تأثر كثير من المشاهدين بفيديو “البابا فرنسيس” وهو ينهض فجأة من مقعده، وعلى نحوٍ مفاجئ وغير مألوف (البابوات “حركتهم ثقيلة”، كما يقال بالعامية) ويعانق كاهناً شاباً من حلب “ارتسم لتوّه” أي بات “كاهناً” لتوّه. وفي الفيديو يتحدث الكاهن الشاب عن تجربته الشخصية التي دفعته للإلتحاق بالكهنوت، ثم يطلب من “البابا” أن يخبر الحاضرين عن تجربته هو (أي “ألبابا”) حينما قرّر أن يصبح كاهنا في العام ١٩٥٣! هنا ، سأله البابا، الذي فاجأه السؤال الجريء: “من أي بلد أنت؟” فأجابه بعد تلعثم “من حلب، بسوريا”. وفجأة نهض البابا واتجه إليه لمعانقته. وبعد حديثٍ قصير، أهداه الكاهن “الحلبي” رصاصةً كانت قد سقطت على مكان دراسته اللاهوتية بحلب!
ولكن، ما هو موقف “الفاتيكان” من الثورة السورية؟
الحديث عن “داعش” و”النصرة”، وعن الإضطهاد الفظيع الذي يتعرّض له المسيحيون في سوريا والعراق هو الطاغي الآن. وهذا الإهتمام في محلّه تماماً: فكما قال صديق فلسطيني: “الحركات القومية العربية طردت اليهود العرب، وأخشى أن ينجح الإسلاميون في طرد المسيحيين العرب”! أي أن الأضواء ستطفئ أكثر في المنطقة العربية.
وقد يكون هذا الإضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون والإيزيديون وغيرهم قد لعب في صالح الجماعات الكهنوتية وغير الكهنوتية المؤيدة لنظام الأسد. ولكن موقف “الفاتيكان”، منذ عهد البابا السابق، “بندكت”، كان واضحاً جداً في دعمه للشعب السوري، وفي تنديده بنظام الأسد.
وحيث أن ذاكرة البعض قصيرة، ففي ما يلي لمحة لأبرز مواقف الفاتيكان منذ اندلاع الثورة السورية:
البابا بندكت: “علمت أن بينكم شباباً من سوريا.. كم أنا معجب بشجاعتكم”!
“قولوا لأهلكم وأصدقائكم أن البابا لا ينساكم”!
على حد علمنا، لم يسبق للفاتيكان، أو لأي “بابا” من الفاتيكان، أن “حيّى” أية ثورة من الثورات! خصوصاً قبل انتصارها! هذه “سابقة” في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، و”مفاجأة” من البابا بندكتوس الذي يُقال أنه “يميني” مع أن بداياته كانت أقرب إلى “يسار” الكنيسة!
وكان سفير البابا في دمشق قد طلب من المقرّبين منه “تسريب” كلامه الذي ردّ فيه على مزاعم رجال الدين الكاثوليك حول تعرّض المسيحيين للإضطهاد في سوريا بسبب الثورة. وقد نشر “الشفاف” النص الكامل في ٢٥ حزيران/ يونيو الماضي.
*
حيا البابا بنديكتوس السادس عشر في لقاء مع شبيبة الشرق الاوسط في لبنان “شجاعة” الشباب السوري، مؤكدا لهم انه لا ينسى سوريا وانه “حزين لالام” شعبها واحزانه.
وقال البابا امام الاف الشبان والشابات الذين تتراوح اعمارهم بين 17 و30 عاما وتجمعوا في باحات مقر البطريركية المارونية في بكركي شمال بيروت “علمت ان بينكم شبابا قدموا من سوريا. اريد ان اقول لهم كم انا معجب بشجاعتهم“.
وتابع البابا متوجها الى السوريين “قولوا لعائلاتكم واصدقائكم ان البابا لا ينساكم. قولوا ان البابا حزين بسبب آلامكم واحزانكم. انه لا ينسى سوريا في صلواته واهتماماته. لا ينسى الشرق اوسطيين الذين يعانون”.
واعتبر البابا ان “الوقت حان لكي يتحد المسيحيون والمسلمون من اجل وضع حد للعنف والحروب”.
ويأتي هذا الكلام في وقت دخلت فيه الازمة السورية شهرها التاسع عشر، وقد بدأت بانتفاضة شعبية سلمية ضد نظام الرئيس بشار الاسد وما لبثت ان تحولت الى نزاع دام حصد اكثر من 27 الف شخص.
لشباب المسلمين: أنتم مستقبل هذه البلاد الرائعة!
من جهة ثانية، حيا البابا الشباب اللبنانيين المسلمين الذين شاركوا في اللقاء، شاكرا اياهم على “حضورهم المهم جدا”.
وقال انكم مع مسيحيي لبنان تشكلون مستقبل هذه البلاد الرائعة ومجمل الشرق الاوسط. اسعوا الى ان تبنوه معا!”.
