تقترب الساعة الآن من السادسة (مساء الاثنين) ولم تُعلن بعد نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في مصر. ولكن الإخوان أعلنوا فوزهم منذ الصباح الباكر. وفي شوارع القاهرة، خاصة القريبة من وسط البلد تخرج مظاهرات قليلة العدد تعبيراً عن ابتهاج المشاركين بالفوز. وفي الوقت نفسه يُعلن الناطق باسم حملة السيد شفيق أنهم حققوا تقدماً على الإخوان.
بمعنى آخر: لم تتضح النتيجة النهائية بعد، ولن تكون لهذه المقدمة أهمية تُذكر بعد ساعات. وإذا كان ثمة من فائدة للفقرة السابقة عن الانتخابات الرئاسية المصرية، فهذه القيمة تُستمد من الإشارة إلى ضبابية الموقف، وحجم الرهانات، والمستقبل المفتوح على احتمالات كثيرة. كل تجليات هذه الأشياء يراها كاتب هذه السطور على وجوه الناس في القاهرة، ويسمع صداها في كلامهم. قلق، وتوتر، واحتمالات كثيرة ومتضاربة.
فلنضع هذا كله جانباً. ثمة سيناريوهات مختلفة للحالة المصرية، ويمكن مقاربتها بطريقة مقارنة، أي بالقياس إلى نماذج قائمة في مناطق أخرى من العالم. من النماذج القابلة للتفكير: التركي، والإيراني، والباكستاني، والروسي. فلنفكر في النماذج التالية:
أولاً، النموذج التركي: تركيا دولة يحظى فيه الجيش بمكانة خاص، ونظام وصل إلى سدته الإسلاميون، لكنهم لم يعملوا على تغيير الهوية العلمانية للدولة. لم يفعلوا ذلك خوفاً من الجيش، أم انسجاماً مع تقاليد الهوية العلمانية للدولة، أم ربما لأن للعلمانية قاعدة شعبية قوية في تركيا، أم لأن فرص تركيا في دخول الاتحاد الأوروبي تتناقص إذا تأسلمت الدولة. هذه كلها أسئلة مفتوحة، والأهم من بينها أن مصادر الإسلام السياسي التركي تختلف عن مثيلاتها في العالم العربي. ويصعب القول إن النموذج المصري في حال فوز الإسلام السياسي ممثلاً بالإخوان سيعيد إنتاج النموذج التركي.
ثانياً، النموذج الإيراني: يعني أن يعيد الإسلاميون سيناريو ما بعد الثورة الإيرانية، التي أطاحت بالشاه. في حقيقة الأمر شارك اليساريون والليبراليون والقوميون في الثورة الإيرانية، إلى جانب القوى الشعبية المحافظة، لكن آيات الله هم الذين تمكنوا من الاستيلاء على الثورة، وقاموا بتصفية كافة الحلفاء السابقين، واستفردوا بإنشاء نظام تحوّل إلى دكتاتورية دينية. تصعب إعادة إنتاج النموذج الإيراني في مصر، طالما لم تسقط مؤسسة الجيش في أيدي الإسلاميين.
ثالثاً، النموذج الباكستاني: أسلمة الدولة عن طريق الجيش، كما حدث في باكستان منذ تصفية ذو الفقار على بوتو، وصعود ضياء الحق. وهذا غير ممكن في مصر، لأسباب تتعلّق بظروف إنشاء باكستان، وعلاقة الدين بالدولة في كيان هجين نشأ بعد الانسلاخ عن الهند.
رابعاً، النموذج الروسي: يعني خروج أشخاص أقوياء من صلب النظام السابق، وتصفية الكثير من ملامح النظام الشمولي السابق، دون التحوّل إلى ديمقراطية كاملة، كما حدث في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
فقد تداول الحكم في روسيا أفراد من النخبة الحاكمة في العهد الشيوعي، لكنهم لم يحكموا بمنطق التجربة الشيوعية السابقة. واليوم، وإذا كنا لا نستطيع وصف نظام الرئيس بوتين بالديمقراطي تماماً إلا أننا لا نستطيع وصفه بالشمولي، أيضاً. وفي مصر يمكن الوصول إلى حالة كهذه تحمي الدولة من الوقوع في قبضة الإسلام السياسي، وفي الوقت نفسه لا تُعيد إنتاج النظام الأمني السابق.
