إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
أنقرةـ “خاص بالشفاف”
مع اقتراب تركيا من لحظة حسابٍ انتخابي، فقد أثار اعتقال محافظ إستانبول « أكرم إمام أوغلو»ـ قبل أيام قليلة من اختياره المتوقع كمرشّح وحيد عن المعارضة للإنتخابات الرئاسية ـ قلاقلَ واسعة في تركيا، وقلقاً عالمياً. وجاءت تلك الخطوة، متضافرة مع سحب شهادته الجامعية ومع اتهامه بالإرهاب، لتمثلّ ما يتجاوز الهجمات الشخصية إلى محاولة منظّمة لتفكيك المعارضة الديمقراطية. وانطلاقاً من خلفية تشديدِ قبضة أردوغان، وتدهور الاقتصاد، وتصاعد السياسات السُلطوية في أنحاء مختلفة من العالم، يستكشفُ هذا التحليل كيف تعكس الأزمة الحالية في تركيا تحوّلًا عالميًا أوسع—ولماذا قد يتردد صداها خارج حدود تركيا في المستقبل.
من الديمقراطية إلى الاستبداد: أسلوب أردوغان
إن مسيرة رجب طيب أردوغان من رئيس بلدية إستانبول في تسعينيات القرن الماضي إلى رئيس تركيا ذي السلطة المطلقة هي مثال نموذجي لكيفية تحويل المؤسسات الديمقراطية إلى أدوات تخدم الاستبداد. لقد كان إردوغان ذاتَ يوم رمزًا للطموحات الديمقراطية للإسلام السياسي، لكنه بات اليوم يمثل تحذيرًا واضحًا مفاده أن الانتخابات وحدها لا تضمن الديمقراطية عندما يتمُّ تفكيك سيادة القانون وحرية الصحافة واستقلال القضاء بشكل منهجي.
إن اعتقال أكرم إمام أوغلو—بتهم واسعة تشمل الفساد والإرهاب وحتى بفضيحة مزعومة تتعلق بشهادته الجامعية—يمثل تكراراً لاستراتيجية النظام المعهودة في تحييد الخصوم قبل أن يصبحوا تهديدًا. إنها نفس الخطة التي استُخدمت ضد “صلاح الدين دميرتاش”، الزعيم المسجون لـ”حزب الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد. كما استُخدمت ضد الصحفيين، والأساتذة، ورؤساء البلديات. لقد تم إفراغ مؤسسات الدولة من جوهرها، وأعيد تشكيلها كأدوات للبقاء السياسي.
لم يعد وصف المعارضين السياسيين بأنهم “إرهابيون” مجرد تكتيك للتخويف؛ بل أصبح الأسلوب الطبيعي للنظام. إلغاء الشهادة الجامعية لإمام أوغلو—وهي شرط قانوني للترشح للرئاسة—قبل أيام فقط من المؤتمر العام لحزب الشعب الجمهوري في 23 مارس، حيث كان المرشح الوحيد المؤكد، ليس قضية قانونية. إنه مجرد خدعة استبدادية، ضربة بيروقراطية تستهدف صندوق الاقتراع مباشرة.
انقلاب “28 فبراير” ما بعد الحداثي بالمقلوب
ما يحدث في تركيا اليوم يحمل تشابهًا مخيفًا مع “الانقلاب ما بعد الحداثي” الذي وقع في تركيا في 28 فبراير 1997—لكن هذه المرة، استُبدل الجنرالات ذوي الزي العسكري بالرداء الأسود والحقائب الجلدية. في ذلك الوقت، أُطيحَ بمعلم أردوغان، من خلال ضغوط مؤسسية ونُخبوية. الآن، يبدو أن أردوغان يعيد استخدام نفس الأدوات، لكن هذه المرة لسحق خصومه.
إنه انقلاب بطيء الحركة. لا دبابات، ولا بيانات رسمية. فقط قضاء مُسيَّس، وإعلام خاضع للإرهاب، ومجتمع مدني تحت الحصار. هذه ليست ديمقراطية في خطر—بل ديمقراطية تتم خيانتها من الداخل.
