توقف الزميل الكبير عبداللطيف الدعيج عن الكتابة المحترفة، والمميزة، في “القبس” قبل سنوات، واختار العيش في الخارج. ثم جذبه الحنين ثانية للكتابة فاختار منصة يكتب منها، وأعتقد أن عودته كانت، غالباً، لقلقه على وضع وطنه، ولأن لديه ما يستحق الكتابة عنه.
***
تطرق في مقاله الأخير لحالة «الترانزيت» التي سبق أن تطرقنا لها قبل فترة قصيرة، فكتب عمن نسميهم «المربون الإسلاميون»، والمعنيون بإعداد الإنسان المسلم للقاء ربه، وتهيئته للدار الآخرة، بحيث يتمتع بخيرات الدنيا، ويتجنب عذاب الآخرة، وأن هؤلاء المربين ليسوا معنيين بإعداد الإنسان المسلم للتفاعل مع الحياة في عصرنا هذا، ولا معنيين بإعداده لأن يسبر أغوار الدنيا والتعرف على ظواهرها ومواجهة تحدياتها والتكيف مع مؤسساتها المتقلبة والمتجددة، بل انصب اهتمامهم على تجنيب الإنسان عذاب القبر، وشر الثعبان الأقرع، فهذا حد «جيوشهم»، حسب قوله، أو فهمهم.
وطالب الدعيج بوضع المنهج الحالي للتربية الدينية على الرف، رحمة بأبنائنا وأجيالنا القادمة، لأن مهمة هذا المنهج، كما تبين، هو تقييد حرية النشء والحجر على أي تجديد أو إبداع. وإن الأمر يتطلب نظرة وتساؤلاً عن سبب وجود هذه النسبة العالية بيننا من قليلي التربية والأكثر اعتداء وإيذاء للآخرين، مقارنة بغيرنا؟
فلو قارنا، ببساطة وبطريقة مباشرة، بين تصرفات الخادم أو العامل «المسلم»، بشكل عام، والعاملين الكفرة (كما يطلق البعض عليهم)، من هندوس ومسيحيين وغيرهم، لوجدنا، وأيضا بشكل عام، أن الأخيرين أكثر أمانة وإخلاصاً في عملهم، ويقل بينهم الغش والسرقة، وحتماً أقل كذباً. كما نجدهم يحترمون الآخرين ويحرصون على مودتهم وحتى راحتهم. بينما نجد المسلم المتربي بالقوة دينياً أقل منهم أدباً وأمانة، ولا يمكن غالباً الاعتماد عليه. ويرى الدعيج أن السبب يكمن في أن «جماعتنا» مدربون على مخافة الله، وأن تكون قلوبهم مليئة بطاعته، وهم صادقون في ذلك غالباً. ولكن في جانب آخر نجدهم غير مكترثين بـ«دنياهم» أو بالاجتهاد لأن يكون لهم مكان مع بقية شعوب الأرض. فالمسلم مشغول ومعني بالآخرة وبتجنب عذاب جهنم، وبقية الأهوال التي تنتظره بعد وفاته، وليس بأفعاله في هذه الدنيا. فلو أنه سرق أو كذب أو أساء إلى الغير فسوف يرى الأمر بسيطاً جداً، ولا يحتاج لكل هذا التهويل، فقد علمه «المربون» أن حجة واحدة تمسح كل الخطايا وتلغي كل الذنوب. كما بإمكانه أن يستغفر، فالله غفور رحيم، هذه باختصار زبدة التربية الدينية الإسلامية المفروضة بالقوة علينا وعلى أبنائنا، والتي يجب إعادة النظر فيها، خاصة أنها مادة مستحدثة، ومن وضع البشر، وقابلة للتعديل والتبديل.
***
يقول مات ريدلي: النمو المتزايد يعني في حقيقته الانكماش! فالاتجاه اليوم يفيد بأن المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي لا يتمثل في استخدام المزيد من الموارد، بل في استخدام «الابتكار» لفعل المزيد بموارد أقل. أي الحصول على المزيد من الغذاء باستخدام أرض ومياه أقل، والمزيد من استخدام المحركات بوقود أقل، والمزيد من الاتصالات بكهرباء أقل، والمزيد من المراسلات مقابل ورق أقل، والمزيد من المواد بنقود أقل، وهكذا.
وهذا الاستخدام الأمثل للموارد يتطلب «الابتكار»، وهذا لا يمكن أن يتحقق بغير الحرية، فشعوب بلا حرية لا تستطيع أن تبتكر!
فهل نحن شعوب حرة، حتى في تفكيرها؟؟
a.alsarraf@alqabas.com.kw