وتابع “يجب ان يدرك الشرق الاوسط، عندما يتطلع اليكم، ان المسلمين والمسيحيين (…) يمكنهم ان يعيشوا معا من دون حقد ومع احترام معتقدات الجميع من اجل بناء معا مجتمع حر وانساني”.
وقبل هذا الكلام غير المألوف من جانب البابا السابق، كان الفاتيكان قد سمح بتسريب محضر خطير لأقوال “القاصد الرسولي في دمشق”، أي سفير الفاتيكان في سوريا، ونعيد نشره هنا للأهمية (وللتذكير”):
القاصد الرسولي في دمشق: الحقيقة حول مزاعم إضطهاد المسيحيين في إنتفاضة سوريا
مصدر مطلع- ترجمة “الشفاف”
أصدقائي الأعزاء المتابعين بدقة لأوضاع مسيحيي الشرق.
لقد عدت لتوّي من روما، حيث شاركت في الإجتماع السنوي لـ”جمعيات المعونة الكاثوليكية لمسيحيي الشرق الأدنى”. وحظينا يوم أمس بلقاء مع البابا، الذي أطلق نداءً من أجل السلام في سوريا. وتجدون ملخًصاً له في مقال نشرته جريدة “لاكروا” بالفرنسية http://www.la-croix.com/Religion/Ur...
وفي اليوم السابق، كنا قد أمضينا الصباح كله في لقاء مع المونسنيور ”ماريو زيناري”، الموفد البابوي في دمشق، الذي أشارت جريدة ”لاكروا” لكلامه، والذي حظينا معه بنقاش ممتع ومفيد للغاية. إن المونسنيور ”زيناري” هو إحدى القامات الكبرى في الديبلوماسية الفاتيكانية، وتتّسم معلوماته بكثافتها وأحكامه بدقّتها البالغة. وسبق له أن شغل منصب سفير البابا في ساحل العاج، وفي سريلانكا، مما جعله قادراً على فهم التطوّرات غير الطبيعية التي ترافق ظاهرة الحرب الأهلية. وبالنسبة لسوريا، فقد أفادنا بأكثر بكثير مما جاء في مقالة ”لاكروا” التي استقت معلوماتها من مقابلة قصيرة مع ”راديو فاتيكان”. وسألفت انتباهكم في ما يلي إلى بعض النقاط المهمة والتي يمكن لكم أن تعمّموا فحواها:
أولا: الإنتفاضة في سوريا هي انتفاضة شعبية حقيقية، ضد نظام ديكتاتوري دموي عزّز منذ سنوات طويلة شبكات الفساد المستشري وقمع الحريات الفردية بصورة متواصلة. ولكن هذه الإنتفاضة لم تكن متوقّعة، لأن الوضع الإقتصادي كان مرضٍ نوعاً ما، بالمقارنة مع البلدان المجاورة، ولأنه كان حدث بعض التقدّم باتجاه تخفيف شراسة النظام.
ثانياً: ليس هنالك أدنى شك في وجود عناصر سلفية أو من غير السوريين في الإنتفاضة. ولكن كوادر الإنتفاضة بأغلبيتهم، ليسوا متطرّفين وهم، بالتأكيد، ليسوا ضد المسيحيين. وقد أقام المونسنيور زيناري، وما زال، علاقات ممتازة معهم.
بعض الشخصيات الكنسية تقبض أموالاً او يضلّلها النظام
ثالثاً: ليست هنالك مطاردة منهجية للمسيحيين من جانب المنتفضين. حتى في “حمص” أو في “القُصير”، حيث تنجم الخطورة البالغة للوضع إلى نزاعات سواء عشائرية أو مافياوية تعود إلى زمن بعيد. لقد كان مسيحيون ضحايا للقصف أو للمناوشات، مثل كثير من السنّة أو العلويين، غير أنهم لم يكونوا مستهدفين بصفتهم مسيحيين. ولم تتعرّض أي من المقدّسات المسيحية لاعتداء مقصود. كما أكّد المونسنيور زيناري أن التصريحات التخويفية التي أدلى بها بعض كبار رجال الدين (مثل المونسنيور “جانبار” في حلب، وحتى، مع الأسف، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث) أو رهبان وراهبات (مثل الراهبة ماري أغنيس مريم الصليب) والتي تزعم أن المسيحيين يتعرضون للملاحقة من جانب القوات الثورية التي تريد استئصالهم هي عبارة عن تضليل. ومن الواضح أن بعض الشخصيات الكنسية تقبض أموالاً من النظام أو يضلّلها النظام لإثارة الشائعات التي تصوّر النظام وكأنه المدافع الوحيد عن الأقلية المسيحية وللتلويح بشبح سيناريو مشابه لما حدث في العراق. إن موقف تلك الشخصيات الكنسية يرقى إلى التواطوء مع النظام، ويمكن أن يكلّفها غالياً جداً في المستقبل.
