عمر الاطرش، الذي لم يصدر اي ادعاء عن القضاء العسكري عليه في ملف تفجيرات الضاحية، قتل قبل يومين في منطقة قريبة من بلدة عرسال. لم تتضح طريقة القتل او الجهة المنفذة، لكن الروايات تتقاطع على ان الرجل تحول الى اشلاء، بعد تفجير استهدف سيارته. لكنها تباينت بين استهدافه بصاروخ، او بعبوة ناسفة كانت موضوعة في سيارة رباعية الدفع تم تفجيرها عن بعد، خلال مرور السيارة التي كان فيها الى جانب الاطرش سامي حسن الحجيري، وهو قتل معه.
رغم الاتهامات التي روّجت لها اوساط 8 آذار حول مسؤولية الحجيري ومجموعته عن تفجيري بئر العبد والرويس، والاتهامات التي وجهها وزير الدفاع فايز غصن في شأن هذين التفجيرين، ظلّ لافتا عدم تحرك المحكمة العسكرية عبر اي ادعاء ضده، بل لم تتحرك بعد اعلان حزب الله، على لسان امينه العام تحديدا، ان الحزب كشف هوية منفذي تفجير الرويس. كما لم يعلن حزب الله انه سلم ما لديه من معطيات الى المحكمة العسكرية. ولم يصدر عنه اي موقف يشير الى اخلال هذه المحكمة بواجباتها. اذ لا يمكن لمن يسعى الى كشف منفذي جريمتي تفجيري الضاحية ان يتساهل او يسهو عن كشف المجرم ومحاكمة كل من تورط بقتل وجرح المئات من المواطنين الابرياء. علما ان التحقيقات التي قام بها المحقق العسكري خلصت الى الادعاء على مجهول، ولم يتغير شيء بعد ذلك، الا ما تورده بعض المؤسسات الاعلامية عن هذا الاتهام، دون ان تطرح سؤالاً عن عدم مبالاة المحكمة العسكرية في الحد الأدنى.
في مقابل حال التحقيقات في تفجيري الضاحية، برز في اليومين الماضيين حدث اعتقال شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي الشاب يوسف دياب، من جبل محسن، على خلفية الاشتباه بتورّطه في تنفيذ تفجيري مسجديْ التقوى والسلام. وأعقب الاعتقال إصدار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر (السبت) مذكرة توقيف بحق دياب المنتمي الى “الحزب العربي الديموقراطي”. وقامت شعبة المعلومات بتسريب معلومات عن التحقيق تشير من خلالها الى انها تمتلك ادلة قاطعة حول شبكة تفجيري طرابلس التي يرأسها حيان رمضان، من خلال 350 فيلم كاميرا، والعودة الى داتا الاتصالات. واكدت شعبة المعلومات ان المجموعة دخلت عبر الهرمل الى بلدة القصر حيث تسلم افرادها السيارتين المفخختين بمعاونة حسن جعفر، واتوا بالسيارتين الى جبل محسن وتحديدا الى منزل رمضان في 21 آب الماضي.
في كل الاحوال يبقى المتهم بريئا حتى تثبت ادانته. وما تسريب المعلومات التي يتنافس فريقا 8 آذار و14 آذار على تسريبها، بحسب مصلحة كلّ منهما، الا محاولة لاستثمار سياسي في هذا الاتجاه او ذاك، وليس الهدف مصلحة العدالة. هذا من دون الأخذ في الاعتبار ما يمكن ان تؤدي اليه سرعة اصدار الاحكام السياسية والاعلامية على المتهمين قبل ان يقول القضاء كلمته. فلدى جمهور حزب الله ان عمر الأطرش هو منفذ تفجيري الضاحية من دون حتى ان يصدر اي مذكرة توقيف في حقه في هذه القضية. والاسماء المتداولة في تفجيري طرابلس، وان صدرت مذكرات توقيف في حق بعضها، الا انها تبقى بريئة الى ان يثبت العكس وعبر القضاء، لا عبر تيار المستقبل ولا عبر اعلام قوى 14 آذار. هذا السلوك يظهر كيف ان الاجهزة الامنية باتت، الى حدّ غير مقبول، متأثرة بالانقسام السياسي. اذ لم تستطع ان تنجو من محاولات الاستتباع السياسي، وراحت تتحصن وتستقوي به في كثير من الاحيان. فهل من فضيحة لهذه الاجهزة اكبر من ان تكون الثقة بها نابعة من الانقسام السياسي. فهناك فئة من الناس تثق بهذا الجهاز وتشيطن بقية الاجهزة. وتلك تثق بذاك الجهاز وتشيطن الآخرين. وهو الواقع المثالي لجعل الامن في البلد غير قابل للاستقرار رغم الانجازات التي يمكن ان تحققها هذه الاجهزة في بعض القضايا الامنية.
في انتظار ان يقدم حزب الله ما لديه من معلومات حول تفجيري الضاحية الى المحكمة العسكرية، وفي انتظار ما ستسفر عنه تحقيقات المحكمة مع المشتبه فيهم في تفجيري طرابلس، فإن شيئاً لن يتغير. إذ حتى لو ثبت ان النظام السوري هو من يقف وراء تفجيري طرابلس، لن ينقص ذلك من عديد حلفائه اللبنانيين، ولا من استمرارية دعم نفوذه وبقائه من قبل هؤلاء.
اما عمر الأطرش، الذي حكم عليه بأنه وراء تفجيري الضاحية بلا محكمة وبلا اي اجراء قانوني، فسيظل هو القاتل في نظر متهميه. الجديد هو “إعدام” عمر الأطرش، بالتزامن مع “اليوم العالمي لمناهضة الاعدام”. كما لو انّ هناك من يقول: “انا الامن والعسكر، وانا النيابة العامة والمحاكمة والمحكمة، وانا منفّذ احكام الاعدام”.
alyalamine@gmail.com
البلد