إنها أيامي لا شيء آخر.. وإنها «بلادي» التي تمضي بعيداً؛ لا هي تنتظر ولا العمر ينتظر أيضاً. حينما أقرأ ما دونته في هذا الكتاب؛ الذي يبدو شبيها بـ«اليوميات»! أشكر الظروف التي جعلتني دائما خارج «البلاد»؛ فما كان ممكنا لأي صوت أن يعلو مسميّاً السجون بأسمائها ومطالباً بالهواء، أن يظل «خارج السرب» وبعيداً عن القضبان.. شكراً للمصادفات؛ فلم أكن في بقعة الضوء فأهملتني اليد العمياء التي قطفت أجمل ما في بلادنا لتضعهم في السجون؛ أو تشردهم في المنافي. ليس هناك «بطولات» لأسردها؛ كل ما في الأمر أني كتبت ونشرت وأنا في الغالب خارج «البلاد» ولم أدفع ثمناً لما كتبت كما دفع غيري من أعمارهم في الزنازين الرطبة وفي أقبية التعذيب.. بالمقارنة مع هؤلاء؛ وبالمقارنة مع الذين مضت أعمارهم في المنافي؛ سأخجل حتماً من ذكر أني اشتقت لسوريا.. «بلادي».
إنه زمننا السوري الذي يمضي بطيئاً، وما كتبوه أمس يصلح لـ«سوريا اليوم» وما نكتبه الآن يصلح لـ «سوريا الغد».
منذ أكثر من أربعين عام وبلادنا «وناسها» تتجرع المرارة.. تتجرع الصمت والسجون والمنافي والتعذيب والنهب المنظم وقمع أصواتنا. لقد دفعت سوريا وشعبها ثمناً فادحاً عبر هذي السنين وتحولت من مشروع دولة الى مجرد «مشروع» للنظام وأجهزته وأتباعه وتحولت بلادنا الى «بلاد بلا أمل».. نعم لم يعد هناك أمل وهذا أفدح الخسارات التي منيت بها سوريا في ظل حكم الأسد الأب والابن وسيرياتيل.. لم تعد هناك أحلام أيضاً لا على المستوى الشخصي ولا على مستوى «البلاد».
تعالوا أيها الموتى تعالوا.. يا من دفعتم حياتكم حالمين بسوريا الجميلة.. حالمين بغدٍ أفضل لأبنائكم؛ تعالوا لترو كم من البشر استهلكتها السجون وآلة القتل «المبصرة» لكل من راوده الأمل، كم من الأعمار استهلكت في المنافي حالمة بالعودة الى ترابها ومائها…
ها نحن رهائن في يد نظام لا يبصر غير «لعبة الكراسي» وحساباته التي تتكدس في بنوك الغرب «الإمبريالي: سابقاً» ولا ندري ولا أحد يدري متى يفرج عنا…
في هذه المقالات المنشورة جميعها على مدار أكثر من نصف عقد من الزمن في ظل «مسيرة التطوير والتحديث»؛ كنت أحياناً أقترب من حافة الأمل؛ وفي الغالب أتلمس يأسي وأستدل به على عمري الذي يمضي.. لم أكن على صواب دائماً ولم تكن رهاناتي صائبة دائماً خصوصاً في رهان «أمل التغيير» لكني كتبت رأيي في كل حين؛ وإذ لا يمكن وضع سلطة كالتي تحكم «بلادنا» بنفس السلة مع «معارضتها» إلا أن ذلك يجب أن لا يدعنا نغفل عن وضع هذه «المعارضة» الذي أيضاً يبدد الأمل..
إنها يوميات عن «سوريا» تترافق احيانا مع أحداث “جسيمة”؛ وأحيانا يحركها الألم. لم يكن هناك بد من السخرية فهي طافحة في أغلب ما دوّنته هنا، لكنها تخفت أحياناً مع «الأمل» والخضّات المرعبة التي تعرضت لها «البلاد» وتطفو على السطح مع اليأس في الغالب.. سنمضي حتى لو لم يكن «هناك ضوء في آخر النفق».. حتى لو تحول حاضرنا الى كتلة من اليأس؛ ومستقبلنا بلا أمل فلا بد أن نحلم بعودة «سوريا» لأبنائها في زمن آخر…
بقي أن أشير أن المقالات تتبع الترتيب الزمني معكوساً لنشرها في الغالب؛ إلا في حال ارتباط بعضها بموضوع واحد؛ في تاريخ مختلف. كما أنها لاتشمل كل ما نشرته في تلك الفترة…
20/8/2009 – الإسكندرية
مقدمة كتاب «عن البلاد التي بلا أمل» الصادر حديثا عن جدار للثقافة والنشر