رابعاً: قدّم المونسنيور زيناري أمثلة كثيرة حول أعمال التضامن الرائعة بين المسيحيين والمسلمين في أصعب اللحظات. وشدّد على أنه، بعيداً عن أن يكونوا “مُضطَهَدين”، فإن المسيحيين، حتى الآن على الأقل، يحظون بالإحترام والمراعاة، سواءً من جانب الجيش أو من جانب قوات الإنتفاضة. ويكفي أن يتعرّف حاجز أو نقطة تفتيش لهويتهم المسيحية حتى تتبدّد أية عوائق في طريقهم.
“فيليب تورنيول كلو” ليس أسقفاً كاثوليكياً بل منشقاً من جماعات الأصوليين المسيحيين واليمين المتطرف!
خامساً: تلفت “جمعيات المعونة الكاثوليكية لمسيحيي الشرق الأدنى”، ومسؤولو الكنيسة الكاثوليكية، الإنتباه إلى النشاط الذي يقوم به ”المونسنيور المزعوم فيليب تورنيول كلو”، الذي يطلق على نفسه لقب ”أسقف الروم الملكيين الكاثوليك”، والذي تناقلت وسائل إعلام كثيرة أخباراً حول ”مهمة في سوريا” قام بها وندّد في ختامها بالطابع الإسلامي للإنتفاضة، وبالمجازر المنهجية التي يتعرّض لها المسيحيون، والتضليل الذي تمارسه وسائل الإعلام الدولية. (أنظر مثلاً: http://www.diatala.org/article-syri…)
كما يدعو المونسنيور تورنيول كلو إلى ”قول الحقيقة” وإلى التنديد بالمذبحة التي يتعرّض لها المسيحيون في سوريا. لكن الكرسي الرسولي (الفاتيكان) يشدّد على أن الشخص المذكور ليس، بأية صورة من الصورـ عضوا في الهيئات الكَنَسية الكاثوليكية، وأنه لا يتمتع بأي من الصفات التي يزعمها لنفسه. إن مزاعمه خاطئة ومضلّلة. وهو بعيد جداً عن ”قول الحقيقة”. لقد التقى المونسنيور زيناري به في دمشق، حيث كان مرتدياً ملابس كنسية لا يحقّ له ارتداؤها.. وقد اعترف له المونسنيور المزعوم بأنه لم يذهب إطلاقاً إلى مدينة حمص مع أنه كان قد زعم قبل ذلك أنه كان شاهد عيان على مطاردة المسيحيين. وإبان اجتماع “جمعيات المعونة الكاثوليكية لمسيحيي الشرق الأدنى”، تلقّى المونسنيور غولنيش، مدير جمعية ”أوفر دوريان”، إتصالاً عاجلاً من كهنة يسوعيين في حمص طالبوه فيه بالسعي لدى الفاتيكان ولدى وكالة ”فيديس”، التي نقلت أقوال المونسنيور المزعوم تورنيول، لأن أقواله تعرّض للخطر أولئك اليسوعيين الذين حرصوا دائماً على الحوار بين جميع الطوائف. والحقيقة هي أن المونسنيور المزعوم “تورنيول” هو أحد المنشقين من جماعة “الكاثوليك الأصوليين” (المنشقّين عن الفاتيكان) واليمين المتطرف، وهو مجهول من جميع من يعرفون، ومن يتعاطون، مع مسيحيي الشرق.
إن من المهم أن توصلوا هذه المعلومات بأسرع وقت وأن تكشفوا التزوير الذي يمثّله المدعو “تورنيول كلو”. وتكفي زيارة موقع http://www.catholic-hierarchy.org/b… الذي يحتوي على قائمة بأساقفة الكنيسة الكاثوليكية لا يرد ضمنها إسم المذكور. وهذا كله نموذج ساطع لعمليات التضليل التي تقوم بها أوساط مشبوهة في ما يتعلق بالوضع السوري. وستقوم جمعية “أوفر دوريان” قريباً بإصدار بيان صحفي حول الموضوع.
سادساً: في ما يتعلق بصديقنا الأب “باولو دالوغليو”، الذي أُرغِمَ على مغادرة البلاد بأمر من أسقفه، فإنه ينبغي الإنتباه إلى أن ذلك الإجراء لم يمثّل إنكاراً من جانب الكرسي الرسولي للعمل الذي قام به الأب باولو. كل ما في الأمر هو أن الأب باولو، حيث أنه ليس سورياً، فمن الحصافة أن يظل بعيداً عن السجال. ومن جهة أخرى، فقد باتت حياته في خطر لأن دعواته للحوار في إطار إحترام المطالب المحقّة للمعارضة، ورفضه للأكاذيب التي تدافع عن النظام عبر التلويح بشبح مجزرة يتعرض لها المسيحيون، تعرّضه للخطر من جانب جلاوزة عشيرة الأسد.
ويمكن لكم نقل كلامي هذا في جميع الأنحاء.
شكراً لكم.
يمكن للقارئ الإطلاع على النص الأصلي بالفرنسية على الشفاف:
Mgr Mario Zenari : vérité et désinformation sur la persécution des
مقال رائع كشف به الاستاذ بيار عقل لجوانب ومواقف البابا والفاتيكان غير معروفه “للكثيرين” …