قام “الشفاف” بترجمة المقال التالي لديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، لأن تحليله، واستنتاجاته، وتوصياته، تعبّر بدقّة عن تطلّعات الغالبية اللبنانية(والعربية أيضاً)، وبالأخصً عن “إحباطها” إزاء السياسات “الرسمية” للبلاد! وهذا مؤسف! ومليء بالمخاطر، الأمنية والعسكرية والإقتصادية، أيضاً! يقترح دافيد شينكر، أدناه، “إنهاء أو تقليص مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بشكل كبير”. ونحن نؤيد سحب القوات الدولية التي “يختبئ” لبنان الرسمي خلفها لمواصلة تقاعسه عن إعلاء “السيادة الوطنية”. ولا يزعجنا أبداً فرض عقوبات على إمبراطور الفساد، السيد نبيه بري! يخلص دافيد شينكر إلى أنه “لو أن بيروت أكدت أنها ستتخذ خطوات أكثر فاعلية لمصادرة ما تبقى من أسلحة حزب الله، لكان بإمكان الولايات المتحدة الضغط من أجل وقف الغارات الجوية الإسرائيلية، وانسحاب ما تبقى من القوات الإسرائيلية، وإحراز تقدم في ترسيم الحدود، وإعادة إعمار ما بعد الحرب”!
ماذا تنتظر بيروت “الرسمية”؟
بيار عقل
*
بعد أن وجَّهَت واشنطن للمسؤولين اللبنانيين إنذارًا ضروريًا لنزع سلاح حزب الله وتنفيذ الإصلاحات المالية، أصبحت الآن في خطر السماح لهم مرة أخرى بتأجيل هذه المهام الحيوية.
في 7 تموز/يوليو، سافر المبعوث الأميركي الخاص توم باراك إلى بيروت بعد ثلاثة أسابيع من تسليم الحكومة اللبنانية رسالة تطالب باتخاذ خطوات فورية لنزع سلاح حزب الله والمليشيات الأخرى. وقد تضمن إنذار 19 حزيران/يونيو خارطة طريق للتنفيذ منحت بيروت عدة أشهر لإحراز تقدم ملموس نحو هذا الهدف وبدء الإصلاحات المالية والاقتصادية، وهو ما يعكس الإحباط المتزايد في واشنطن من تعثر هذه الجهود.
وقدم لبنان ردًا أوليًا على الرسالة خلال زيارة هذا الأسبوع. وبينما لم تُعلَن التفاصيل بعد، قال باراك إنه “راضٍ بشكل لا يُصدق” عن الرد. من غير الواضح سبب هذا الرضا الكبير — إذ تشير تقارير غير مؤكدة من لبنان وإسرائيل إلى أن بيروت أعادت فقط تأكيد التزامها بنزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني بحلول الموعد المحدد، مع تأجيل نزع السلاح الكامل إلى وقت لاحق.
إذا صحت هذه الشائعات، فذلك يعني أن الجماعة الإرهابية المدعومة من إيران ستحتفظ بأسلحتها، وسيتم تأجيل — أو حتى تفويت — فرصة لبنان لتحقيق سيادته.
مناهِج متباينة
بعد أن هاجم حزب الله إسرائيل في 8 أكتوبر 2023 دعمًا لغزو حماس من غزة، ردت إسرائيل بحرب استنزاف محدودة ضد الميليشيا اللبنانية. وتصاعدت الأزمة أكثر قبل تسعة أشهر، عندما بدأت إسرائيل حملة كبيرة أدّت إلى إضعاف كبير في قيادة حزب الله وترسانته وانتشاره على الحدود. وقد خلقت هذه العمليات فرصة للسلطات اللبنانية لاتخاذ إجراءات طال انتظارها ضد الحزب، مما قد يؤدي إلى تقليص النفوذ الإيراني في بيروت وإقامة دولة ذات سيادة حقيقية. وفي الواقع، نص اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024 على التزام بيروت بمصادرة أسلحة حزب الله وتفكيك بنيته التحتية العسكرية في جميع أنحاء البلاد، في حين تعهّد الرئيس ورئيس الوزراء المنتخبان حديثًا بتنفيذ إصلاحات مالية شاملة.
ومع ذلك، فإن الأشهر التي تلت ذلك قد كشفت بوضوح عن تباين في وجهات النظر بين واشنطن وبيروت بشأن مدى إلحاح هذه الإجراءات. فقد رأت إدارة ترامب – بشكل صحيح – أن اللحظة المناسبة لاتخاذ خطوات جريئة هي الآن، لأن حزب الله في أضعف حالاته منذ عقود، لكنه قد يعيد بناء نفسه من جديد في حال لم تبادر السلطات اللبنانية إلى ترسيخ هذا التراجع، كما فعل بعد حرب عام 2006. غير أن بيروت بدت وكأنها ترى أن تجنّب مواجهة كبرى مع حزب الله أكثر إلحاحًا من نزع سلاحه، وهو استنتاج يستند ليس فقط إلى التاريخ المعروف للحزب في اغتيال خصومه السياسيين، بل أيضًا إلى مخاوف أوسع من إحياء الحرب الأهلية التي خمدت منذ زمن بعيد.
