أسبوع مر على إرتحال نصير بيك وما زال الوجوم يخيم على مبنى الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار منذ بعد ظهر يوم الاحد الفائت، حين تداعى رفاق البيك، للقاء الاول بغيابه، بعضهم دامع العين، يفتقدون نصير بيك داخلا بابتسامته المعهودة، يتفحص الحضور مصافحا الجميع، وبتواضع يختار مكانه بين الحضور قبل ان يدخل الغرف الجانبية لبحث قضية او موقف، أو بيان.
أسبوع مرّ وليس كافيا ليتجاوز أي من عارفي البيك أزمة الفراغ الذي أحدثه غيابه، فالانهماك في تقبل العزاء أشعرنا بأنه ما زال بطريقة ما بيننا، فشاهدناه في عيون جميع الذين تقاطروا الى مجلس العزاء من أقصى اليسار الى أقصى اليمين الى الوسطيين الى المستقلين، مسيحيون بكوه كما بكاه المسلمون والدروز، ترك في قلوب الجميع غصة وحرقة.
عرفته للمرة الاولى في المؤتمر الدائم للحوار اللبناني، الى جانب سمير فرنجية وفارس سعيد والسيد هاني فحص وكثر آخرين من الطينة نفسها، فكان من أوائل الذي قرأوا دروس الحرب من دون ان يتنصل من اي مسؤولية، منطلقا من ان الاقتناع “بأن إجتيازنا نصف الطريق الى الحرب” يشكل مقدمة للخروج منها، فلا حق مطلق لفريق ولا مسؤولية مطلقة على فريق إنغمس في وحول الحرب واوساخها.
عرفته في صحيفة المستقبل، منذ الايام الاولى لإصدار الاعداد التجريبية حتى العام 2000 تاريخ مغادرتنا الصحيفة.
عرفته بيكا كامل الصفات، يحمل من لقب البيك، نبل الاخلاق، وتواضعا قل نظيره، فكان بين العمال عاملا، ومع المقاتلين مقاتلا، ومع المثقفين محاورا واسع الحيلة والمعلومة، ومع الإعلاميين أبا ناصحا ومرشدا.
بعد العام 2009 استعدت علاقتي بالبيك، وتعددت اللقاءات وتكثفت فكنا نلتقي في اجتماعات مقررة، واحيانا تجمعنا الصدفة بعد ان جمعتنا ثورة الارز، فكانت الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار مكانا طبيعيا للقاء البيك بموعد او من دون موعد، واجتماعات التحرير الاسبوعية في قناة اخبار المستقبل كانت موعدنا الاسبوعي لنستمع الى تحليلات البيك للمعطيات السياسية ونظرته الى اين تأخذنا الوقائع السياسية التي كان على علم بالكثير من خبايها.
ومن الامانة العامة لا ننسى صرخة البيك الثائر يوم منعنا من عقد لقاء في فندق “لو غبريال” بعد ان وصلت الفندق تهديدات أفضت الى إعتذاره عن إستقبالنا، فتجمعنا غاضبين حائرين ما بين ساحة الامانة العامة ومدخل الى الفندق، الى ان صدح صوته عاليا لنعتصم امام الفندق ونرفض التهديد وكم الافواه و …. فتبعناه من دون سؤال ووقفنا خلفه خطيبا بيننا .
الى معراب حيث التقينا مرارا وكان البيك صريحا فوق العادة، وما زالت أصداء مداخلته الاخيرة عقب المحاولة الفاشلة لاغتيال الدكتور سمير جعجع تدوي وتطن في الاذن، محاولا تصويب المسار الآذاري، مستفيدا من هول المناسبة ليجعل منها دفعا لانطلاقة جديدة لقوى الرابع عشر من آذار، ومن دون ان يلتبس على أحد ان البيك قال ما قاله صادقا، ولم يكن يقصد لا مزايدة ولا طلب إقرار ولا اعترافا باهميته، ولا تملقا.
وفي منسقية التثقيف في تيار المستقبل التقيت البيك مسكونا بهاجس إعداد الكوادر المستقبليين، لا يهدأ له بال، يتابع أدق التفاصيل، يتصل ويلاحق، خصوصا مناقشة وثيقة تيار المستقبل السياسية الاخيرة والربيع العربي.
نصير بيك مات، وفي قلبه غير غصة، فالقلق على العائلة كان يسكنه، والقلق على الوطن كان هاجسه، و14 آذار كانت تقض مضجعه، فكيف لقلبه الرقيق ان يتحمل كل مباعث القلق هذه، فخانه وغادرنا من دون استئذان.