إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(وسط الخراب والدمار: مَطلبُ المواطن اللبناني هو “الدولة” التي يرفع علمها، فهل تَخذِلَه “الدولة” مجدداً؟)
*
ذ
تتضمن دراسة نشرها “معهد واشنطن” في 28 يناير (أي قبل 4 أيام فقط) معلوماتٍ خطيرة عن إتفاق الهدنة لا يعرف اللبنانيون معظمها. ويتبيّن من الدراسة أن “مناورات” السياسيين اللبنانيين، أي رئيس الحكومة المكلّف في وادٍ، والوضع الميداني في وادٍ آخر !!
كاتبُ الدراسة ليس من صنف بعض “الجنرالات اللبنانيين”، وكلهم “خبراء إستراتيجيون” مزعومون (!!)، الذين تستضفيهم قناة “الجزيرة”: العميد “أساف أوريون” عمل كحلقة وصل مع الجيوش المجاورة وقوات حفظ السلام في المنطقة. وتم تعيينه مؤخرًا رئيسًا للقسم الاستراتيجي في مديرية التخطيط التابعة لهيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي. وفي هذا المنصب، كان مسؤولًا عن الاتصالات مع قوات اليونيفيل والجيش اللبناني. واستناداً إلى دراساته المنشورة السابقة، يُمكن إعتباره من “المعتدلين”، وليس من “الصقور” في إسرائيل.
بعد دقائق سينشر “الشفاف” دراسة الجنرال الإسرائيلي بالإنكليزية، ولكننا قمنا بتلخيص أبرز ما ورد فيها هنا لأن اللبنانيون سأموا من تحويل موضوع تشكيل أول حكومة لعهد الرئيس جوزيف عون إلى صراع حول ما إذا كان يحق لنبيه بري تعيين وزير مالية يسمح له ولحزب الله بمواصلة نهب الدولة كما فعلوا منذ 20 عاماً! “زهقنا”!
1ـ إتفاقية الهدنة تضمّنت خريطة تفصيلية ومذكرة جانبية غير معلنة بين أميركا وإسرائيل.
تضمنت اتفاقية الهدنة إنشاء آلية دولية لرصد وتنفيذ بقيادة الولايات المتحدة (IMIM) بمشاركة إسرائيل ولبنان وفرنسا وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). كما نصت الاتفاقية على أنه خلال فترة التنفيذ التي مدتها ستين يومًا، ستنسحب إسرائيل وحزب الله تدريجيًا من جنوب لبنان، وستقوم القوات المسلحة اللبنانية (LAF) بالانتشار في المنطقة بدعم من يونيفيل وتفكيك أسلحة حزب الله هناك.
مرفقة بالاتفاقية كانت خريطة للمنطقة المعنية، معظمها جنوب نهر الليطاني لكن تم توسيعها إلى الشمال بعدة كيلومترات في المنطقة المقابلة لـ”المطلة”. وقد أصرّ الرئيس نجيب ميقاتي، ومثله حزب الله، على عدم الإعتراف بان الخريطة جزء من إتفاقية الهدنة.
2ـ مذكّرة أميركية غير مُعلنة وخطيرة جدا إلى إسرائيل
في مذكرة جانبية إلى القدس، تم تسريب أجزاء منها، تعهدت واشنطن بالسماح لإسرائيل بالرد على التهديدات وفقًا للقانون الدولي والتصرف في أي وقت ضد الانتهاكات في جنوب لبنان. وفي باقي لبنان، سُمح لها بالرد على انتهاكات حزب الله التي لا تعالجها القوات المسلحة اللبنانية، بعد إشعار الولايات المتحدة.
تعبير “تم تسريب أجزاء منها” يعني أن هنالك تعهدات أميركية غير معلنة أخرى لصالح إسرائيل، ربما يكون بينها تزويد إسرائيل بقنابل ضخمة لتدمير الأنفاق التي أمر الرئيس ترامب بتسليمها لجيش إسرائيل.. وبنود أخرى.
كما تعهدت واشنطن بما يلي:
ـ منع إيران من تأسيس وجودٍ لها في لبنان وتقويض الاتفاق؛ (عملياً هذا اعتراف أميركي جديد باستقلال لبنان! هل يفهم ذلك السياسيون اللبنانيون في السلطة وخارجها؟)
ـ تزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية حول الانتهاكات وحول اختراق حزب الله للقوات المسلحة اللبنانية (هل كان كشفُ تواطؤ مسؤول مخابرات الجيش اللبناني في جنوب لبنان، العقيد سهيل بهيج حرب مع حزب الله بمثابة تنفيذ لهذا التعهّد الأميركي؟)
ـ والاعتراف بحق إسرائيل في إجراء رحلات استطلاع فوق لبنان طالما أنها لا تتجاوز حاجز الصوت.
3ـ بالنسبة لإعادة الإعمار: إسرائيل تعتبر كل منزل تم استخدامه لأغراض عسكرية سابقًا بنية تحتية إرهابية لا ينبغي إعادة بنائه. (لا يرد ذلك في الإتفاقية، ولكن إسرائيل تمارس ذلك كل يوم تقريباً.. وحتى الآن. وقد يكون ذلك سبب استمرارها في تدمير وإحراق البيوت حتى اليوم).