منذ البداية، صرّح الرئيس جوزيف عون بأن بيروت لن تقوم بنزع سلاح حزب الله بالقوة. وبدلاً من ذلك، سعى لإقناع الميليشيا بالتخلي عن سلاحها من خلال المفاوضات أو الاندماج في الجيش اللبناني. إلا أن كلا النهجين يواجهان مشكلات. إذ إن دمج حزب الله في الجيش اللبناني قد يُعرض واحدة من المؤسسات الوطنية القليلة التي لا تزال فاعلة في لبنان للخطر. علاوة على ذلك، أثبتت العقود الماضية أن مثل هذا الحوار ليس إلا وسيلة معتادة للمماطلة من قبل حزب الله والحكومات اللبنانية المتعاقبة، حيث يعامل الحزب النقاش حول “استراتيجية دفاع وطني” كمرادف للاحتفاظ بترسانته بل وتوسيعها.
اليوم، يقول حزب الله إنه لا يهتم بنزع سلاحه—وقد أشار نائب الأمين العام نعيم قاسم إلى أن الحزب لن يناقش “استراتيجية دفاع وطني” أو مصير أسلحته حتى تنسحب إسرائيل بالكامل من الأراضي اللبنانية. أما فيما يخص إنذار باراك، فقد صرح قاسم قائلاً: “لدينا الحق أن نقول ‘لا’ لهم، و’لا’ لأمريكا، و’لا’ لإسرائيل”. وخلال مسيرة أقيمت في بيروت في الخامس من تموز لإحياء ذكرى عاشوراء، أظهر أعضاء حزب الله تحدياً واضحاً من خلال تجولهم في شوارع العاصمة حاملين أسلحتهم.
فقدان الزخم
إن الوضع الحالي محبط بشكل خاص بالنظر إلى التفاؤل الأميركي والإسرائيلي الذي أعقب وقف إطلاق النار في نوفمبر. في البداية، كانت القوات المسلحة اللبنانية (LAF) تستجيب بشكل فعّال للطلبات، حيث صادرت مرارًا أسلحة تابعة لحزب الله وفككت بنيته التحتية عند الإبلاغ عن مواقعها من قِبل آلية وقف إطلاق النار التي يقودها الأميركيون وتعتمد بدرجة كبيرة على الاستخبارات الإسرائيلية. وعلى الرغم من حرصها على تجنب المواجهة، فقد كانت القوات المسلحة اللبنانية فعّالة إلى حد كبير، حيث نفذت إجراءات ضد أكثر من 400 موقع تابع لحزب الله جنوب نهر الليطاني.
إلا أن الجهود لنزع سلاح الجماعة شمال الليطاني لم تكن بنفس القوة وتوقفت منذ ذلك الحين — ليس لأن القوات المسلحة اللبنانية غير راغبة، بل بسبب غياب التوجيه السياسي من بيروت.
ولم تقم الحكومة الجديدة حتى الآن بتمرير الإصلاحات المالية المطلوبة. فهناك حاجة ماسة إلى تشريعات شاملة لإنقاذ الدولة من أزمة تضمنت تراجعًا بنسبة 98٪ في قيمة العملة منذ عام 2018، وانكماشًا بنسبة 40٪ في الناتج المحلي الإجمالي، وخسائر مصرفية تقارب 80 مليار دولار. ومع ذلك، لم يصدر البرلمان—الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري، الحليف المخلص لحزب الله—سوى قانون واحد حتى الآن، وهو قانون السرية المصرفية. وعلى الرغم من الحاجة الملحة، فإن المشرّعين يترددون في اتخاذ قرارات تقشفية صعبة من المحتمل أن تكون غير شعبية قبل الانتخابات البرلمانية العام المقبل.
لقد أدى فقدان الزخم إلى إحباط داعمي لبنان الدوليين، حيث بدأت واشنطن ودول الخليج بتحويل اهتمامها إلى أولويات إقليمية أخرى. وبشكل غير متوقع، يبدو أن سوريا قد تفوقت على لبنان كخيار أكثر وعدًا. ففي زيارته للرياض في مايو، ذكر الرئيس ترامب لبنان مرة واحدة فقط علنًا، لكنه التقى مباشرة برئيس سوريا الجديد وأعلن أنه سيرفع جميع العقوبات عن دمشق. وأصبح المال الخليجي لإعادة الإعمار يتدفق الآن إلى سوريا، بينما لا يزال لبنان غارقًا في أنقاض الحرب.
بالإضافة إلى ذلك، يلتقي المسؤولون السوريون مع إسرائيل ويفكرون، حسب التقارير، في إقامة علاقات طبيعية أكثر مع القدس، في حين لا يزال المشرعون اللبنانيون يتنازعون حول أفضل طريقة لاسترضاء الميليشيا الإرهابية التي تسببت مرارًا في إنزال الدمار العسكري الإسرائيلي على بلادهم.
