف أصبح مفهوم الدولة مرادف لمفهوم غنيمةً حرب يتنازع الفرقاء على فتاتها.
لقد كشفت الحملة الجنونيّة المدعوةّ “إسناد غزّة” التي شنّها حزب الله، وما استتبعتها من ردٍّ إسرائيليٍّ مدمّر، زيف التعايش القائم في لبنان على منطق القبائل المتجاورة لا المواطنين المتساوين والذين ينعمون بالعيش الواحد سويّاً بحماية دولة الحقوق المدنيّة الوطنيّة الدستوريّة. فالحرب الأهليّة، التي اندلعت عام 1975، لم تنتهِ بعد، والانقسام العمودي الذي يمزّق الكيان اللبناني لم تلتئم جرحه. ولم يُسهم قانون العفو الجائر الذي أعقب الحرب سوى في تسليم البلاد إلى أمراء الطوائف المتصارعة في حروب عبثية.
إن الخلاف العميق والجذري لا يزال قائمًا حول ما يسميه “جوليان فرويند” (Julien Freund )”جوهر السياسة“، أي مفهوم “العيش المشترك أو المعيّة” في كيانٍ واحد يحكمه قانون موحّد. وتدور معضلة الصراع اللبناني حول المبادئ الثلاثة الأساسيّة التي وضعها فرويند:
- أوّلاً مبدأ الطاعة: “أنا أحكم اليوم، لكنني أقبل أن أُحكَم غدًا“. فهل من سبيلٍ لمشاركة الثنائي أمل – حزب الله بهذه القناعة المواطنيّة السليمة؟
- ثانياً، التمييز بين المجالين الخاص والعام: إذ إن السلوك المافيوي الذي تنتهجه الطبقة السياسيّة اللبنانيّة يمثّل الوجه الأكثر بشاعة لهذا الخلل.
ï ثالثاّ، تحديد الصديق والعدو: وهو خيارٌ سياديٌّ بامتياز، لا يحقّ اتخاذه إلاّ للدولة وحدها، بينما يتحدّاه الثنائي المذهبي بما يسمّى زورًا “الميثاقيّة” التي لم تعد تخدم المصلحة العامة، إذ قد تحوّلت إلى أداةٍ لتعطيل المؤسّسات وفرض هيمنة فريق لا يعرف إلاّ منطق الغلبة.
ما يعرف بالأمّة الوطنيّة هي كيانٌ موحّدٌ يقوم على المشاركة والتوافق حول هذه المبادئ الثلاثة. وكل جماعة أو مجموعة في الوطن لا تلتزم بها تُعتبر، من حيث المبدأ، إما عدوًا خارجيًا أو متمرّدًا داخليًا. وهنا تكمن “مشكلة تربيع الدائرة” التي تواجه تشكيل حكومة نوّاف سلام المقبلة.
إن هكذا انقسام عامودي خَلقَ في لبنان معسكرين متعارضين ومتصارعين. فمن جهة، ثنائي أمل – حزب الله، الذي يتصرّف كدويلة داخل الدولة، مستعيناً بزبائنه السياسيين الانتهازيين لممارسة شعبويةٍ فجّة تقوم على مبدأ: “القوة تعلو على القانون.” ومن الجهة الأخرى، هناك المواطنون الذين لا يزالون عاجزين عن التحرّر من قيود الإقطاع الريفي، الذي ربّما كان ملائمًا لضمان النظام العام في “لبنان الصغير” خلال القرن التاسع عشر، لكنه أصبح معطِّلاً وسامًّا في عالمٍ تحكمه قوانين السوق واقتصاد لا يرحم.
عند تسلّمه مهامه، أعلن القاضي المرموق نوّاف سلام ولاءه لمسقط رأسه،مدينة بيروت، “أمّ الشرائع“، تلك المدينة التي تغنّى بها في القرن الخامس الشاعر نونّوس بانوبوليس (Nonnos de Panopolis) قائلاً:
« إن الفتنة التي تدمّر الدول لن تتوقّف عن تقويض السلام إلا عندما تقوم مدينة بيروت، حارسة القانون ، كقاضٍ في الأرض وعلى البحار، فتُحصِّن المدن والدول بسورٍ من شرائعها ».
هكذا خطاب لا يُفهم من قبل ثنائي أمل – حزب الله وسائر القوى التقليدية اللبنانيّة التي نهبت الدولة والمواطن. فلا سبيل إلى إعادة بناء دولة القانون إلا باستعادة سلطان الدولة وحصريّة أستعمال العنف المسلّح، لا عبر الحوارات التوافقية، بل عبر الحزم الصارم المستند إلى قناعة راسخة وإرادة سيّاسيّة صلبة.
صحيحٌ أن الأزمة اللبنانية مرتبطة بعوامل خارجية، غير أن العوامل الداخلية هي الأشد صعوبةً في تفكيكها وحلّها. وتبدو مهمة نوّاف سلام أشبه بما ورد في سرديّات الميثولوجيا الإغريقيّة عن المهمة الشاقة للبطل “هرقل“، المكلّف بتنظيف إسطبلات “أوجياس” من قاذوراتها المتراكمة على مدى عقودٍ طويلة.
وقت بيكون ياسين جابر وزير المال مع 3 وزراء يسميهم نبيه بري ووفيق صفا، والوزير الشيعي الخامس بيسميه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بالاتفاق مع الثنائي يعني تأكيد ان نواف سلام نسخة عن حسان دياب بعتذر كتير من الدكتور قربان تخبز بالافراح
في الأسطبل اما حمير صابرة ، اما جحاش قادرة و اما أحصنة ماهرة…نحن في مواخير قذرة..
استهل دافيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى، مقاله الأخير المنشور هنا على الشفاف بعبارة قوية: « لا يتمتع كل من الرئيس الجديد ورئيس الوزراء بسجل قوي في مواجهة “حزب الله”! وهنا بيت القصيد فالمرحلة الحالية هي مرحلة تصفية حالة « التمرّد » على السلطة الشرعية داخلياً، أي ما يعادل إنهاء دويلة « التاميل » في شرق وشمال سريلانكا التي دامت 26 عاماً. أما خارجياً فقد تعهدت الولايات المتحدة بمنع إيران من إعادة التمركز في لبنان على نحو يُجهض إتفاقية إستسلام حزب الله.عملياً، الرئيسان يتمتّعان الآن بثقة اللبنانيين الذين شكّل « خطاب القسم » صدمة إيجابية هللوا لها بالإجماع. المطلوب حكومة قوية تقول « لا » لمشروع نبيه… قراءة المزيد ..
أعتقد أن على القاضي المرموق رئيس حكومة لبنان المكلف نواف سلام العودة الى ممارسة مهنة القضاء، إذ اتضح ان لا شأن له في زواريب السياسة اللبنانية. فهو دخل بقدميه الى ملعب السياسيين اللبنانيين، وهو ليس منهم، ولا يعرف كنه مكنونانتهم، وهم بطبيعة الحال أعرف منه بطبيعة الميدان الذي استدرجوه اليه وسيهزمونه حتما، وهو تاليا لن يستطيع تنظيف اي اسطبل، بل سيكون في احسن الاحوال، نسخة منقحة عن سلفه السيء الذكر حسان دياب. كان الاجدر بالرئيس المكلف ان يعكف على تشكيل حكومة يكون وزراؤها على صورته ومثاله، فهو تولى المنصب من خارج النادي السياسي، فلماذا أوقع نفسه في وحول المحاصصات والطائفة… قراءة المزيد ..