كل هذه النماذج واقعية وحقيقية، وربما تراود خيال البعض في المشهد المصري. ومع ذلك يصعب القول إنها قابلة للإنتاج. ففي كل النماذج السابق خصوصيات محلية يصعب استنساخها. ستكون التجربة المصرية، على الأرجح، فريدة، وهذا استناداً إلى تفرّد الهوية المصرية نفسها.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بوصف الواقع كما هو الآن وهنا ـ وهذا الواقع متحرّك بمعنى أننا لا نستطيع استخلاص نتائج بعيدة المدى، بل قراءة مؤشرات قد تكون مفيدة في قراءة تطوّر الأحداث ـ يمكن القول إن المؤسسة العسكرية في مصر، ومن خلال سلسلة من القوانين، حريصة على دورها في حماية الدولة المصرية. وهذا قد يفتح الباب على أزمات سياسية حادة، وتحوّلات يصعب التنبؤ بنتائجها النهاية، خاصة إذا تصرّف الأخوان وبقية ممثلي الإسلام السياسي بطريقة من يحاول الاستحواذ على كل مصادر القوة في الدولة والمجتمع.
من ناحية أخرى، ليس صحيحاً أن الغالبية الساحقة من المصريين تؤيد الأخوان وبقية ممثلي الإسلام السياسي. هذا ما تجلى بشكل واضح في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية. الصحيح أن المجتمع المصري أفاق من صدمة الانتخابات البرلمانية، التي جاءت بالإسلاميين إلى مجلس الشعب (لماذا جاءوا بهذه الكثافة سؤال آخر) وقد أفاق نتيجة المناورات السياسية للإسلاميين أنفسهم بعدما صعدوا إلى واجهة المشهد السياسي. وهي مناورات لم تكن مقنعة لأعداد كبيرة من المصريين لأسباب كثيرة يتداخل فيها الوطني بالأخلاقي، ناهيك عن تصادم وتضارب المصالح في مجتمع هائل الحجم كالمجتمع المصري.
وليس من قبيل المصادفة القول إن صعود الأخوان وبقية الإسلاميين في المشهد المصري لن تكون في صالح الإسلام السياسي بالمعنى الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي. عليهم إيجاد حلول لمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية أكبر منهم، فالحل الوحيد لإخراج مصر من أزماتها يتمثل في ائتلاف أكبر عدد ممكن من القوى السياسية في إطار برنامج موّحد. وهذا مُستبعد في ظل ميل الإسلام السياسي إلى الاحتكار، وإحساسه بنشوة الفوز. سيتكبّد الإسلاميون هزيمة سريعة إذا ظل الحقل السياسي الذي فتحته الثورة المصرية بالقوة مفتوحاً أمام الجميع، أما إذا تمكنوا من إغلاقه عن طريق القمع، فستكون المسيرة طويلة ومؤلمة. وهذه، على أية حال، انطباعات سريعة من القاهرة.
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني
انطباعات سريعة من القاهرة..!!
خبر سعيد جدا !
قام بوتين خلال فترة ليس قليلة بتدمير كل الاحزاب بل سحق النشاط السياسي الذي لا يخضع لأواهه الخاصه في روسيا, آحذ من التجارب الدكتاتوريات العربية الاسلامية في الوطن العربي .
اليوم تار يخ 20 يونيو 2012 تم رسميا تسجيل حزب عنصري قومي روسي يدعوا الى وحدة القومية والدين الروسي الاورثذكسي, أي بمباركة الكرملين ظهور الفاشية بشكل رسمي في البرلمان الروسي القادم (http://orientpro.net/arab/orientpro-%20arab%2065.htm) .
انطباعات سريعة من القاهرة..!!
الشيءالذي لم يأخذ له الكاتب حساب ان روسيا دولة نفطية بل غنية وتمارس الحرب دائما من اجل التوسع اواليقاء كامبراطورية متخلفة , اما مصر غنية بتاريخها الفرعوني فقط, وكل المحاولات في ان تكون دولة عسكرية حربية حديثة مثل تركيا او روسيا فشلت كلها بعد موت محمد علي.
(http://orientpro.net/arab/orientpro–arab-52.htm)
من هنا , الآن الطريق الوحيد لبقاء بوتين على راس السلطة هوالتوجهه الى الايديولوجية الفاشية الروسية , منذ لحظة مداهمت اغلب شقق المعارضة , مما انقسم المجتمع الى جبهتين مكون من جيليين سوفيتي وما بعد سوفيتي واما في مصر الصراع بين اخوان المسلمين والعسكر منذ 1928 .