في حال التسليم بقدرة النظام والسلطة في ايران على التحكم بمسارات الانتخابات الرئاسية وتحديد نتائجها، يمكن لاي مراقب للشأن الايراني القول وبكل بساطة، ان هذه الانتخابات المقررة في الثاني عشر من الشهر القادم قد انتهت وحسمت نتائجها لصالح مرشح التيار المحافظ ومراكز القوى الامنية والعسكرية المتمثلة بحرس الثورة الاسلامية الايرانية والتعبئة التابعة له، أي الرئيس الحالي محمود احمدي نجاد. ما لم تحدث مفاجآت من العيار الثقيل لصالح احد مرشحي التيار الاصلاحي –ميرحسين موسوي او مهدي كروبي – خصوصا بعد الخطاب الصريح والواضح لمرشد النظام علي خامنئي الذي افتتح به زيارته لاقليمي كردستان وكرمنشاه في ايران. على الرغم من التطورات المعقدة والطويلة التي شهدتها وتشهدها العملية الانتخابية وتوقع النتائج السياسية التي ستتمخض عنها على الصعيدين الداخلي والدولي.
ويبدو ان التحضيرات الانتخابية التي بدأت تشهد حرارة متزايدة في الايام القليلة المتبقية ليوم الاقتراع لن يكون لها كبير اثر في نتائج هذا اليوم، او ان تحدث تغييرا في موقع رئاسة الجمهورية في حال قرر النظام بمؤسستيه السياسية والعسكرية المحافظة على الوضع القائم.
وفي محاولة لاستباق أي نتائج محتملة لهذه الانتخابات، بدأ تيار السلطة او المحافظ، وبعد كلمة السر التي اطلقها المرشد الاعلى، التأكيد بان الانتخابات المرتقبة لن تذهب الى دورة اقتراع ثانية، وان احمدي نجاد سيكون الفائز بها من الدورة الاولى وبقوة، معتمدين في ذلك على الارباك الحاصل في التيار المنافس الاصلاحي الذي يرى الى هذا الانتخابات بانها مصيرية ومسألة حياة او موت سياسي بالنسبة له، خصوصا بعد انسحاب مرشحه الابرز محمد خاتمي الذي عقدت عليه الامال بازاحة احمدي نجاد.
وقد شكل اعلان خاتمي الدخول في السباق الرئاسي ومن ثم عزوفه عن هذه المشاركة، ما حمل على الاعتقاد بان التيار الاصلاحي غير قادر على تجديد نفسه او تقديم مرشح قادر على اقناع الناخب الايراني لاتخاذ خطوة تغييرية فاستظل بعباءة خاتمي الذي استجاب للمطالبات الاصلاحية بالدخول في هذا السباق لما يشكله من نقطة متقدمة توفر على الاصلاحيين عناء المواجهة في هذه المعركة السياسية ولن يكون بحاجة لكثير من الجهد في مخاطبة الشارع الشعبي وتحشيده، ما يساعد على حسم المعركة من الدورة الاولى وابعاد شبح عودة احمدي نجاد الى السلطة التنفيذية.
وعلى الرغم من شعور خاتمي بمأزق التيار الاصلاحي ومماشاته في هذه اللعبة، الا انه ومن منطلق الارث السياسي والشعبي الذي حققه والخطاب الاصلاحي السياسي الذي قدمه خلال رئاسته التي امتدت لمثاني سنوات حاول الدفع بمرشح اخر للدخول في هذا السباق يغنيه عن دفع ضريبة المواجهة ونتائجها والنوايا المبيتة لهزيمته التي لم تكن بعيدة عن تصوره، خصوصا وان تجربة الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي يعتبر احد اهم وابرز اركان الثورة والنظام ما تزال ماثلة بهزيمته امام مرشح مغمور آت من خارج سياق الموازين السياسية لكنه مدجج بكل اسلحة تيار السلطة الخفية خصوصا دعم وتأييد ورضا المرشد الاعلى.
اشتراط خاتمي ان يكون مرشحا وحيدا للتيار الاصلاحي بهدف حسم المعركة من الدورة الاولى، على اعتبار ان الدورة الثانية ستعني هزيمة له حتى ولو كانت نتيجتها الفوز. وخوفا من مساع يبيتها التيار المحافظ والسلطة بجر الانتخابات الى دورة ثانية، فان دخول مير حسين الموسوي السباق الانتخابي، وان جاء بعيد اعلان خاتمي نيته المشاركة، اوحى بان هناك اختلافا او تنافسا داخل اجنحة التيار الاصلاحي، عززه اصرار مهدي كروبي على عدم الانسحاب او التنحي لصالح خاتمي في البداية، وتصعيده للموقف في مواجهة ترشح موسوي، الا ان الاصلاحيين استخدموا ورقة مشاركة وانسحاب خاتمي بهدف تحريك الشارع الشعبي واقناع الاراء الصامتة بضرورة المشاركة.
