عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ومن خلال كتاب من القطع المتوسط عدد صفحاته 156 صفحة، صدرت مؤخرا رواية جديدة للباحث البحريني الدكتور عبدالله المدني، هي الرابعة له من بعد روايات “في شقتنا خادمة حامل”، “بولقلق”، “محمد صالح وبناته الثلاث: شهربان وخير النساء وفاطمة جل”.
والرواية الجديدة التي تحمل إسم “من المكلا إلى الخبر”، ويحمل غلافها الأمامي صورة فوتوغرافية مدمجة للمدينتين الحضرمية والسعودية، تحاول – مثلما حاول المؤلف في كل رواياته السابقة – أن تؤرخ إجتماعيا وسياسيا لحقبة زمنية صعبة ومتشابكة الأحداث، وذلك من خلال ثلاث شخصيات رئيسية هي: بطل الرواية الشاب الحضرمي “سالمين باسامر” الذي يهاجر من مدينته المكلا في أواخر الخمسينات إلى البلاد السعودية، بحثا عن الثراء، فيبدأ بدايات متواضعة، قبل أن يقوده كفاحه ومثابرته وذكاءه إلى التحول إلى إسم مرموق في عالم المال والأعمال. والصبي السعودي المراهق “سعد الدوسري” الذي يرتبط بسالمين بعلاقة تتعدى روابط الجيرة إلى الإرتباط الفكري والإيديولوجي. والفتاة الفلسطينية “سها” التي تعيش أسرتها في الحي نفسه الذي يحتضن سالمين وسعد، مما يجعلها موضوعا للتنافس الغرامي بينهما إلى أن يظفر بها سالمين أخيرا، بفعل ثرائه.
الرواية بها الكثير من الشروحات والمعلومات والحوارات والأسماء والصور التي تساعد القاريء على تشكيل مشاهد مكتملة عن حقبتي الخمسينات والستينات في تاريخ مدينتي المكلا والخبر، فضلا عما جرى من تطورات إجتماعية وإقتصادية وسياسية للمدينتين في الحقب التالية، وإن كان التركيز على الخبر أكبر بحكم كونها المكان الذي يجري فيه معظم أحداث الرواية.
من أجواء الرواية، وبحسب النص المدون على الغلاف الخلفي نقرأ ما يلي:
“خلال أقل من عامين استطاع “سالمين باسامر” أن يعزز مركزه التجاري ، ويكسب ثقة الكثيرين ، ويبنى لنفسه سمعة حسنة ، وذلك على حساب جاره ومواطنه ومنافسه في التجارة “سعيد بادريس” الذي كان يمثل لمعظم سكان “الفريج” كتلة من الأسرار ، خصوصا وأن جسمه الممتلـيء ، وبشرته الداكنة ، ووجه المحفور بآثار مرض الجدري ، وعينيه الجاحظتين المُحـْمـَرّتين على الدوام ، وقلة حديثه ، وندرة خروجه من دكانه ، كانت تثير الشك والخوف عند كل من يتعامل معه. ولعل ما زاد من حيرة ذلك المجتمع الصغير حيال هذا الرجل الغامض هو أنه كان يغيب لفترات طويلة داخل المساحة المخصصة لنومه ضمن نطاق دكانه ، تاركا باب الدكان موارباً.
قال البعض أن سعيداً ربما يتصيد صبية “الفريج” الصغار ويغريهم بالحلويات أوالمياه الغازية أوالألعاب المجانية ليدخلهم الى مخدعه من أجل ممارسة اللواط، البعض الآخر استنكر مثل هذا الاتهام بحق رجل مسالم لم ير أحد قط منه شيئاً مسيئا ، مضيفين أن الأيام سوف تكشف سره ، انْ كان هناك ثمة سر.
لم يمض وقت طويل الا واللثام يـُماط عن السر، حدث ذلك حينما داهمت الشرطة الدينية في ظهيرة أحد الأيام دكان سعيد ، واعتقلته ، وأخرجته أمام الملأ المتجمهر وهو مكبل اليدين ، فيما تم اغلاق محله بالشمع الأحمر. تبين حينذاك فقط أن الرجل بريء تماما من تهمة ممارسة اللواط. تبين للجميع أن سبب غيابه المتكرر والطويل داخل مخدعه البائس ، المؤثث بسرير حديدي قديم ، وطاولة خشبية مهترئة ، وموقد بدائي لطبخ الشاي وتسخين الفول ، كان فقط من أجل تناول جرعات من الخمور المحلية التي كان يعدها بنفسه ، بل ويروجها بيعاً في أوساط من يثق فيهم من أبناء الجاليات الوافدة”.
انتابت سالمين مشاعر متباينة إزاء هذا الحدث. فمن جهة كان حزينا لما سوف يؤول إليه مصير سعيد، وهو السجن ثم الجلد فالتسفير إلى خارج البلاد، لكنه من جهة أخرى أخرى بدا فرحا بزوال منافس خطير من طريقه. منذ تلك اللحظة بدأ سالمين يتحرك ويخطط لوضع يده على دكان سعيد كي ينقل إليه تجارته.
حينما صدر الحكم بجلد سعيد 80 جلدة لشربه وبيعه “المنكر” تجمهر عدد كبير من سكان وصبية “الفريج” وغيرهم من الفضوليين أمام الجامع الكبير في “الخبر” لمشاهدة العملية من ألفها إلى يائها. كانت أحكام الجلد وقطع الأطراف الصادرة بحق مروجي وصانعي وشاربي الخمور، والسراق، واللصوص، وممارسي الزنا واللواط تنفذ في تلك الأيام على مرأى من الناس بعد صلاة يوم الجمعة لتكون عبرة وعظة”.