تحت عنوان “الأمير ينتصر للدولة المدنية”، عرضت “القبس” الكويتية مقاطع من “رد”” الأمير لمشروع قانون أقرّه البرلمان الكويتي تحت عنوان “قانون إعدام المسيء لمقام النبوة”. وكما كان متوقّعاً، فقد ردّ الأمير مشروع القانون “الغوغائي” (والطائفي ضمناً، وهذا مفجع في بلد عُرِف بالتسامح) الذي أقرّه البرلمان تحت ضغط كتلة من النوّاب الذين يبدو أحياناً أن همهم عرقلة شؤون البلاد وإدخالها في متاهات تحول دون نقاش أي مشروع يتعلق بالتنمية وبمستقبل أهل الكويت.
وقد ركّز الأمير في ردّه للمشروع (وهذا حقّه الدستوري) على مخالفة المشروع للدستور الكويتي (ولشرعة حقوق الإنسان الدولية) الذي تنص المادة ٢٩ منه على أن “الناس سواسية في الكرامة الانسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين”. فالقانون الذي اقترحه نوّاب “إسلاميون” يتضمن حكم إعدام على المسلم يقابله ١٠ سنوات سجناً لغير المسلم للعقوبة نفسها!
تجدر الإشارة إلى نقطتين في الردّ الأميري:
الأولى هي أن “المذاهب في الشريعة الاسلامية تتعدد واختلفت في هذا الشأن”. وهذه نقطة أساسية لأن فكرة “الردة” كلها ليست من القرآن بل من تفسيرات الفقهاء. وهي تختلف باختلاف الفقهاء، وصولاً إلى رفض مبدأ “الردّة” من أساسه، كما يفعل الشيخ جمال البنّا (شقيق مؤسس “الإخوان المسلمين) لأنه يناقض مبدأ حرية الإعتقاد القرآني (.. “ومن شاء فليكفر”) أو “قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل” (يونس 108). بالمناسبة، فإن “إبن تيمية”، الذي يشكل “مرجع” التيارات الإسلاموية، يؤكّد أن “أن الرسول لم يقتل أحدا لمجرد الردة”!! وفي عهد أبي بكر، فإن كثيرا من المرتدين كانوا مسلمين يؤدون الصلوات، ولكنهم رفضوا دفع الزكاة! ولهذا أعلن أبو بكر: “لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه للرسول لقاتلتهم عليه“! وهو لم يقل “لو ارتدوا عن دين الله”!
والثانية هي أنه (وفقاً لما جاء في الردّ الأميري) “يتعين تحديد فعل الطعن باعتباره الركن المادي للجريمة وبيان ما يعد منه ردة تستوجب تطبيق العقوبة المشددة”. وهذه نقطة حاسمة، وسبق أن أشار إليها “الشفاف” في مقال سابق. فلا يمكن لـ”قانون” أن يقوم على إتهامات “غائمة” وخاضعة لـ”تقديرات شخصية”، وإلا فإن عدم دقته تُبطل قانونيته.
بكلام آخر، بدون تحديد دقيق وصارم لـ”التهمة”، فإن “القاضي” يتحوّل إلى “مشرّع” وإلى “قاضي” في الوقت نفسه! كما هو الحال في السعودية مثلاً، حيث يرفض معظم “العلماء” ما يسمى “تقنين الشريعة” ويصرّون على احتكار حقّ “تفسير الشريعة” والحكم بموجب تفسيرهم هم لها.
من مصر إلى الكويت، يشكّل التيّار “الإسلاموي” خطراً على فكرة “القانون” في المنطقة العربية، ويروّج لنوع جديد من “الإستبداد” أطلق عليه “أحمد مسعود شاه” تسمية “الفاشية السوداء”.
إنتفاضات الشعوب العربية لم تقُم تحت شعار “يسقط الطاغية، عاش الطاغية “المعمّم”! أو كما قال مفكّر مصري “لم ننتفض على مبارك لكي نسلّم مصر للإخوان المسلمين”.
أخيراً، كما قال معلّق كويتي، فإن ردّ الأمير للقانون “المسيء” يقي الكويت وسمعتها الدولية من مغبّة التشهير بها كدولة قامعة لحرية التعبير على غرار ما أصبح حال بلد مثل باكستان، الليبرالية سابقاً، منذ عهد ضياء الحق. هل فكّر النوّاب الذين تبنّوا المشروع في ما كان سيحلّ بسمعة الكويت في اجتماعات اللجنة الدولية لحقوق الإنسان لو تم العمل بهذا القانون، وتطبيقه؟ هذا، إلا إذا كان نوّاب الإسلام السياسي لا “يأبهون” للمجتمع الدولي. حالهم في ذلك حال بشّار الأسد الذي “عَزَل العالم” قبل يومين حينما طرد ١٧ سفيراً أجنبياً!
بيار عقل
*
القبس:
الحكومة ترد قانون إعدام المسيء: مخالف للدستور ويحوي ثغرات قانونية
أحالت الحكومة إلى مجلس الأمة المرسوم 131 لسنة 2012، برد مشروع قانون بإضافة مادتين جديدتين برقمي 111 مكرراً و111 مكرراً «أ» (قانون إعدام المسيء لمقام النبوة».
