لايمكن فصل السجال الدائر في لجنة صوغ البيان الوزاري اليوم عن استحقاق الرئاسة الاولى. رغم أنّ هذا النقاش ليس جديدا، فهو بدأ منذ انجاز التحرير عام 2000، أي حين أقرّت الأمم المتحدة أنّ إسرائيل نفّذت (عنوة) القرار الدولي رقم 425. ومذاك الحين بدأ السجال والنقاش الحادّ حول علاقة المقاومة بالدولة ودور هذه المقاومة في السياق اللبناني.. ولا يزال السجال مستمرا.
من بديهيات الدولة ومن أولى تعريفاتها “مركزية الإكراه“. هذه البديهية هي نفسها في الأنظمة الديمقراطية أو التوتاليتارية، ولا يمكن لأيّ سلاح شرعي على أراضيها أن يكون خارج وصايتها وسلطتها. وانطلاقا من ذلك يصبح مطلب قوى 14 آذار أن ترد منظومة “المقاومة” في البيان الوزاري مشروطة بمرجعية الدولة، مطلبا موضوعيا ومنسجما مع الخيار الذي ارتضاه اللبنانيون في الانتماء الى الكيان اللبناني أوّلا، فضلا عن تسليم القوى السياسية بالمشاركة في هذه الحكومة على أساس دستور الدولة وقانونها اللذين يحكمان العلاقة في ما بينهم من جهة، وبينهم وبين المواطنين من جهة ثانية.
السؤال البديهي الذي يفرض نفسه: هل إنّ الجالسين حول طاولة البيان الوزاري يؤمنون بالدولة أم لا؟
يفرض هذا السؤال نفسه عندما نعلم أنّ حزب الله يرفض أيّ رابط بين مرجعية الدولة وسلاحه. بمعنى أنّه يرفض أيّ عبارة ترد في البيان الوزاري تشير بوضوح إلى أنّ سلاحه أو سلاح المقاومة يجب أن يكون تحت مظلة الدولة، التي يشارك في سلطاتها.
رفض هذه العبارة يفرض علينا بحكم الدستور والقانون والمنطق سؤالا: هل بديهيات الدولة محلّ نقاش؟ وهل يؤمن حزب الله بالدولة والكيان اللبناني؟ ولماذا يرفض أيّ وصاية لمؤسساتها على سلاحه ، تلك التي قاتل ليصبح شريكا فاعلاً ومقرراً فيها؟
وبالتالي فإنّ رفض إدراج أيّ عبارة تؤكّد، ولو نظريا، التسليم بمرجعية الدولة ومؤسساتها، يحيلنا إلى استنتاج أنّ حزب الله لايريد لهذا السلاح أن يندرج في سياق حكومة المصلحة الوطنية، أو الشراكة التي طالما نادى بها في الآونة الاخيرة.
فهو يريد من أيّ رئيس جمهورية جديد، ألا يقارب هذه البديهية. يريد رئيس جمهورية لكن على شرط اللادولة واللاكيانية. إذ على كلّ طامح في الوصول إلى الرئاسة ألا يقارب قضية السلاح من مرجعية الدولة. فنموذج الرئيس ميشال سليمان مرفوض على هذا الصعيد. فلا وثيقة إعلان بعبدا مقبولة، ولا السعي إلى الاستفادة من قدرات المقاومة في الاستراتيجية الدفاعية وضمن مرجعية الدولة مستساغة أيضًا.
هذه من محاولات وضع سقف لأيّ رئيس للجمهورية يطمح إلى تطبيق الدستور وحماية الكيان وتحصينه. وهي معركة بدأها حزب الله. وهذا شرطه الوحيد على أيّ مرشح.
مجددا يؤكّد حزب الله هذه الشكوك في سلوكه السياسي. من مطالبته باعتذار رئيس الجمهورية عن محاولته تطبيق الدستور، كما نقلت عن مصادره أكثر من وسيلة إعلامية في اليومين الماضيين، إلى إصراره على استقلالية سلاحه عن الدولة، فاتحا الباب واسعا امام انطلاق دعوات مماثلة في لبنان.
فهو يذهب أكثر نحو خيار تجاوز الدولة وشروطها. ويذهب أكثر فأكثر نحو خيار المشروع المذهبي. إذ في الخطاب السياسي والثقافي المنتشر اليوم بين مناصريه ليس هناك شيء اسمه دولة لبنان. هناك مساحة جغرافية وقوّة عسكرية عليها، ترتبط ارتباطا عضويا ومقدسا بالمركز: إيران.
لم يعد المشروع هذا واضحا كما قدّمه حزب الله قبل 14 عاما، في محاولة لمزيد من التملص من الدولة والكيانية اللبنانية. فهو كان يحيل مرجعيته إلى فلسطين و”الأمّة العربية والأمّة الإسلامية”، ودائما للهروب من مرجعية الدولة، ومن اعتبار سلاحه لبنانيا.
ما يريده حزب الله هو تقاسم السلطة. سلطة يُعمل على توزيعها وتقاسم مغانمها من خارج مرجعية الدولة. لذا فإنّ النقاش في لجنة البيان الوزاري لن يستقيم بنظره طالما تمسّك الآخرون بشرط الدولة ومؤسساتها الدستورية والقانونية. إذ بعدما انفصلت المقاومة عن اللحظة الوطنية وشروطها في العام 2000، وخرجت على الكيانية اللبنانية بانخراطها في القتال بسورية في العام 2013، وخرجت عن الكيانية القومية ثم الإسلامية، باتت الكيانية المذهبية هي الخيار. خيار يتكشّف في حالة التشدّد غير المسبوق مذهبيا داخل بيئة حزب الله. حالة تمذهب تتمظهر في الوعي والسلوك، وفي مزيد من ترسيخ العلاقة العضوية والأيديولوجية مع الكيان المقدس: إيران. ولو على حساب الدولة والكيان في لبنان.
alyalamine@gmail.com
البلد