إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
لقد اغتَصبَ “نبيه بِرّي”، رئيسُ مجلسِ النواب اللبناني، مَنصِبَهُ لفترة طويلةٍ جدًا.
فقد استخدمَ النظامَ السوري بقيادة حافظ الأسد، ثم النظامَ بقيادة بشار الأسد، للبقاء في السلطة والتحول إلى قوة هائلة على الساحة السياسية اللبنانية. بعد عام 2011، أصبح بعيدًا عن النظام السوري، فاستلم “حزب الله” رايةَ تعزيز سلطته في السياسة اللبنانية كوسيلة لإتمام سيطرته على جميع مؤسسات الدولة.
من “قانون الانتخابات” إلى تعيينات القضاء، والترقيات العسكرية، إلى اختيار/انتخاب رئيس الجمهورية، تَصرَّفَ “بِرّي” كحصان طروادة لحزب الله. وفي بعض الأحيان، كانت هناك بعض التوترات بين مؤيدي “بِرّي” ومؤيدي حزب الله. ولكن تلك الصراعات كانت في الغالب صراعاتٍ على النفوذ في تهريب البضائع، والمضاربة على العملات، والابتزاز، وليست ذات طابع سياسي. ورغم أن أنصار “بِرّي” لا يتبعون أوامر النظام الثيوقراطي الإيراني، ولا يؤمنون بالمفاهيم الغريبة لـ”ولاية الفقيه”، إلا أنهم يتشاركون نفس “المعتقدات” (!) في ما يتعلق باستغلال المناصب الرسمية في الدولة والتمتع بالثروات التي تأتي معها.
فبينما أظهر حزب الله استعداده لنقل مقاتليه من اليمن إلى العراق، ومن سوريا إلى جنوب لبنان، كانت “حركة أمل” شريكًا “سمينًاً” في هذه الخطة التي قسمت الغنائم بين الحركتين الشيعتين.
وجدت النخبة السياسية اللبنانية في بري “منطقة عازلة” مفيدة للغاية. إذ كان معظم السياسيين، باستثناء ميشال عون الذي ظن بغباء أنه يستطيع أن يخلق هوة بين المجموعتين الشيعتين، يذعنون لـ”بِرّي”. فقد اعتمدوه بصفة “المترجم الرسمي” لطموحاتهم السياسية مع حزب الله، بما في ذلك سلسلة من رؤساء الوزراء، الوزراء، وأعضاء البرلمان، وكبار المسؤولين في الخدمات المدنية والعسكرية. لذا، كانت مهمة بري هي “مراقبة” السياسيين اللبنانيين، وقد استمتع بهذا الدور.
الآن، الوضع تَغيَّر: أصبح “حزب الله” مفككًا، سواء جسديًا أو عسكريًا، وبات رعاتُه الإقليميون في إيران مهددين وجوديًا. ونتيجة لذلك، أصبح بري رئيسًا لـ”دار أيتام” من مقاتلي حزب الله السابقين، وداعمي الأسد السابقين، و”مافيا” سياسية لبنانية لا يمكنها أن تقدم له الدعم ولا أن تستخلص منه أي فائدة.
ظن “بِرّي” أنه مع الانتهاء من تحديد الحدود البحرية مع إسرائيل، وقبول شروط الهدنة الأخيرة الصارمة، ولامبالاة المعارضة السياسية، يمكنه أن يظل “إمبراطور” السياسة اللبنانية!
وهذا يذكرنا بقصة، سردها لأول مرة “هانس كريستيان أندرسن” في عام 1837، وكانت نقدًا للأعراف الاجتماعية.
تَدورُ القصة في زمن كان فيه إمبراطور مهووسًا بالحصول على ملابس فاخرة على حساب رفاهية مملكته. وصل إلى العاصمة اثنان من المحتالين، متظاهرين بأنهما نسّاجان، وادعيا أنهما يصنعان ملابس رائعة لا يراها إلا من هو كفؤ أو حكيم. وافق الإمبراطور، الذي كان مسحورًا برغبته في العظمة على عرضهما، وجاب المدينة في “ملابسه الجديدة”، وكان رعاياه، خوفًا من السخرية، يسايرون هذا الوهم. ولم تتكشّف الحقيقة إلا عندما أشار طفلٌ بريء إلى أن الإمبراطور لا يرتدي شيئًا على الإطلاق!
متى سيصرخ طفل من روضة السياسة اللبنانية قائلاً “الإمبراطور عارٍ”؟!
لقد حان الوقت ليقولها أحدهم.