وبيّنت الحكومة أن القانون سالف البيان قد شابه مخالفة دستورية، فضلاً عن ثغرات قانونية وعملية، مشيرة إلى أن هذا القانون ميّز بين الناس بسبب الدين، عندما خص بالإعدام المسلم دون غيره، وهو ما يتعارض مع المادة 29 من الدستور، وفي ما يلي نص مرسوم الرد:
من حيث أن مجلس الأمة قد وافق في جلسته المنعقدة يوم الخميس الموافق 3 مايو 2012 في المداولة الثانية، على الاقتراح بقانون المقدم من بعض السادة الأعضاء، بإضافة مادتين جديدتين برقمي 111 مكرراً، 111 مكرراً «أ» إلى قانون الجزاء المشار إليه.
وتضمنت المادة 111 مكرراً أن يعاقب بالإعدام كل مسلم طعن علناً أو في مكان يستطيع منه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام، عن طريق الاستهزاء أو السخرية أو التجريح بالقول أو الصياح أو الكتابة أو الرسم أو الصور أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر بالذات الإلهية أو القرآن الكريم أو الأنبياء أو الرسل، أو طعن في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عرض زوجاته، بعد استتابة القاضي له وجوباً، إذا أصدر على جرمه أو رفض التوبة، ويعاقب العقوبة ذاتها من ادعى النبوة.
درجات التقاضي
ولا يجوز للمحكمة عند تطبيق حكم المادة 83 من هذا القانون أن تستبدل بعقوبة الإعدام سوى عقوبة الحبس المؤبد، وتكون العقوبة هي الحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن عشر سنوات، اذا كان مرتكب الجريمة غير مسلم ويحكم بمصادرة الاشياء المضبوطة المستعملة في الجريمة. كما قضت المادة 111 (مكرر أ) منه بانه يجوز للمحكمة في اي درجة من درجات التقاضي، ولو لاول مرة امام محكمة التمييز، النزول بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة الى الحبس المؤقت الذي لا تزيد مدته على خمس سنوات، والغرامة التي لا تزيد على عشرة آلاف دينار، او باحدى هاتين العقوبتين، اذا اعلن الجاني امامها بارادته الحرة عن ندمه واسفه عن جرمه وتعهد بالتوبة وبعدم العودة الى ارتكابه مستقبلا.
الكرامة الإنسانية
وتقضي المحكمة، فضلا عن العقوبة، بالزامه بنشر اعتذاره وتوبته في صحيفتين يوميتين على نفقته الخاصة.
ومن حيث انه وفقا لحكم المادة 65 من الدستور، فان لسمو امير البلاد حق التصديق على مشروعات القوانين واصدارها، ويكون الاصدار خلال ثلاثين يوما من تاريخ رفعها الى سموه من مجلس الامة، كما تقضي المادة 66 من الدستور بان طلب اعادة النظر في مشروع القانون يكون بمرسوم مسبب.
ثغرات قانونية
ولما كان مشروع القانون سالف البيان قد شابته مخالفة دستورية، فضلا عن ثغرات قانونية وعملية، ذلك ان المادة 29 من الدستور تنص على ان: «الناس سواسية في الكرامة الانسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين»، مما مفاده ان النص الدستوري المشار اليه قد اكد مبدأ المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات بصفة عامة، وخص بالذكر اهم تطبيقات هذا المبدأ بالقول «لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل، او اللغة، او الدين». واذ كانت المادة 111 (مكرر) المضافة بموجب المشروع الماثل قد استهلت نصها كالآتي: «يعاقب بالاعدام كل مسلم طعن علنا..»،
الحبس المؤقت
ثم اوردت الفقرة الثانية منها النص على ما يأتي: «ولا يجوز للمحكمة عند تطبيق حكم المادة 83 من هذا القانون ان تستبدل بعقوبة الاعدام سوى عقوبة الحبس المؤبد، وتكون العقوبة هي الحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن عشر سنوات، اذا كان مرتكب الجريمة غير مسلم». الامر الذي يقطع بان هذا النص قد ميز بين الناس بسبب الدين. اذ اورد عقوبة معينة خص بها المسلم، وهي عقوبة الاعدام، التي لا يجوز ان تستبدل بها سوى عقوبة الحبس المؤبد، بينما حدد لغير المسلم عن الجريمة ذاتها عقوبة الحبس المؤقت، الذي لا تقل مدته عن عشر سنوات.
الحكم المستحدث
هذا، الا ان البين من المذكرة الايضاحية لمشروع القانون ان الحكم المستحدث الذي ورد في التعديل انما يعد تطبيقا للجزاء المقرر في الشريعة الاسلامية للردة، واذا كانت المذاهب في الشريعة الاسلامية تتعدد واختلفت في هذا الشأن، بالاضافة الى انه يتعين تحديد فعل الطعن باعتباره الركن المادي للجريمة وبيان ما يعد منه ردة تستوجب تطبيق العقوبة المشددة، وما هو دون ذلك، خاصة ان النص المقترح قد تضمن صورا تحتمل الكثير من الخلاف على اعتبارها ردة، وبالتالي فان العقوبة المقررة لكل الافعال والصور الواردة في النص المقترح تكون قد اتسمت بالغلو في التشريع الى حد كبير، خاصة ان النص الذي يقترح اضافته الى قانون الجزاء، وهو قانون عام يجب ان يتسم بالعمومية والتجريد، اذ انه يسري على المسلم وغير المسلم.
ومن حيث انه يبين ما تقدم ان مشروع القانون المشار اليه قد شابه عوار دستوري، فضلا عن مخالفته للقواعد القانونية المستقرة، وهو الامر الذي يتطلب اعادته الى مجلس الامة لاعادة النظر فيه.
إقرأ أيضاً: