لماذا كنتُ مناهِضاً لأمريكا، ولم أعد ضدّها اليوم؟

0
إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...

 

ترجمة “شفاف”

في مقابلة قصيرة انتشرت على نطاق واسع في الفضاء الإلكتروني، سألني السيد “رائِفي بور” (أحد مُنظّري الجناح المتشدّد في إيران) سؤالاً حول معاداة أمريكا. قال لي: “في بداية الثورة، عام 1979، كتبت أنت مقالاً في جريدة “كيهان” تحت عنوان «لماذا قلنا أنه جاء دور أمريكا بعد الشاه؟»”. وأضاف: “كنتَ تؤمن بمحاربة أمريكا في ذلك اليوم، بينما اليوم لا تؤمن بذلك”! ثم تساءل مجددا: “بما أن أمريكا اليوم هي نفس أمريكا في عام 1979، فلماذا كنت، أنا، أؤمن بمحاربتها في ذلك اليوم، ولكني لا أفعل ذلك اليوم؟“.


أولاً، يجب أن أقول إن سؤال السيد “رائِفي بور” صحيح. لقد كنتُ مقتنعا بمحاربة أمريكا عام 1979، ولكن اليوم، أي عام 2024، لا أعتقد ذلك. بينما أمريكا اليوم هي نفس أمريكا الأمس. لدي إجابتان على سؤال السيد “رائِفي بور”.

إجابتي الأولى هي أن أفكار وآراء الكثير من الناس قد تتغير مع مرور الوقت. الحجر والخشب والحديد لا يتغيرون أبدًا، لكن معتقدات الناس قد تتغير بمرور الوقت. الرأي الذي كنّا نؤمن به منذ حوالي نصف قرن، ربما لم نعد نؤمن به اليوم لأسباب مختلفة، وهذا هو الحدث أو التغيير الأكثر طبيعية الذي قد يحدث لأي إنسان.

إجابتي الثانية أكثر تعقيدا وتعود إلى ما حدث بالأساس، لماذا وكيف توصلت أنا وذاك الجيل قبل 50 عاما إلى الاعتقاد بأن أمريكا هي تجسيدٌ للظلم والقسوة والعدوان ضد الإنسانية وضد البلدان الأخرى، بما في ذلك بلدنا، إيران؟ اسمحوا لي أن أبدأ مع أول واحد.

عزيزي السيد رائِفي بور، كما قلت، التغيير الأكثر طبيعية ومنطقية الذي يحدث خلال حياة الكثير من الناس هو أن آرائهم ومعتقداتهم حول مختلف القضايا تتغير. وإذا كان الأمر مبنياً على أن معتقدات الناس لا يجب أن تتغير، فإن الكثير من الناس اليوم، وفقاً لتعاليم كنيسة العصور الوسطى، يجب أن يستمروا في الإعتقاد بأن القمر والشمس والكواكب الأخرى تدور حول الأرض نظراً لقدسية الأرض ولكونها هي مركز الكون والوجود. وهو نفس الاعتقاد الذي رَوَّجت له الكنيسة خلال العصور الوسطى. أوافق على أن جوهر العلوم الطبيعية يختلف عن العلوم الإنسانية، ولكن في كليهما هناك تقدُّم. وإذا كان من المفترض أن تظل الاعتقادات التي كنت أؤمن بها وكذلك اعتقادات الغير، ثابتة لا تتغير، فما الحاجة إذن إلى العلوم الإنسانية، ودراساتها، وبحوثها؟ وما فائدتها للبشرية؟

زيبا كلام كان يعتقد قبل 46 عاماً أن أمريكا هي كذا وكذاا، ويجب محاربتها. لقد مرت 46 سنة منذ ذلك التاريخ. خلال تلك السنوات، قرأ زيبا كلام مئات الكتب والمقالات والأطروحات وتعرَّض لعشرات النظريات والأفكار. وإذا قلنا أن كل تلك الدراسات والاستكشافات لم تترك أثرا في زيبا كلام، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، ما فائدة التعليم والبحث والمعرفة والوعي والتدريس في الجامعة؟ أنا لا أقول بأي حال من الأحوال أنه نتيجة للبحث والدراسة، لا بد من تغيير جميع الأفكار والآراء البشرية.

قبل 46 عاماً، كنت أعتقد أن أكبر عقبة أمام تقدم إيران هيّ الإفتقار إلى الديمقراطية، واليوم يا سيد رائِفي بور، ما زلت متمسكاً بهذا الاعتقاد.

كذلك العديد من معتقداتي الأخرى تغيّرت ولم أعد أؤمن بالكثير منها. بما في ذلك طُغيان أمريكا وضرورة محاربتها؛ لم أعد أؤمن بقذارة الغرب وانحطاط النظام الرأسمالي الفاسد أو نظام الهيمنة والعديد من المعتقدات التي كنت أؤمن بها قبل 45 عاما. كل ما أريد قوله للسيد رائفي بور هو أن “كلام الناس ليس بالضرورة هو نفسه”…

صادق زيبا كلام كاتب وأكاديمي إيراني*

 

يمكن لقراء الفارسية مراجعة النص الأصلي هنا:

پاسخ «صادق زیباکلام» به پرسش «علی‌اکبر رائفی‌پور»: چرا

دیروز آمریکاستیز بودم، اما امروز نیستم؟

 

اترك رد

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading