إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(الصورة: الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، الشيخ موفق طريف (وسط)، يقود استقبال وفد ديني درزي من سوريا في مقام النبي شعيب قرب بحيرة طبريا، 14 مارس 2025، في أول زيارة من نوعها منذ خمسة عقود)
*
حذّرت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ من أن مجتمع الدروز في سوريا عالق بين ضغوط الحكومة الانتقالية الجديدة والتدخلات الإقليمية، بعد أشهر من سقوط نظام بشار الأسد. وأشارت الصحيفة إلى أن دمشق، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، تسعى إلى نزع سلاح الميليشيات الدرزية، بينما تحاول إسرائيل تقديم نفسها كحامية لهذه الطائفة، واستقطابها كحليف استراتيجي، مما يزيد المشهد تعقيدًا.
وتتساءل الصحيفة: هل ستتمكن الطائفة الدرزية، كما فعلت في الماضي، من الموازنة بين البراغماتية والتمرد، أم أن الضغوط المتزايدة ستجبرها على اتخاذ قرارات حاسمة في سوريا الجديدة؟
ويكتب مراسلا الصحيفة، دانيال بوم ودومينيك نار، في تقرير ميداني من مدينة السويداء: “ليس مفاجئًا أن يكون الدروز في صلب هذه التحولات. فقد وجدت هذه الطائفة، التي انفصلت عن الطائفة الشيعية الإسماعيلية في القرن الحادي عشر، نفسها مرارًا بين جبهات الصراع في تاريخ الشرق الأوسط. ويعيش أتباعها في عدة بلدان، ويتأرجحون بين التمرد، والتكيف، والبراغماتية.”
وتوضح الصحيفة أنه منذ قرون، عُرفت الطائفة الدرزية بالقدرة على المناورة بين القوى المتصارعة، وهو ما يضعها اليوم أمام معركة جديدة للحفاظ على استقلالها. ففي إسرائيل، تحالفت مع النخبة اليهودية المؤسسة، ويخدم بعض الدروز في الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين. وفي لبنان، أنشأت الطائفة الدرزية مناطق خاصة بها وشكَّلت ميليشيات أثناء الحرب الأهلية تحت قيادة عائلة جنبلاط، متكيفة مع التغيرات السياسية في البلاد. أما في الأردن، فيُعَدّ الدروز جزءًا من النخبة الموالية للملك؛ فعلى سبيل المثال، يشغل الدرزي أيمن الصفدي منصب وزير الخارجية.
وفي سوريا، عاش أبناء الطائفة الدرزية، كسائر أهل سوريا، لفترة طويلة تحت قبضة عائلة الأسد، التي حكمت البلاد لأكثر من خمسة عقود. وتؤكد محسنة المحيثاوي، أول امرأة تترأس محافظة السويداء: “لقد حافظنا دائمًا على استقلاليتنا”، وتضيف: “ولن نسمح للحكام الجدد بانتزاعها منا”.
وتذكر الصحيفة أن “جرمانا“، الضاحية المختلطة دينيًا بدمشق والتي يقطنها عدد كبير من الدروز، شهدت في شهر مارس الماضي اشتباكات عنيفة بين المقاتلين الدروز والقوات الحكومية، ما دفع الميليشيات المحلية في السويداء إلى إعلان تشكيل مجلس عسكري مشترك للدفاع عن مناطقهم. وفي ظل هذه الأوضاع المتوترة، يبقى الدروز في حالة تأهب دائم، في ظلِّ التخوفات من تحركات الحكومة الجديدة.
وتضيف الصحيفة أنه في الوقت نفسه، صعّدت إسرائيل من خطابها، إذ صرّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تقوم هيئة تحرير الشام بقتل الدروز”، مضيفاً أنه أصدر تعليماته للجيش الإسرائيلي بالتدخل عند الضرورة. وتأتي هذه التصريحات وسط تقارير عن محاولات إسرائيلية لاستمالة الدروز كحلفاء، بما في ذلك خطط لجلب عمالة درزية سورية إلى إسرائيل في إطار مشاريع تجريبية.
من جهة أخرى، تواجه الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع تحديات متزايدة، خاصة مع الانتفاضات الأخيرة التي قادتها جماعات موالية للأسد في الساحل. ويدرك الشرع ضرورة نزع سلاح الميليشيات التي لا تحصى ولا تعد للحفاظ على السيطرة، ويبدو أنه نجح نظريًا في ذلك عبر اتفاق مع الدروز، لكنه يظل عاجزًا عن فرض نفوذه في السويداء، حيث تعيق التدخلات الإسرائيلية تحركاته، وفق الصحيفة.
وتشير الصحيفة إلى أن سياسة “فرّق تسُد” التي تتبعها إسرائيل مع الأقليات في المنطقة قد تكون سلاحًا ذا حدين. ففي السبعينيات والثمانينيات، دعمت إسرائيل الميليشيات المسيحية في لبنان، لكنها وجدت نفسها لاحقًا غارقة في مستنقع الحرب الأهلية. ويبدو أن القيادات الدرزية في سوريا تنظر بحذر إلى أي دعم قادم من تل أبيب، حيث أكَّدت مرارًا أنها جزء من النسيج السوري، رغم سعيها للحفاظ على استقلالها الذاتي.
سويس أنفو