4ـ ماذا حدث أثناء شهري الهدنة؟
خلال فترة الهدنة، استجابت إسرائيل بقوة لانتهاكات حزب الله—على ما يبدو بعد إبلاغها من قبل اللجنة الدولية—ما أدى إلى تدمير العشرات من المواقع العسكرية وقتل حوالي 50 من مقاتلي حزب الله الذين دخلوا الجنوب أو حاولوا إزالة الأسلحة من المنطقة. في منتصف يناير، أفادت إسرائيل أن اللجنة تناولت 65 بالمئة من الشكاوى المقدمة إليها، وأن إسرائيل استجابت لانتهاكات لم تعالجها القوات المسلحة اللبنانية خلال 72 ساعة.
قامت القوات المسلحة اللبنانية (LAF) بتعبئة ستة آلاف جندي وبدأت في نشرهم في الأماكن التي تم إخلاؤها من قبل الجيش الإسرائيلي. كما قامت وحدات الجيش اللبناني بتنفيذ حوالي 500 مهمة للكشف عن مواقع حزب الله ودمّرت معظم البنية التحتية العسكرية الخاصة بالمجموعة جنوب الليطاني دون مقاومة. وفقًا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اكتشفت يونيفيل أكثر من مئة مخزن أسلحة تابعة لحزب الله ومجموعات أخرى منذ 27 نوفمبر.
5ـ ـ من غير الواضح كيف يتعامل الجيش اللبناني مع الأسلحة التي يصادرها لضمان عدم عودتها إلى حزب الله، كما يحدث في كثير من الأحيان في لبنان. وهنا يقصد الجنرال الإسرائيلي، تحديداً، قرار القاضية مايا كنعان، زوجة وزير الثقافة اللبناني المتأيرن بإعادة حمولة “باصين” يحملان مسيّرات مفخخة كانت قوى الأمن صادرتهما، إلى حزب الله.
6ـ الخريطة ونزع سلاح الحزب في شمال الليطاني جزء من إتفاق الهدنة:
موقف حزب الله المعارض للوضع الجديد لا ينبع فقط من تصرفات إسرائيل، بل أيضاً من.. من الإنكار. يُؤكد المتحدثون باسم حزب الله مراراً وتكراراً أن الاتفاق هو مجرد تنفيذ لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 ويتعلق فقط بالمنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، متجاهلين الخريطة التي هي جزء من الاتفاق وكذلك مطلب نزع سلاح الحزب. رئيس الوزراء المنتهية ولايته نجيب ميقاتي جادلَ بأن الخريطة التي تشمل منطقة شمال النهر ليست جزءاً من الاتفاق. ومع ذلك، صرح مستشار الرئيس ترامب للشرق الأوسط، مسعد بولس، بأن “هناك سوء فهم، خاصة من جانب لبنان” وأنه “وفقاً للاتفاق، يجب تفكيك جميع الجماعات المسلحة، بما في ذلك حزب الله، وهذه المهمة موكلة للجيش اللبناني—بما في ذلك شمال نهر الليطاني.”
7ـ العواقب الخطيرة لعدم التزام الجيش اللبناني بتعهداته في نزع كل سلاح حزب الله في جنوب لبنان: منذ بداية وقف إطلاق النار، شككت إسرائيل في قدرة الجيش اللبناني على الوفاء بالتزاماته خلال ستين يومًا، وبالتالي في قدرتها على الانسحاب خلال تلك الفترة. كما نظرت في الاحتفاظ بالسيطرة على عدة مرتفعات استراتيجية في جنوب لبنان. بكلام آخر، أي “شطارة” من جانب الحكومة اللبنانية، والجيش اللبناني، ورئيس الحكومة المكلّف، ستكلّف لبنان إحتلالاً إسرائيلياً دائماً لأراضٍ لبنانية على الحدود.
المستقبل القريب: “من الواضح أن حزب الله سيستغل أي نزاع للطعن في شرعية الرئيس الجديد للبنان ورئيس وزرائه وحكومته، متهمًا إياهما بالفشل في الدفاع عن البلاد وسيادتها. لاحقًا، قد يسعى الحزب لاستعادة أهميته من خلال استخدام القوة.
ورغم التنسيق الحالي بين الولايات المتحدة وحليفتها الوثيقة إسرائيل، فإن الاحتكاك التكتيكي المستمر قد يؤدي إلى توتر بينهما.
بالنسبة للمستقبل الأبعد:
يجب أن يكون الأفق الاستراتيجي لإسرائيل ولبنان هو إقامة علاقات سلمية، ويجب السعي بصبر لتحقيق الظروف اللازمة لتحقيق هذا الهدف. بالإضافة إلى ذلك:
ـ يجب ضمان تنفيذ الاتفاق بعد انسحاب إسرائيل. يجب على الحكومة اللبنانية أن توجه جيشها علنًا للوفاء بالتزاماته ونزع سلاح حزب الله، في البداية في جنوب لبنان.
ـ يجب عليها أيضًا المطالبة بأن تقوم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بالعمل على تنفيذ مهمتها—بشكل مستقل وبالتعاون مع الجيش اللبناني، بما في ذلك في المناطق التي حاولت لبنان تعريفها على أنها “ممتلكات خاصة” ومناطق محظورة.
ـ يجب أن تكون أي مساعدة للبنان وأي دعم للجيش اللبناني مشروطة بالوفاء بالتزاماتهما بموجب اتفاق وقف إطلاق النار وقرار 1701.