ويعتقد الاصلاحيون ان الهدف الذي يسعى له التيار المحافظ يمكن في السيطرة على نسبة المشاركة الشعبية في ادنى مستوى لها وعدم حسم النتيجة في الدورة الاولى، ومن ثم اعتبار نسبة المشاركة في الدورتين مؤشرا على موقع النظام واستفتاءً على شعبية، على العكس من كل التصريحات التي تدلي بها قيادات هذا التيار. من هنا لجأ الاصلاحيون لوسائل مختلفة لتحريك الشارع المؤيد والمحايد ودفعه للانخراط بهذه العملية وذلك انطلاقا من ان ارتفاع نسبة المشاركة وتجاوزها نسبة الخمسين بالمئة ستصب في صالحهم، اما اذا وقفت هذه النسبة عند الخمسين بالمئة او اقل فان المنتصر الاكيد في صناديق الاقتراع سيكون مرشح التيار المحافظ الذي يصدف هذه المرة انه الرئيس الحالي محمود احمدي نجاد. واذا ما استطاع الاصلاحيون فرض النتيجة التي يريدونها وايصال مرشحهم – موسوي – الى الرئاسة ومنع احمدي نجاد من تجديد رئاسته لولاية ثانية، فان ذلك سيشكل سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الايرانية منذ انتصار الثورة، اذ سيكون احمدي نجاد اول رئيس يتولى المنصب لدورة واحدة، كما كان انتخابه استثناء في هذه الانتخابات عندما كان وصوله بحاجة الى دورة ثانية ايضا.
انسحاب خاتمي من السباق الانتخابي دفع التيار المحافظ الى الاعتقاد بفرضية ان خاتمي فضل الهرب من ساحة المنافسة لاعتقاده بالخسارة وان الثمن الذي قد يدفعه سيكون كبيرا في حال الخسارة، خصوصا وانه يعتبر الرجل الاقوى بين الاصلاحيين وان النتيجة اذا كانت لصالح المحافظين فانها ستكون مزدوجة، اي هزيمة خاتمي وهزيمة الاصلاحيين، وان هؤلاء لن يكون بمقدورهم توجيه اتهامات بالتزوير وشراء الاصوات او تدخل المؤسسات العسكرية والامنية والسياسية.
دخول موسوي السباق الرئاسي بشخصيته الاشكالية وضع التيار المحافظ وقيادة النظام امام تحد واحراج لم تكن محبذة له، فالخطاب السياسي والثوري لموسوي لا يختلف بمنطلقاته عن المنطق الذي يتبناه هذا التيار، وهو قادر على مخاطبة الاصوات الصامتة في قاعدته الشعبية المتذمرة من تصرفات وتجربة احمدي نجاد في السنوات الاربع الماضية، ومن الممكن ان تتبنى الخطاب الذي يقدمه وان تقترع له. من هنا يمكن قراءة ترشح القائد الاسبق لحرس الثورة الاسلامية وسكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي الذي يعتبر صوتا معتدلا ومقربا من جناح الاعتدال داخل التيار المحافظ الذي يضمه الى جانب رئيس البرلمان علي لاريجاني وعمدة طهران الجنرال محمد باقر قاليباف، وان هذا الترشيح هدفه كسب اصوات هذه الشريحة المترددة بين القاعدة الشعبية المحافظة ومنعها من الاقتراع لموسوي لتشكل له رافدا مهما في ظل عدم قدرته حتى الان من توحيد الشارع الاصلاحي خلفه وبالتالي الابتعاد عن الحرج القليل الذي يشكل اصرار كروبي على الاستمرار في السباق.
من الواضح ان التنافس الابرز سيكون بين قطبي التيار الاصلاحي موسوي والمحافظ احمدي نجاد، والمرشحان الاخران يشكلان عامل رفد لارجحية احمدي نجاد بالفوز، لان كلاهما سيأخذ من موسوي في حين ان الكتلة البشرية التي تمتثل للامر السياسي والعسكري والديني لن تكون مترددة في ان تقترع لاحمدي نجاد. خصوصا وان مجال التنافس بينهما محصور في الخطاب الداخلي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، ليبقى الشأن الخارجي في مكان خارج دائرة رئاسة الجمهورية وفي يد المرشد الاعلى الذي يمتلك حق التقرير في السياسات الاستراتيجية والدولية وحتى النوووية التي تلتزم المؤسسات التنفيذية بتطبيقها والالتزام بها.
hassanfahs@hotmail.com