ما الذي يجري في الكويت؟ كلّ ما في الامر ان امير الدولة الشيخ صباح الاحمد قرّر قبل ايام استخدام صلاحياته المنصوص عنها في المادة 106 من الدستور (تعليق اعمال البرلمان لمدة شهر) ووضع الجميع امام مسؤولياتهم. اكّد امير الدولة ان هناك مرجعية في الدولة لا يمكن ان تسمح باستمرار المزايدات التي يمكن ان تؤدي الى ضياع البلد في ظروف اقليمية وداخلية اقلّ ما يمكن ان توصف به انها دقيقة. والاكيد ان الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية والقاضي بابطال الانتخابات الاخيرة،التي اجريت في شباط- فبراير الماضي، زاد المشهد الكويتي تعقيدا، خصوصا ان المحكمة اعادت الاعتبار الى مجلس الامّة السابق الذي قرر امير الدولة حلّه والدعوة الى انتخابات جديدة…
تكمن اهمية حكم المحكمة الدستورية الذي صدر بعيد استخدام الامير صلاحياته الدستورية في انه صدر في دولة مثل الكويت. فقد ابطل انتخابات نيابية لان مرسوم حل المجلس السابق الصادر من اعلى سلطة في البلاد، اي الامير، شابته اخطاء اجرائية… وهذا امر يحسب للكويت ولديموقراطيتها.هذا في الجانب القضائي والقانوني، اما في الجانب السياسي فمهمّ التذكير بان الانتخابات الاخيرة اخرجت مجلسا للامة اسوأ من الذي سبقه، خصوصا ان تلك الانتخابات عمّقت الانقسامات داخل المجتمع واظهرت الجانب السيء في الروح القبلية بدل ابراز الجانب الايجابي فيها. اكثر من ذلك، طفت على السطح، من خلال تركيبة المجلس الجديد وممارسات بعض النوّاب، كل الغرائز المذهبية التي كان الكويتيون يعتقدون انهم في منأى عنها.
ليس مسموحا في بلد مثل الكويت ان تكون الديموقراطية والانتخابات جسرا الى الفوضى بدل ان تكون جسرا الى البناء والاستقرار. لذلك، كان طبيعيا خروج الشيخ صباح عن موقفه المعهود القائم على التحلي بالصبر الى ابعد حدود وعلّق النشاط النيابي شهرا لعلّ بعض النواب يرتدع عن الذهاب بعيدا في عملية تعطيل النشاط الحكومي من جهة وزرع بذور التفرقة والحقدبين ابناء الشعب الواحد من جهة اخرى.
من الطبيعي ان يقررامير الدولة استعادة المبادرة بعدما تبيّن ان المجلس الجديد عاجز عن الاستفادة من تجارب الماضي القريب وفشل خصوصا في استيعاب ان تعطيل العمل الحكومي دوران في حلقة مقفلة ينعكس سلبا على البلد وعلى كلّ مواطن فيه.
ظهر من تصرفّات بعض النواب ان تبديل الحكومات الكويتية لم يحقّق اي تقدم من اي نوع كان وان المشكلة ليست مرتبطة بالشيخ ناصرالمحمد رئيس الحكومة السابق وحكومته ولا بالشيخ جابر المبارك الذي خلفه. المشكلة مشكلة نوّاب يعتقدون ان الوقت حان لتبديل الدستور والانتقال بالبلد الى نظام جديد مبني على توازنات مختلفة الغلبة فيها للاكثرية التي تسيطر على مجلس الامّة.
تعاني الكويت بكلّ بساطة من غياب اي تقدّم من اي نوع كان وليس من نظام حكم هو تعاقد اجتماعي بين الاسرة الحاكمة واهل البلد.
هناك شلل تام في كلّ المجالات. بكلام اوضح، لا مجال لايّ تقدم من ايّ نوع كان، لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا اجتماعيا. على العكس من ذلك، بدأت تظهر اكثر فاكثر نتائج الضغوط التي يمارسها المتزمتون دينيا الذين
يسعون الى تغيير طبيعة المجتمع الكويتي المعروف تاريخيا باعتداله وتسامحه وابتعاده عن كل انواع التطرّف.
حتى حفلات الموسيقى والطرب صارت شبه ممنوعة في الكويت. هل كويت اليوم هي الكويت التي عرفناها والتي كانت متقدمة على غيرها من دول المنطقة؟ كانت الكويت في الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي تعطي دروسا لجيرانها ولكلّ دول المنطقة في الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاعلامي. يبدو ان عليها اليوم ان تدفع ضريبة كلّ ما حققته من تقدّم في مراحل معيّنة، خصوصا عندما تصدّى شعبها للغزو العراقي في العام 1990. هل هناك من ينسى، او يتناسى، ان الكويت ما كانت لتستعيد حريتها وسيادتها لولا الموقف الذي اتخذه رجال كبار يتقدّمهم الاميران الراحلان الشيخ جابر الاحمد والشيخ سعدالعبدالله، رحمهما الله، والامير الحالي الشيخ صباح الاحمد اطال الله عمره؟
بدا في ضوء التجاذبات التي شهدتها جلسات مجلس الامة الجديد ان المطلوب اكثر من اي وقت مضى، لدى بعضهم، اعادة النظر في النظام السياسي المعمول به. كانت نتائج الانتخابات الاخيرة والممارسات التي تلتها بمثابة تاكيد لوجود جهات تعمل من اجل انقلاب حقيقي يتكفل بنقل الكويت الى المجهول.
ما تصدّى له الشيخ صباح الاحمد هو انقلاب بكلّ معنى الكلمة نظرا الى وجود من يطرح مشروعا تعتبره مؤسسة الحكم منتقصا من صلاحياتها. هناك بين النوّاب الذين فازوا في الانتخابات الاخيرة من طرح سابقا قيام “حكومة شعبية”. مثل هذا الطرح مشروع في بلد فيه حياة حزبية حقيقية. في البلدان التي فيها حياة حزبية، لا وجود لقبائل وعشائر وانتماءات مناطقية ولا لاحزاب مذهبية مثل الاخوان المسلمين او التنظيمات الشيعية التي ولاء بعضها لايران ليس الاّ.
تحتاج الكويت في هذه المرحلة الى بعض الهدوء. اراد الامير توفير هذا الهدوء كي يفكّر الكويتيون مليّا بما يدور في بلدهم وفي المنطقة والابتعاد عن قصر النظر. فالكويت في حاجة الى عقلاء من مستوى صباح الاحمد من جهة والى التفكير في ما هو ابعد من المناكفات ذات الطابع الشخصي. على سبيل المثال وليس الحصر، اليس مفروضا ان يطرح كل كويتي على نفسه سؤالا يتعلّق مثلا بكيفية تحسين مستوى التعليم بدل التركيز على الفصل بين الذكور والاناث في المدارس والجامعات؟ هل من دول متقدمة من دون مستوى تعليم متطور؟