ولا يمكن أن تكون الرهانات أعلى مما هي عليه اليوم. ففي 23 مارس، كان من المتوقع أن يعلنَ حزب الشعب الجمهوري رسميًا ترشيح أكرم إمام أوغلو كمرشح رئاسي للانتخابات الوطنية القادمة. إنه المرشح الوحيد، وكان ينبغي أن يكون ترشيحه لحظة زخم وتوحيدٍ للحزب. لكن بدلاً من ذلك، ألغت الحكومة شهادته الجامعية، واحتجزته، وعرّضته لخطر الحظر السياسي. لم ينتظر أردوغان بدء الحملة الانتخابية—بل وجّه الضربة الاستباقية.
اضطرابات اجتماعية وتعتيم إعلامي: الخوف من الشعب
ذُعرُ النظامِ واضح. فبعد اعتقال إمام أوغلو، أغلقت الحكومة الطرق، وحظرت الاحتجاجات، وقيّدت الوصول إلى “إكس:” ويوتيوب، وتيك توك، وإنستغرام. هذه ليست إجراءات أمنية—بل اعترافات بالخوف. فالشعب، وليس المعارضة، هو ما يرعبُ النظام.
وردّ الشعب بقوة. خرج الآلاف إلى الشوارع في منطقة سرايبرنة بإستانبول. واندلعت مظاهرات في المدن الكبرى، من جامعة الشرق الأوسط التقنية” في أنقرة، إلى إزمير وطرابزون. كانت الهتافات متحدية، والأجواء مشحونة بالكهرباء.” “سيأتي اليوم الذي يُحاسب فيه حزب العدالة والتنمية”، هتفوا. لم يستطع الغاز المسيل للدموع إسكاتهم.
الأمر لا يتعلق فقط بإمام أوغلو، بل يتعلق بحق المعارضة، وحرمة الصوت الانتخابي، ومستقبل جمهورية باتت في قبضة طموح رجل واحد.
“روق يا فاروق”!! يبدو لي أن صاحبك “الذي يعرف تركيا من الداخل” لا يقرأ التركية، لأنه لم يقرأ تصريح الرئيس التركي السابق عبدالله غول: “ما جرى علي انا واردوغان سابقا من ظـ.ـلم لا يجب ان يتكرر ويقع على اكرم امام اوغلو”. ولم يقرأ تصريح “فاتح أربكان” (إبن رئيس الحكومة الإسلامي الذي أطاح به الجيش): ” ليس من العدل، ولا من الصواب، أن تفرضوا على الآخرين الظلم الذي تعرضتم له في الماضي، وبصورة أشد (مخاطبا اردوغان). قد يكون صحيحاً على الأرجح أن أكرم أوغلو عنده شبكات مالية وفساد، مثل الشبكات والفساد اللذين مارسهما إردوغان حينما كان هو رئيس بلدية استانبول. والأصح أن… قراءة المزيد ..
لماذا تم اعتقال رئيس بلدية إسطنبول ؟! الحياة السياسية في تركيا معقدة، ويصعب أن تفهم حدثا فيها بدون معرفة كافية بخلفياته وبعض تشعباته، في العالم العربي اعتدنا على شيء من الكسل في التحليل للأحداث، ولدينا قوالب جاهزة لتصنيف أي حدث أو قضية في تركيا، أحيانا مع الجهل المثير للشفقة فعليا بتفاصيلها وخلفياتها، وهناك كتائب ونشطاء عرب كارهون لأردوغان أيديولوجيا وهؤلاء جاهزون بالإدانة سواء فعل أم لم يفعل، وبغض النظر عن الحقيقة والمعلومات، وما حدث في قضية اعتقال أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول هو نموذج لهذا “الهبد” على مواقع التواصل وعلى شاشات تليفزيونية أحيانا. أكرم شخصية طموحة جدا، ومغامرة، وبراجماتية… قراءة المزيد ..